محمد دهشة

"فرّانة" أمام باب النار... من أجل لقمة العيش

18 آذار 2024

02 : 00

هنادي حمود أمام باب النار في الفرن في وادي الزينة

تناضل المرأة من أجل المساواة مع الرجل في المجتمع، ولكن الفلسطينية هنادي صلاح حمّود أسقطت كل هذه الاعتبارات، وتكافح بعرق جبينها من أجل تأمين قوت عائلتها ومساعدة زوجها في تعليم أبنائهما، في ظل أسوأ أزمة معيشية عرفها لبنان منذ سنوات، وما زالت مستمرّة بتداعياتها السلبية حتى اليوم.

هنادي لاجئة اقتحمت ميدان عمل الرجل الصعب وكسرت حكره، وأصبحت أول «فرّانة» في مخيّم شاتيلا في بيروت، تقف أمام باب النار بعد تجهيز الطحين وعجنه ورقّه وخبزه لإعداد مناقيش الزعتر والجبنة والكشك والبندورة والبصل واللحمة والسبانخ وسواها.

داخل فرنها في وادي الزينة – إقليم الخروب، تمضي هنادي ساعات في العمل من دون كلل أو ملل، في حركة دائمة، تلبّي طلب زبون وتردّ على اتّصالات آخر وترسل الدليفيري، وسط ابتسامة لا تغيب عن ثغرها، وقد باتت أشهر من نار على علم في الفرن الذي أطلقت عليه اسم «الأصدقاء» تيمّناً بمكتبة أمها.

وهنادي البالغة من العمر 50 عاماً من بلدة دير القاسي قضاء عكا وهي أم لخمسة أولاد، تقول لـ»نداء الوطن»: «لم أُكمل علمي على الرغم من أن والدي كان مديراً لمدرسة تابعة لوكالة «الأونروا»، نزلت إلى ميدان العمل باكراً، وتنقّلت بين مهنة وأخرى، إلى أن تزوّجت وتوقّفت من أجل تربية أطفالي».

لم تمضِ هنادي كثيراً من الوقت في المنزل، إذ سرعان ما عادت إلى العمل من أجل مساعدة زوجها في تأمين مصروف العائلة وتعليم الأولاد، وتقول: «أصبحت أول صاحبة فرن في مخيّم شاتيلا، قبل أن أنتقل إلى هنا في منطقة وادي الزينة، حيث تعيش مئات العائلات اللبنانية والفلسطينية معاً، لقد أصبح لدي زبائن كثر يقصدونني من كل أرجاء المنطقة. صمّمت على تعليم أولادي بخلاف ما كنت عليه. ابنتي فاطمة درست إدارة الأعمال، وابنتي سارة تخصّصت في دراسة الشريعة. أما ابني بكر فقد أصبح مهندساً ويعمل الآن في أوكرانيا، بينما ما زال الآخران في المدرسة، الحياة أصبحت صعبة وتحتاج إلى مصاريف كثيرة ونحن محرومون من كل الحقوق وعلينا الاعتماد على أنفسنا في تأمين كلّ شيء».

وكما في رحلة لجوئها كذلك في ترحالها، تنقّلت هنادي من مهنة إلى أخرى، «في البداية استأجرت دكاناً بمدرسة في منطقة برج البراجنة. وبعد مضي ثلاث سنوات وبسبب ارتفاع إيجار الدكان، قرّرت تركه وفتحت فرناً للمناقيش في مخيّم شاتيلا حيث كنت أقيم، فاستأجرت محلاً واشتريت المعدّات كافة، ثم بدأت العمل بعرق جبيني».

لم تخجل هنادي كونها اقتحمت الميدان الذي يعتبر حكراً على الرجل مثل العمل في الفرن، وهي مهنة شاقة وتتطلّب قوّة وصبراً، بل تفتخر أنها أول «فرّانة» في المخيم سابقاً وفي وادي الزينة حالياً، وتقول «على العكس هذه المهنة تصلح للنساء وتحتاج إلى نظافة ونفس طيب في إعداد العجين والمناقيش وهذا ما حصل»، قبل أن تردف «لقد «تعرّضت لانتقادات ولكنني لم أبالِ لها». وتضيف بثقة «لقد مضى حوالي ثماني سنوات منذ ذلك الحين، وها أنا أقف أمام باب النار في الفرن ومستمرّة في العمل».

MISS 3