رواد مسلم

سياسة "الردع النووي" تبقى الحلّ الوحيد

بوتين متحدّثاً خلال اجتماع في موسكو أمس (أ ف ب)

أدّى الصراع المستمرّ الناتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من تكثيف للخطاب الروسي النووي إلى خلق وضع غير مستقرّ ومقلق، دفع الدول النووية إلى تجديد التأكيد على أهمية الأسلحة النووية في الاستراتيجيات الدفاعية، وإحياء الاستكشاف الفكري النووي. ومن ناحية أخرى، تعمل الدول المعادية لـ»الناتو» إلى جانب روسيا، مثل الصين، على مضاعفة حجم ترساناتها النووية، وتختبر القوى النووية الناشئة مثل كوريا الشمالية، مدى قوة المعايير الدولية من خلال متابعة التجارب.

يعدّ انسحاب روسيا في شباط عام 2023 من معاهدة «نيو ستارت» لمراقبة الأسلحة النووية بين واشنطن وموسكو، مؤشراً إلى جدّية بوتين بالتصعيد النووي وتقليل الشفافية، فالمعاهدة تتعامل مع الصواريخ النووية طويلة المدى والعابرة للقارات. وقد حدّدت المعاهدة ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ العابرة للقارات بما لا يزيد على 700 رأس نووي في قواعد أرضية و1550 صاروخاً نووياً في الغواصات والقاذفات الجوية الاستراتيجية، والبالغة نحو 90 في المئة من الرؤوس الحربية النووية في العالم، مع امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.

للتأكيد على جدّية التصعيد الروسي النووي في وجه الولايات المتحدة وحلف «الناتو»، أعلن بوتين في 25 آذار 2023 نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا (روسيا تمتلك 2000 سلاح نووي تكتي)، وأنّ روسيا طوّرت القدرة على إطلاق أسلحة نووية تكتيكية عبر قاذفات بيلاروسية معدّلة وقامت بتدريب الطيارين على تشغيلها، وأكّدت بيلاروسيا هذا الإجراء، مشيرةً إلى أنّها ستستضيف الأسلحة الروسية ردّاً على سنوات من الضغوط الغربية، مثل العقوبات والنشاط العسكري لـ»الناتو» بالقرب من حدودها، وأنها ستستخدمها إذا هدّدت أراضيها بالتدمير.

هذه الأسلحة التكتيكية تدخل ضمن تصنيف الأسلحة النووية غير الاستراتيجية التي تصنّف حسب نطاق الكيلومترات الخاصة بها، أي أنّها تعتبر أسلحة أرضية قصيرة المدى يقلّ مداها عن 500 كيلومتر، والأسلحة التي تطلق من الجو والبحر والتي يقل مداها عن 600 كيلومتر. أمّا بالنسبة إلى القوّة الإنفجارية للأسلحة التكتيكية، فيجب أن تكون أقلّ من 6 كيلو طنّ (كيلو طنّ واحد يُساوي القوة الانفجارية التي تبلغ 1000 طنّ من مادة «تي أن تي»).

قدرة الأسلحة النووية التكتيكية على الدمار يُمكن أن توازي قدرة القنابل الحديثة الموجّهة التي تُطلقها الطائرات الأميركية من طراز «سي 130» أو القاذفة الشبح من طراز «بي 2 سبيريت». على سبيل المثال، إنّ فعالية 26 قنبلة «جي بي يو 43 بي» التي يبلغ وزن الواحدة منها حوالى 10 أطنان والتي تُطلق من الجوّ على هدف بقعي معيّن، توازي تأثير قنبلة نووية تكتيكية تقلّ قوّتها الإنفجارية عن 6 كيلو طنّ.

من أجل ردع الهجمات النووية التكتيكية الروسية، عزّزت الولايات المتحدة قدرات «الثالوث النووي» في جوار أوكرانيا، حيث زادت أعداد المقاتلات ذات القدرة المزدوجة من طراز «أف 35» والمجهّزة بقنبلة نووية تكتيكية «بي 61-12»، إذ تُعدّ هذه القدرات المرنة أمراً أساسياً لضمان عدم قيام القيادة الروسية بإساءة التقدير في ما يتعلّق بعواقب الاستخدام النووي على أي نطاق، وبالتالي تقليل ثقتها في بدء حرب تقليدية ضدّ «الناتو» والنظر في استخدام الأسلحة النووية غير الاستراتيجية في مثل هذه الصراعات.

لقد خلق الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا مشكلات حقيقية لاستراتيجيتها القائمة على الردع غير النووي، من خلال عدم موثوقية أسلحتها التقليدية الدقيقة واعتمادها على المسيّرات الإيرانية وصواريخ كوريا الشمالية الدقيقة. ومن غير المستبعد أن تعتمد روسيا بشكل أكبر على أسلحتها النووية في المستقبل، ومن المرجّح أن يُعيد الروس النظر في استراتيجيات إدارة التصعيد في ضوء نقاط الضعف المكتشفة. وفي حين أن هذه التطوّرات قد تجعل الأزمة المستقبلية المحتملة مع روسيا أكثر خطورة، فإنّها توفر أيضاً فرصة للولايات المتحدة وحلفائها لإعداد أنفسهم بشكل أفضل للردّ بحزم ضدّ أي عدوان روسي.

سياسة الردع النووي تبقى هي الحلّ الوحيد أمام الاستكبار الروسي، فحتّى الآن لا توجد علامات على أنّ أوكرانيا تتحرّك لبناء ترسانة أسلحة نووية، في حين لو احتفظت بالأسلحة النووية التي كانت متمركزة على أرضها عندما إنهار الاتحاد السوفياتي (تخلّت عن 5 آلاف سلاح نووي استراتيجي وتكتيكي عام 1994 بموجب اتفاق بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة)، كان بوتين سيُفكّر أكثر من مرّة قبل شنّ حربه.

المخاوف في أوكرانيا يجب أن تكون إشارات إنذار للدول المجاورة لإيران، إذ تبدو طهران أنّها تتّبع ذات النموذج الروسي بفرض نفسها حكماً على دول الإقليم. وفي آسيا، هناك احتمال أن تقلق اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تُحاول الصين أن تُضاعف قوتها النووية 3 مرّات (إلى نحو 1000 رأس نووي) في عام 2030.