جوزيف حبيب

أستراليا تَنشد السلام وتستعدّ للحرب

22 آذار 2024

02 : 00

أطلقت الولايات المتحدة تحالف «أوكوس» مع أستراليا وبريطانيا في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في أيلول عام 2021 لمواجهة الصعود المتنامي السريع لـ»التنين الأصفر» وإنفلاش نفوذه، فكان وقع إعلان «التحالف الثلاثي» حينها مزلزلاً على الخصوم والحلفاء على السواء، وما زالت تداعياته ماثلة حتّى اللحظة. دخلت كانبيرا عبر هذه الشراكة الأمنية من الباب العريض، حلبة صراع القوى الكبرى في المنطقة، وكسبت صفقة تحصل بموجبها على أسطول من الغوّاصات النووية.

أستراليا طرف أيضاً في الحوار الأمني الرباعي المعروف بـ»كواد»، والذي يضمّ إضافةً إليها كلّاً من أميركا واليابان والهند. دولة «آخر المعاقل» معنية مباشرة، بحكم موقعها الجغرافي، بأي تحوّلات جيوسياسية تطرأ في الهندي - الهادئ. وإن كانت نوايا كانبيرا تسعى إلى سلام عادل ودائم في المنطقة، إلّا أنّها تعمل وفق مبدأ «تمنّى الأفضل وخطّط للأسوأ». تُعدّ أستراليا العدّة للحرب، لأنّ واجباتها تجاه شعبها ومصالحها الحيوية تقضي فِعل ذلك، فيما تتحرّك ديبلوماسيّاً على خطّين متوازيَين، الأوّل يتجسّد بتعميق تحالفاتها مع شركائها وتوسيعها.

أمّا الثاني فيُترجم بتهدئة التوترات مع غريمتها الرئيسية الصين ومحاولة الحصول على تطمينات منها، فضلاً عن تفعيل قنوات الاتصال معها لمنع تحوّل أي سوء تقدير في الحسابات أو تضارب في المصالح، إلى نزاعٍ دامٍ. عقب إعلان «أوكوس»، وجّهت كانبيرا إلى بكين دعوة مفتوحة إلى الحوار. وبعد سنوات من «العلاقات المتأزّمة» والتدابير التجارية الانتقامية، حلّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي ضيفاً على أستراليا الأربعاء، حيث تحدّث عن «كسر الجليد».

حصول أستراليا اعتباراً من عام 2030 على غوّاصات من طراز «فرجينيا» التي تعمل بالدفع النووي، سينقل قوّة البلاد البحرية إلى مستوى أكثر تفوّقاً وفعالية، وسيجعلها أوّل دولة غير نووية تملك مثل هذه الغوّاصات. الدولة الوحيدة التي شاركتها واشنطن هذا النوع من التكنولوجيا هي المملكة المتحدة، وهذا يُظهر مدى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لمنطقة الهندي - الهادئ.

عقدت كانبيرا الخميس شراكة مع مجموعة «بي أيه إي سيستمز» البريطانية لبناء جيل جديد من الغوّاصات النووية التي ستحمل اسم «أس أس أن أوكوس»، وستتسلّمها أستراليا اعتباراً من عام 2040. وتنصّ معاهدة «أوكوس» التي تتعزّز مع الوقت، على التعاون بين القوى الديموقراطية البحرية الثلاث في مجالات متنوّعة ومتشعّبة، بينها تطوير صواريخ فرط صوتية وأسلحة مضادة لها وإمكانات حربية إلكترونية، والدفاع السيبراني، وتوسيع تشارك المعلومات الاستخباراتية، والذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمومية.

ولتأمين ردع يتّسم بالصدقية لمنع أصحاب المشاريع التوسعية من تطبيق مخطّطاتهم أو للتصدّي لها، كشفت كانبيرا في آذار عام 2022 أنّها سترفع عديد جيشها بنسبة تقارب 30 في المئة ليصل إلى 80 ألف جندي بحلول عام 2040، في أكبر زيادة في عديد الجيش الأسترالي في وقت السلم في تاريخ البلاد. كما قدّمت أستراليا خطّة الشهر الماضي مدّتها 10 سنوات تهدف إلى بناء أكبر أسطول بحري لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

على الصعيد الثنائي، وقّعت أستراليا مع اليابان في كانون الثاني عام 2022، معاهدة تاريخية لتعزيز التعاون الدفاعي بينهما ومواجهة التحدّيات الأمنية الاستراتيجية المشتركة. كما وقّعت أستراليا «اتفاق مركز القوات» مع بريطانيا الخميس، يُتيح للحليفتَين القديمتَين تبادل استضافة القوات والمعلومات العسكرية، بينما سبق لكانبيرا أن وقّعت «اتفاق مركز القوات» مع واشنطن منذ فترة طويلة.

وكان لافتاً توسيع حلف «الناتو»، بضغط من واشنطن، علانية في حزيران عام 2022 دائرة اهتماماته من أوروبا إلى الهندي - الهادئ. وضمّت طاولة «قمّة مدريد» الأطلسية حينذاك، قادة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا الذين أعربوا عن ارتياحهم لتضمين خريطة الطريق الجديدة للحلف المعروفة بـ»المفهوم الاستراتيجي»، للمرّة الأولى، ذكر التحدّيات التي تطرحها الصين على مصالح دول «الناتو» وأمنها وقيمها.

لم يحل تمتين أميركا وأستراليا وحلفائهما قدراتهم وتكثيف تدريباتهم ومناوراتهم في المنطقة، دون تصعيد بكين تحرّكاتها الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، و»تنمّرها» عسكريّاً، خصوصاً على تايوان والفيليبين، في وقت يُحذّر مراقبون من أن أي تدهور دراماتيكي في البيئة الأمنية في المحيطَين الهندي والهادئ قد يُشكّل شرارة لحرب عالمية ثالثة.

MISS 3