رواد مسلم

أعداء روسيا ليسوا محصورين بأوكرانيا و"الناتو"

27 آذار 2024

02 : 00

بوتين متحدّثاً في موسكو أمس (أ ف ب)

يشكّك المسؤولون الروس في تأكيدات الولايات المتحدة الاستخباراتية أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» هو المسؤول عن هجوم «كروكوس» الإرهابي ليل الجمعة 22 آذار الذي أودى بحياة أكثر من 139 شخصاً، واتّهموها بالتستّر على أوكرانيا، معتبرين أنّ ما حصل هو عمل استخباراتي متقن ويصبّ في مصلحة الجيش الأوكراني الذي يبدو وضعه الميداني متأرجحاً في الآونة الأخيرة بفعل نقص الذخيرة، وهدفه بثّ الرعب في نفوس المواطنين الروس لزيادة الضغط الشعبي على الكرملين لوقف الحرب.

تداعيات الهجوم الإرهابي في الداخل الروسي على الحرب الأوكرانية هو أكثر ما يُريد بوتين الاستفادة منه، من خلال توسيع بقعة العمليات الهجومية التي بدت واضحة بعد ساعات من العملية، إلى تغيير صورة روسيا المعتدية في أذهان العالم الغربي الديموقراطي إلى المُعتدى عليها من قِبل الإرهاب. وإذا تمكّن المحقّقون الروس من تثبيت إتهام أوكرانيا بالتخطيط للعملية، على الرغم من تبنّي «داعش» لها، فإنّ الأمر سيُحرج الغرب ويُضعف دعمه كييف. عسكريّاً، من المستبعد أن يُحاول الجيش الأوكراني التخطيط لعملية إرهابية في الداخل الروسي ضدّ المدنيين، في الوقت الذي يعرف فيه أنّ عملية كهذه لن تقرّبه من هدفه باستعادة الأراضي المحتلّة، لا بل بالعكس ستكون ذريعة مهمّة للجيش الروسي بحشد القدرات الهجومية للانتقام، علماً أنّ الجيش الأوكراني هو في وضع انتظار وصول الذخائر الغربية وليس بوارد استفزاز العدو.

بعد مرور أكثر من عامين على الحرب الروسية على الأراضي الأوكرانية، وبعد فترة وجيزة من موت المعارض الروسي أليكسي نافالني داخل السجن، وبعد خمسة أيام فقط من فوز بوتين بالانتخابات الرئاسية الروسية من دون منافسة جدية، لا بدّ أن يتململ الشعب الروسي ويطالب ضمنياً بوقف حرب الاستنزاف، خصوصاً من المعارضين، ولن يشدّ العصب الداخلي سوى اعتداء إرهابي دموي ضدّ مواطنين أبرياء عزّل، يُحفّزهم على المطالبة بالانتقام القوي، ويُجبرهم لاإراديّاً على الإلتفاف حول سلطة الكرملين.

وما يُعزّز التأكيدات الأميركية هو تبنّي التنظيم العملية فور انتهائها، فضلاً عن أقوال المُتّهمين الأربعة (هم من التابعية الطاجكستانية في آسيا الوسطى) الذين ألقت السلطات الروسية القبض عليهم جميعاً عندما كانوا في طريقهم للهرب من البلاد عبر أوكرانيا، حسب السلطات الروسية، واعترفوا بأنّهم ينتمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية - ولاية خراسان» ويجهلون من سهّل دخولهم إلى روسيا، علماً أنّ كلّ عمليات تنظيم «داعش» تُنفّذ بالطريقة نفسها لعدم تمكّن المنفّذين من إعطاء أسماء شركاء لهم تحت التعذيب.

عدم قناعة روسيا بالتأكيدات الأميركية يُجنّبها الردّ القوي على «داعش» في سوريا، حيث ما زالت تُحارب هناك منذ 2015، وبالتوازي يُجنّبها الانتقام من تنظيم «الدولة الإسلامية - ولاية خراسان»، ما يُعرّضها لنقمة إسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى في وقتٍ تعتبر فيه العلاقات الروسية - الإسلامية بأفضل أحوالها، فالشيشان يُقاتلون إلى جانب موسكو، والأراضي ذات الغالبية الإسلامية جنوب روسيا تُعتبر منفذاً مهمّاً لربط روسيا بالعالم أجمع، فليس هذا الوقت المناسب للردّ عليهم، وإن ثبت ضلوعهم في العملية. «داعش - خراسان» ينظر إلى روسيا كعدو تاريخي بسبب دعمها النظام السوري واستهداف «داعش» و»القاعدة» وغيرهما على الأراضي السورية، ولديه أسبابه الخاصة في استهداف روسيا الآن. عناصر هذا التنظيم تتكوّن من جماعات من أفغانستان وطاجيكستان وتركمانستان وغيرهم من مسلمي آسيا الوسطى، وقد ضمّ زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي عام 2014 روسيا إلى الولايات المتحدة ضمن لائحة أعداء «داعش».

بالعودة إلى عدم قناعة الروس واتّهام الجيش الأوكراني وخلفه الاستخبارات الأميركية بالتواصل مع المتّهمين الأربعة المنتمين إلى التنظيم، فإنّ «داعش - خراسان» يعتبر الولايات المتحدة عدوّاً وقد نفّذ تفجيراً انتحاريّاً في مطار كابول الدولي في آب 2021 أسفر عن مقتل 13 جنديّاً أميركيّاً أثناء انسحابهم من أفغانستان، فضلاً عن تنفيذه هجوماً انتحاريّاً استهدف حفل المغنية الأميركية أريانا غراندي في «مانشستر أرينا» بإنكلترا في أيار 2017.

لا شكّ في أنّ هناك تقاطعاً للمصالح بين «داعش - خراسان» والجيش الأوكراني وخلفه الولايات المتحدة و»الناتو» بإيذاء روسيا، لكن حسب التحليل العسكري والميداني في هذه المرحلة، لا توجد مؤشّرات تكشف دوافع الجيش الأوكراني بالتخطيط لهذه العملية التي لا تصبّ في مصلحته، إلّا إذا اعتُبرت عملية انتحارية أوكرانية ناجحة تكتيّاً وفاشلة استراتيجيّاً.

MISS 3