محمد دهشة

مشهد "غير مألوف" أمام السفارة الكندية... دعوات فلسطينية جماعية إلى الهجرة

7 آب 2019

14 : 10

من الاعتصام أمام السفارة الكندية أمس

في خطوة لافتة، إعتصم المئات من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتحديداً من مخيمات "نهر البارد والبداوي وعين الحلوة"، أمام مبنى "السفارة الكندية" في جل الديب في بيروت، وسط اجراءات أمنية لقوى الامن الداخلي وأمن السفارات، وذلك تلبية لدعوة "الهيئة الشبابية لفلسطينيي لبنان وسوريا". وطرح توقيت الاعتصام تساؤلات حول خلفياته، فهل هو متزامن مع "صفقة القرن" أم "انفجار" غضب شعبي على الواقع الصعب، وهل يشكل "رسالة" الى القيادة السياسية الفلسطينية من اجل الاهتمام بهم وتوفير مقومات الصمود لهم ريثما تتم العودة؟

ولفتت مصادر فلسطينية إلى:

أولاً: تأمين حافلات لنقل المعتصمين من المخيمات إلى السفارة الكندية.

ثانياً: الحصول على ترخيص مسبق لانه من غير الممكن تنظيم أي اعتصام من دون اذن مسبق.

ثالثاً: توزيع الدعوات عبر "مواقع التواصل الاجتماعي" – المجموعات الفلسطينية في المخيمات، قبل أيام من موعده.

رابعاً: جاء الاعتصام بين تطورين، الاحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة على خلفية قتل حسين جمال الخميني وما تبعها من عملية أمنية وإنهاء حالة بلال العرقوب في حي "الرأس الأحمر"، وتداعيات حملة "وزارة العمل" اللبنانية بشأن المؤسسات والعمال الفلسطينيين في لبنان في اطار حملتها تنظيم العمالة الاجنبية غير اللبنانية وفرض الحصول على "اجازات عمل"، تزامناً مع بدء تسريب عناوين "صفقة القرن" الاميركية التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة والتخلص من اللاجئين بطريقتين: إما التهجير أو التوطين.

ورفع المعتصمون يافطات باللغتين العربية والانكليزية، وأعلام كندا، وهي تحاكي الوجع الانساني، ومنها "لا للظلم لا للحرمان، اللجوء الانساني لا يلغي فلسطين، هجرني بس ما توطني، أريد ان اعيش بكرامة لحين العودة... نعم للهجرة، نعم للهجرة الى كندا وتسهيل الاندماج بالمجتمع الكندي لتأمين مستقبل أفضل، سبعون عاماً من المحن: لا اقامة... لا عمل... لا وطن". وتحدّثت إحدى الموظفات في السفارة مع المعتصمين، حيث استمعت الى مطالبهم ووعدتهم بنقلها الى السلطات الكندية.

وفيما تابعت القوى الفلسطينية باهتمام بالغ تفاصيل الاعتصام، قال مسؤول بارز لـ "نداء الوطن"، إن المشهد كان "مخيفاً"، اذ انه في المراحل السابقة كانت الدعوات الى الهجرة تأخذ الطابع الفردي وبعيداً من الاضواء والاعلام، بينما تحولت اليوم الى دعوات جماعية وعلنية "غريبة" عن القاموس الوطني الفلسطيني، والهدف افراغ المخيمات من العائلات، خصوصاً جيل الشباب وصولاً الى "توطين" من بقي، في حال نجحت "صفقة القرن" في تطبيق بنودها.

في المقابل، تحدث المعتصمون عن عوامل عدة جعلت من الهجرة مرغوبة بل مطلوبة: الأمن الهش، الضائقة الاقتصادية، البطالة، الفقر والبؤس، اليأس والاحباط التي يعيشها أبناء المخيمات المحرومين من حق التملك والعمل والحقوق المدنية والانسانية والاجتماعية في لبنان، وانسداد أفق العمل في وجه جيل الشباب، ناهيك عن عدم الاهتمام بشؤونهم وشجونهم فلسطينياً، فشعروا أنهم متروكون لمصيرهم، مشددين على أن "حياتهم في المخيمات باتت لا تطاق بين مطرقة البؤس والفقر وسندان الحرمان، بلا اهتمام او أفق واضح او مستقبل، يعيشون في مرحلة "انتظار قاتل"، وقد مضى عليهم سبعون عاماً بلا حقوق، وبلا عمل، الامر الذي دفعهم الى المطالبة بالهجرة الجماعية من اجل العيش بحرية وكرامة بعيداً من ذل السؤال.

يذكر ان الهجرة التي استفحلت مع طول أمد الأزمة السورية، وفتح الدول الغربية أبوابها لاستقبال النازحين، وجد الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، فرصة ذهبية لشق طريقهم نحوها، باعوا متاعهم ومنازلهم، وحزموا حقائبهم نحو المجهول، دفعوا ما يملكون من أموال و"ما فوقهم وتحتهم"، فاعتمدوا طرقاً مختلفة وبعضهم ركب البحر عبر ميناء طرابلس إلى تركيا أو ليبيا، تاه في الصحراء، أو غرق في البحر، فتحولت أجسادهم إلى طعوم للأسماك في مأساة إنسانية مضاعفة، وبعضهم انتهت به الحال في معسكرات اعتقال، والبعض وصل بسلام، لكنه لم يجد "جنة النعيم" التي توهمها خاطئاً وما زال يكابد العناء للحصول على إقامة أو جنسية.


MISS 3