نجم الهاشم

حرب التحرير بين عون ونصرالله: هزّ المسمار (2 من 2).. الغضب الساطع والتجييش والإنتصار

16 آذار 2024

02 : 00

عون قبل 13 تشرين
في 13 تشرين الأول 1990 لجأ العماد ميشال عون إلى السفارة الفرنسية في الحازمية بعدما كان أقفل السفارة الأميركية في عوكر. على رغم احتلال الجيش السوري قصر بعبدا ووزارة الدفاع وسقوط كل الشعارات التي رفعها، من حرب التحرير إلى حرب الإلغاء، بقي يعتبر أنّ هذه الهزيمة الكاملة انتصار وتحقيق لشعاره «يستطيع العالم أن يسحقني ولكنه لن يأخذ توقيعي». كما عون كذلك نصرالله يستمرّ في التأكيد على الإنتصار في المعارك التي خاضها وتلك التي يخوضها.

في كلمة له في افتتاح الأمسيات القرآنية الرمضانية مساء الأربعاء 13 الجاري، أكّد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أنّ «جبهة جنوب لبنان جزء لا يتجزّأ من معركة غزة»، وكرّر التزام «إسناد المقاومة في غزة، مهما طال الوقت» واعتبر أنّ «النصر يحتاج إلى مزيد من الصبر والتحمّل، في مقابل مؤشرات التعب التي بدأت تظهر جلياً في كيان العدو، والتي ستجبره على التراجع أمام صمود المقاومة وأهل غزة». وحسم النصر بقوله: «العدو خسر الحرب حتى ولو ذهب إلى رفح لأنه لم يقدّم مشهد نصر ولم يحقق أي هدف من الأهداف التي أعلن عنها».

النصر قبل انتهاء الحرب؟

هل يمكن الجزم بالنصر قبل أن تنتهي الحرب؟ وهل ما أعلنه نصرالله يقارب الواقع أم أنه كلام استيعابي لنتائج حرب الإستنزاف التي يخوضها؟

حتى منتصف ليل 12- 13 تشرين 1990 بقي العماد عون يعتبر أنه منتصر وأنّ الجيش السوري لن يهاجم قصر بعبدا، ليس خوفاً منه ومن قوته النارية التي تآكلت، بل لأنّ رئيس المخابرات السورية في لبنان العميد غازي كنعان كان حدّد موعداً في ذلك النهار لاستقبال وفد يمثّله، على رغم أنّه كان تلقّى نصائح بالتسليم بالخسارة واطّلع من الوزير السابق إيلي حبيقة على أمر العمليات السوري وعلى ساعة بدء المعركة.

خسر عون حرب التحرير في أواسط العام 1989 عندما تحوّلت إلى عمليات قصف تفوّق فيها النظام السوري الذي تمكّن من فرض حصار محكم على المناطق الشرقية من دون اعتراض دولي بينما صار العالم كلّه ينتظر رحيل عون. وخسر عون الحرب عندما اضطرّ بعد شنّ حرب الإلغاء على «القوات» إلى الإستعانة بالسوريين والتابعين لهم في لبنان لمدّه بكل أسباب الإستمرار في حربه ضد «القوات اللبنانية»، بعدما أوقف حرب التحرير ونقل ألوية الجيش الذي يأتمر به لتقاتل في كسروان وعين الرمانة وضبية.

كما عون يعتبر نصرالله أنّه منتصر في كل الحروب التي خاضها ضد إسرائيل. على رغم قوله بعد حرب تموز 2006 أنّه ما كان ليقدم عليها لو كان يعلم بردّ الفعل الإسرائيلي المدمر، فإنّه اعتبر أنّه انتصر. وعلى رغم أن القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن في 12 آب 2006 وأنهى الأعمال العسكرية أكّد على نزع سلاحه، كما ورد في القرار 1559، وعلى استعادة الحكومة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها، وعلى مراقبة كل الحدود، ركز «حزب الله» عمله على تخطّي مندرجات هذا القرار لكي يستمرّ في الإحتفاظ بسلاحه ويسعى إلى تطوير قدراته العسكرية بانتظار مواجهة قد تأتي.

وعلى رغم أنّ «الحزب» التزم قواعد الإشتباك ووقف العمليات العسكرية في الجنوب، انخرط في الحرب في سوريا دعماً للنظام السوري منذ العام 2011 ولا يزال. وعلى رغم الخسائر الكبيرة التي تكبّدها هناك اعتبر أنّه حقّق انتصاراً عندما ساهم في منع انتقال الجماعات الأصولية إلى لبنان، وحال دون سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد، مع أن هذا النظام لا يسيطر اليوم إلا على جزء من سوريا، ومع أنه لا يشارك في حرب المساندة التي يخوضها الحزب تضامناً مع حركة حماس في غزة.



دمار في الجنوب بعد القصف الإسرائيلي



وقف الحرب وقلم بايدن

واقع الأمر في معركة غزّة وفي حرب «حزب الله» في الجنوب لا يعكس حقيقة ما قاله نصرالله عن النصر الكبير وعن الهزيمة الإسرائيلية. ما يجري على أرض غزة يوضع ضمن خانة التمهيد للخطوة الأخيرة في الحرب ضد «حماس». وإلا لماذا هذا التمسك بمطلب وقف القتال؟ ولماذا «يناشد» السيد حسن نصرالله الرئيس الأميركي جو بايدن وضع حدّ لهذه الحرب «لأنّ بإمكانه أن يفعل ذلك بشخطة قلم»؟

صحيح أنّ الحرب هناك دخلت شهرها السادس ولكن منذ البداية لم تعلن إسرائيل أنّها ستحسم هذه الحرب في خلال أيام أو أسابيع. وضعت الهدف بالقضاء على قيادة «حماس» والسيطرة على القطاع، ولم تحدّد الوقت. معظم تصريحات القيادات الإسرائيلية تتحدّث عن تحقيق الهدف مهما طال أمد القتال. ولا تخفي أنّها تضع أيضاً على رأس أهدافها إبعاد خطر «حزب الله» من الشمال بالدبلوماسية أو بحرب مماثلة لحرب غزة. وبعيداً عن جو الأزمة الداخلية التي حكى عنها نصرالله في إسرائيل، وعن الثمن الباهظ التي تتكبّده وعن التعب، فإنّ أكثرية الشعب الإسرائيلي لا تزال تؤيد استمرار الحرب في غزة وتؤيد أيضاً نقل الحرب إلى لبنان ضد «حزب الله».



جيش إسرائيلي في غزة


ولا تزال واشنطن تدعم هذه الحرب وعملها على إنشاء مرفأ على شاطئ غزة ليس إلا مساهمة في هذه الحرب لتمكين إسرائيل من شنّ المعركة الأخيرة على رفح بعد أن يكون تمّ نقل النازحين الفسطينيين إلى شواطئ القطاع. والخلاف بين واشنطن وإسرائيل ليس على المطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب بل على طريقة إنهائها بأقل قدر من التعرض للمدنيين. والخلافات بين أركان الحكومة الإسرائيلية ليست أيضاً بين من يطالب بوقف الحرب وبين من يطالب باستمرارها بل بين مزايدين على كيفية الحسم وتبني النصر. من هذه الخلفية يبدو أنّ حرب غزة أعادت إحياء العصبية الإسرائيلية وأيقظت الجيش الإسرائيلي من حالة الإستراحة والتلاشي وأعادته إلى قلب المعركة جيشاً مقاتلاً بكامل جهوزيته لكي تسقط مع هذه الحرب نظرية أن إسرائيل آيلة إلى الزوال وأنها أوهن من بيت العنكبوت.



جيش سوري في قصر بعبدا



من التحرير إلى القصف

كما حرب تحرير العماد عون، تحولت حرب تحرير السيد حسن نصرالله في الجنوب إلى عمليات قصف متبادل سجلت فيها إسرائيل تفوّقاً على «الحزب» بحيث بات في وضع من يتلقّى النتائج وليس في موقع من يفرض مجريات القتال، وفي موقع من يريد وقف الحرب وليس في موقع من يريد تخطّي الحدود والدخول إلى الجليل كما كان دعا مقاتلي حزبه إلى الإستعداد لتنفيذ مثل هذا القرار عندما يصدر. وما قاله السيد نصرالله عن إخفاء العدو حجم خسائره قد لا يقارب الواقع لأن مثل هذه الخسائر لا يمكن إخفاؤها في إسرائيل حيث تبقى المحاسبة فوق القيادات العسكرية والسياسية والتجارب السابقة دليل على ذلك.

يتشابه عون ونصرالله في مسألة تجييش الجماهير، وفي الغضب الساطع الذي يحركانها بواسطته. ولكنهما يختلفان في أمور كثيرة. حسابات نصرالله الإستراتيجية تتفوّق على حسابات عون. خرج عون من قصر بعبدا في 13 تشرين 1990. بعد عام ونصف كان نصرالله يدخل إلى المعادلة أميناً عاماً لـ»حزب الله» بعد اغتيال إسرائيل سلفه السيد عباس الموسوي. خاض عون معاركه العسكرية والسياسية الفاشلة من دون حسابات ولكن نصرالله جهّز لحروبه من خلال حسابات ومعارك متلاحقة خاضها ونجح في تجاوز نتائجها، لكي يراكم ترسانته العسكرية مستفيداً من دعم إيراني غير محدود ومن تخاذل دولي ومحلّي في مواجهته.

عندما كان عون يخوض حرب التحرير كان «حزب الله» ضدّه ويعتبره واحداً من لائحة الشياطين التي تبدأ في واشنطن وتمرّ بإسرائيل وتصل إلى الفاتيكان وبكركي وبشير الجميل وسمير جعجع. ولكن كل ذلك لم يحل في استراتيجية نصرالله من التلاقي مع عون قبل عودته إلى لبنان في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولم يمنعه من ردّه إلى قصر بعبدا بعدما تمسك به مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية. ولكنه بدل أن يساعده ليحكم أمسك به وبحكمه. تلك كانت أيضاً إحدى معارك عون الخاسرة. كما فشل في حرب تحرير لبنان من جيش النظام السوري فشل في تحرير نفسه والحكم من قبضة نصرالله.



استراتيجيّتان قبل التفاهم وبعده



الصبر لا حدود له

على رغم الفوارق بين مسيرتي عون ونصرالله قبل تلاقيهما في 6 شباط 2006 في مار مخايل يجمعهما تقييم نتائج حروبهما على أساس أنهما منتصران في كل وقت، وأنّ العدو خاسر ومنهزم في كل وقت. وإذا كان عون اعتقد أنه هزّ المسار السوري في لبنان قبل أن يعود ويثبّته بعد عودته، فإنّ نصرالله اعتقد ويعتقد أنّه هزّ مسمار الكيان الإسرائيلي في فلسطين ومسمار الإنتشار الأميركي في المنطقة. وعلى رغم أنّه بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني هدّد القوات الإميركية بالإنسحاب لأنّهم أتوا عمودياً وسيعودون أفقياً، كيف يمكنه أن يفسِّر أوامر طهران لأتباعها في العراق مثلاً بعدم التعرض للقوات الأميركية؟

إعتبر نصرالله أنّ إسرائيل لا تجرؤ على الهجوم على لبنان وأنّها تخاف من قوة الردع التي يمثلها، ولكن خطاب محور الممانعة يتحدّث منذ بدأت حرب غزة عن أنّ إسرائيل تريد توسيع الحرب المحدودة إلى حرب شاملة وأنّ المطلوب عدم إعطائها هذه الذريعة. ربما من هذه الزاوية يمكن فهم نظرية الصبر الإستراتيجي ريثما تأتي الساعة، لأنّ الصبر والإنتظار أيضاً انتصار.

MISS 3