ستيفاني غصيبه

في عيد الأم... العنف القانوني يحرق قلوب أمهاتنا

21 آذار 2024

02 : 05

من إحدى حملات «كفى» للمطالبة بقانون أحوال شخصيّة موحّد
ربّما ليس موضوع الأحوال الشخصيّة أفضل هدية نقدّمها للأم في عيدها؛ لكنه يفرض نفسه بقوة ما دامت الأمّهات تحت حكمها وظلمها، وما زال بعضهن يُحرمن من أولادهنّ تجبّراً وظلماً أو يترجّين المحاكم لتحكم بالعدل. فهذه القوانين المتعدّدة التي نُصّ معظمها منذ أكثر من نصف قرن، تستمر على حالها، تميّز ضدّ النساء وبينهنّ على أسس طائفيّة على سبيل المثال لا الحصر. وبالرغم من أنّ لبنان وقّع على اتّفاقيات دوليّة تنصّ على إلغاء التمييز على أنواعه، إلّا أنّ الواقع لا يراعي الإنسانيّة بشيء. فماذا نهديكِ في عيدكِ؟ أتكفيكِ وردة أو قالب حلوى أو هديّة صغيرة لتغضّي النظر عن كلّ الظلم والظلامة؟ أيبرّد عيدكِ هذا قلبكِ أو يخفّف من وطأة قوانيننا المهترئة ومحاكمنا المنهِكة؟إذا كانت تكفيكِ، فأنتِ من الأمّهات المحظوظات اللواتي لم يقعن بعد تحت رحمة قانونٍ مجحفٍ أو قاضٍ مرتشٍ...

مستقلّةٌ مادّيّاً؟ حائزةٌ شهاداتٍ جامعيّة؟ ناجحةٌ في عملكِ، موظّفة كنتِ أو مديرة؟ تَسعينَ بكلّ ما أوتيتِ من قوّة لتربية أولادكِ؟

لا يهمّ. أنتِ مجرّد امرأة، مجرّد أمّ. فقوانين الأحوال الشخصيّة التي تنظّم شؤون عائلاتنا والممارسات الناتجة عنها لا تعتبركِ قادرةً على تولّي أمر أولادكِ، على فتح حساباتٍ مصرفيّة لهم، على السفر معهم من دون موافقة «ولي أمرهم»... وفي الغالبيّة الساحقة من الظروف، لن تستحقّي هذا اللقب.

ولو أنّ طوائفنا الـ18 اختلفت على كلّ تفاصيل النصوص القانونية الناظمة للأحوال الشخصية التي تشمل قضايا الزواج والطلاق والنفقة والحضانة والوصاية والإرث، إلّا أنّها اتّفقت على أمرٍ أساسيٍّ نصّاً وممارسةً: الأمّ تابعة في كلّ ما يخصّ أولادها للرجل، أي رجل، زوجاً كان أو أباً، أو حتّى عمّاً أو جَدّاً.

ولو أنّ بعض الحالات تكسر هذه القوانين اللاعادلة، إلّا أنّها تبقى استثناءات رهينة حكمة واجتهاد القضاة وعدالة المحاكم الشرعيّة أو المذهبيّة، ولا تكفي لمعالجة التمييز الممنهج ضد النساء.

قوانين مجحفة

15 قانوناً للأحوال الشخصيّة، تنصّ على ولاية الأب الجبريّة معنويّاً ومادّيّاً وتتجاهل كلّيّاً مفهوم الولاية المشتركة. وعلى حدّ قول الأستاذة فاطيما الحاج التي تعمل مع جمعيّة «كفى»: «ليس هناك أي طائفة أفضل من أخرى، فكلّ طائفة لديها ثغراتها، وكلّها تصبّ ضدّ مصلحة المرأة».

فلننظر في عيّنة بسيطة من الاختلافات الغريبة وغير المبنيّة على منطق أو منهج في ما يخصّ الحضانة مثلاً: سنّ الحضانة لدى الطائفة السنية والإنجيليّة 12 سنة للصبي والبنت؛ لدى الطائفة الشيعيّة سنتان للصبي و 7 للبنت؛ لدى الطائفة الدرزيّة وطائفة الروم الأرثوذكس 14 سنة للصبيّ و15 للبنت؛ لدى طائفة الأرمن الأرثوذكس 7 سنوات للصبي و9 للبت، إلخ...

فعلى أيّ أساس قد تختلف حاجات طفل شيعيّ عن حاجات طفل سنّيّ، أو طفل مارونيّ عن طفل أرثوذكسي؟ أو طفل من دون أي صفة أخرى أصلاً؟ أهذه هي مصلحة الطفل الفضلى التي يحرص عليها قانوننا؟

كذلك، وبحسب تقرير لـHumans Right Watch، فـ «عند انفصال الزوجين، لا يسقط حق الأب في حضانة أطفاله، خلافاً للأم، في حال تزوّج مجدداً. كما أنّ احتمالات الحكم عليه بعدم الأهلية أقل بكثير، إلا في الحالات القصوى التي يعجز فيها عن رعاية الأطفال بسبب إدمان الكحول أو المخدرات».

وفي حال وفاة الأب، تبحث المحاكم في أهليّة الأمّ في رعاية (أو وصاية في حالات نادرة) أولادها. وبحسب الأستاذة الحاج «عادةً ما تكمن المشاكل عندما يشمل غياب الأب إرثاً مرتبط بالأولاد. فيسعى أهل الوالد إلى الحصول على رعاية الأولاد بشتّى الطرق. وهذه ظاهرة منتشرة جدّاً، واجهتها النساء خصوصاً بعد تفجير الرابع من آب، حين كانت وفاة الأب تولّد مكاسب وتعويضات مادّيّة من المنظّمات».

وأضافت: «هناك أمّ تبكي دماً كلّ يوم على أبواب المحاكم الروحيّة لترى أولادها. فالقوانين تمييزيّة، ضدّ النساء وبين النساء».

قانون موحّد وإلزاميّ

مشاركة المرأة في الحياة العامّة لا تكتمل مع استمرار حالة التبعيّة في شؤونها الخاصّة. من هنا، لا مفرّ من فرض قانون موحّد وإلزامي للأحوال الشخصيّة يضمن حقوق الأطفال والنساء والرجال على حدّ سواء، مع إصلاحات جوهرية تقضي على كافّة أشكال التمييز.

وفيما تشير اجتهادات قانونيّة كثيرة إلى أنّه يمكن للأمّهات حماية أنفسهنّ بحيل وتدابير شخصيّة، مثل وضع شروط إضافيّة في عقد الزواج لدى الطوائف الإسلاميّة، إلّا أنّ مثل هذه الأفكار نظريّة وتطبيقها مرتبط مرّة جديدة بثقافة المجتمع وتقبّل الرجل المعنيّ لشروط زوجته. وأشارت الحاج إلى أنّه «طالما أنّ النساء خاضعات لهذه القوانين، كلّ الحيل والنصائح تبقى استثناءات بسيطة. فعلياً، تدرك السيدات ظلم هذه القوانين وصعوبة المفرّ منها، عندما يقعن في خلاف مع أزواجهنّ. فعدا عن القوانين الـ15، هناك منظومة تشرف عليها في المحاكم الروحية، تسيّر المرأة على كيفها مانعةً عنها التوعية اللازمة انطلاقاً من نظرتها الدونية اليها وتلبيةً لبعض المصالح والطلبات المختلفة من سياسيين أو معارف. لذا يبقى القانون الالزامي الحلّ الوحيد لحماية الأمّهات، اذ لا يترك على عاتق المرأة تحصيل حقوقها بشكل فرديّ».

MISS 3