إيفان ناشتريب

واشنطن مطالبة بالتحرّك لمنع الحرب بين رواندا والكونغو الديموقراطية

6 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

دبابة للجيش في الكونغو خلال اشتباكات بينه وبين عناصر "حركة 23 مارس"

بعد صيف العام 2022، فرضت القوات الرواندية وعناصر «حركة 23 مارس» التابعة لها حصاراً كاملاً على مدينة غوما في الكونغو الديموقراطية. تنكر الحكومة الرواندية دعم تلك الحركة مع أنها تعتبر تدخّلها ضرورياً للحفاظ على أمن رواندا، لكن وثّقت الأمم المتحدة تورّط رواندا المباشر وعبّرت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها من الوضع المستجد.

يشعر جزء كبير من سكان الكونغو الديموقراطية بالإهانة، وهم يبدون استعدادهم الآن لخوض الحرب. نتيجةً لذلك، بدأ احتمال اندلاع الحرب يلوح في الأفق. قُتِل حوالى 5 ملايين ونصف مليون شخص في آخر حرب بين الدولتَين. تُعتبر الولايات المتحدة أبرز جهة مانحة لرواندا، فقد قدّمت في السنة الماضية مساعدات بقيمة تفوق 170 مليون دولار إلى بلدٍ تتكل فيه أكثر من 40 في المئة من الموازنة الوطنية على المساعدات الدولية. تحتاج الحكومة الأميركية إذاً إلى استعمال نفوذها الطاغي لإبقاء هذا الجحيم القاتل تحت السيطرة.

يطرح دعم رواندا لـ»حركة 23 مارس» خطراً هائلاً على استقرار المنطقة. ينشغل رئيس الكونغو فيليكس تشيسيكيدي، بإدارة عواقب إعادة انتخابه المثيرة للجدل، وأصبحت النخبة الحاكمة في بوروندي منقسمة ومدجّجة بالسلاح، وتقترب أوغندا من مواجهة أزمة قيادة فيما يسعى رئيسها المُسن يوويري موسيفيني (79 عاماً) إلى دعم ابنه المعروف بتصرفاته غير المتوقعة لرئاسة القوات المسلحة، ويخفي النمو الظاهري في رواندا اضطرابات متفجرة كامنة.

اليوم، تنشر هذه البلدان كلها قوات عسكرية تتبادل العداء في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. لهذا السبب، يخطئ كل من يستخف بالإحباط الذي يشعر به عدد كبير من سكان الكونغو الديموقراطية واستعدادهم لتحدّي راوندا على أراضيها.

يُفترض ألا تتقبّل الولايات المتحدة هذا النوع من التهديدات الأمنية الكبرى. ينشط تنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق الكونغو الديموقراطية أيضاً، وقد بدأ يوسّع نطاق سيطرته ويطلق اعتداءات إرهابية في المنطقة، تزامناً مع تعديل مواقع قوات الكونغو الديموقراطية وأوغندا لمواجهة «حركة 23 مارس». في الوقت نفسه، تسود مخاوف من احتمال أن تلجأ الكونغو الديموقراطية إلى روسيا لتدعيم جيشها المتعثر، مع أن كينشاسا اكتفت حتى الآن بالتعامل مع متعاقدين عسكريين غير روس (معظمهم من رومانيا). قد تكون الطائرات الهجومية المسيّرة التي وصلت من الصين حديثاً أفضل سلاح قد تستعمله الكونغو الديموقراطية في هذا الصراع. من المنتظر أن تنسحب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وأن يتراجع أي تدخّل عسكري متعدد الأطراف بقيادة جنوب أفريقيا، أو قد تتعرض تلك القوات كلها للذل أو تقع في مستنقعات شائكة إذا طالت مدة الصراع. لا يبدو أي طرف خارجي مستعداً لتأمين الموارد اللازمة لهزيمة «حركة 23 مارس» في ساحة المعركة.

اليوم، تبدو النوايا الحسنة التي يحملها الناس في الكونغو الديموقراطية تجاه الولايات المتحدة هشة، إذ تُلطّخها دوماً ذكرى الدعم الأميركي الثابت لأوغندا ورواندا حين أقدم هذان البلدان على غزو الكونغو الديموقراطية بين العامين 1996 و2003. لكن أثبتت واشنطن في الوقت نفسه أنها قادرة على استعراض قوتها عند الحاجة وتحقيق النتائج التي تصبو إليها.

في العام 2012، عمدت الحكومتان الأميركية والبريطانية إلى تخفيض المساعدات المخصصة لرواندا بدرجة كبيرة، ردّاً على أول موجة تمرّد أطلقتها «حركة 23 مارس». لم تكن تلك العملية سلسة بأي شكل، وترافق قرار تخفيف المساعدات مع ضجة إعلامية كبرى بسبب استيلاء «حركة 23 مارس» على عاصمة المقاطعة غوما. (استخلصت حركة التمرّد الراهنة درساً قيّماً من هذه التجربة، فحاصرت تلك المدينة البارزة في البداية قبل الاستيلاء عليها). مع ذلك، أعطت تلك العملية ثمارها. سحبت رواندا دعمها لـ»حركة 23 مارس» تزامناً مع متابعة تلقي المساعدات الأميركية. تحسّن الوضع الأمني في الكونغو الديموقراطية موَقتاً خلال تلك المرحلة.

إقتصرت التحركات العسكرية الرواندية في مقاطعتَي كيفو الشمالية وكيفو الجنوبية في الكونغو على عمليات خفيّة، وصراعات بالوكالة، وتدخلات بموافقة حكومة الكونغو الديموقراطية، حتى عودة «حركة 23 مارس» في أواخر العام 2021. كانت تلك التحركات مدمّرة أحياناً (لا سيما في العام 2019، في كيفو الجنوبية)، لكنها لم تطلق تعبئة مضادة واسعة أو موجات تهجير.

في العام 2022، بدأ ردّ الحكومة الأميركية يتّضح ببطء ثمّ تصاعدت ضغوطها مع مرور الوقت، تزامناً مع الحفاظ على موقف علني حيادي. اعتُبِر دعم الكونغو الديموقراطية للقوات الديموقراطية لتحرير رواندا الخاضعة للعقوبات (جماعة متمرّدة رواندية مقرها الكونغو الديموقراطية يقودها أعضاء من النظام الذي ارتكب إبادة جماعية وتم إسقاطه في العام 1994) مساوياً لدعم رواندا لـ»حركة 23 مارس»، ما أدى إلى تأييد فكرة رواندا القائلة إن تمرّد تلك الحركة كان تدبيراً أمنياً ضرورياً.

تابع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي اجتمع مع تشيسيكيدي ورئيس رواندا بول كاغامي في آب 2022، التشديد على مسؤوليات متساوية بين الطرفَين. يقال إن الحاضرين تبادلوا مواقف صارمة وراء الأبواب المُغلقة، لكن لم تصدر أي عقوبات بحق أحد. تابعت فِرَق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة مراقبة مراحل متعددة من العمليات الهجومية ونجاح «حركة 23 مارس» في ترسيخ مكانتها بدعمٍ عسكري مباشر من رواندا.

أخيراً، فُرِضت العقوبات على 6 أفراد في آب 2023، بعد سنة وثمانية أشهر على بدء الصراع: ثلاثة قادة من القوات الديموقراطية لتحرير رواندا، وقيادي من «حركة 23 مارس»، وجنرال من الكونغو الديموقراطية، وجنرال من رواندا. لكن لم تتراجع الكمية الصغيرة أصلاً من المساعدات العسكرية التي تتلقاها رواندا إلّا في بداية تشرين الأول 2023. في المقابل، لم تحصل أي تعديلات في برامج التنمية، وتجددت أهلية رواندا للمشاركة في «قانون النمو والفرص في أفريقيا» (اتفاق تجاري بارز بين الولايات المتحدة وأفريقيا).

لم تُصدِر وزارة الخارجية الأميركية بياناً حاسماً لإدانة تحركات رواندا والتصعيد الناجم عن عمليات «حركة 23 مارس» المسلّحة والمدعومة من رواندا والخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة قبل شهر شباط، حين بدأت الحركة أخيراً مسيرتها نحو مدينة غوما.

يستلزم الوضع تشديد المواقف من رواندا، لكن لن تخلو تلك المواقف من العواقب. من المعروف أن حكومة رواندا هي شريكة متجاوبة على المستويات الأمنية والتجارية والتنموية في منطقة يشوبها سوء الحُكم. منذ تخفيض المساعدات في العام 2012، سعت حكومة رواندا طوال الوقت إلى بناء سمعتها كشريكة إيجابية لكسب النفوذ الديبلوماسي وتجنّب تكرار تلك الانتقادات المحرجة. ربما وجدت ورقة الضغط التي تبحث عنها في موزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تؤمّن القوات العسكرية الرواندية الأمن الذي تحتاج إليه ويقال إنها تتلقى أيضاً مساعدات تنموية من فرنسا.

قامت واشنطن باستثمارات كبرى في برامج تنموية ناجحة سمحت دولة رواندا الفاعلة نسبياً بتنفيذها. لهذه الأسباب، لا تحبذ الولايات المتحدة كبح البرامج التنموية الفاعلة، وتهديد العلاقات التجارية الناشئة، والتخلي عن الشراكات العسكرية. لكن تبدو هذه التكاليف كلها باهتة مقارنةً بمخاطر التصعيد المتواصل.

على صعيد آخر، يخشى البعض أن تتشوّه المفاهيم الأميركية عن مصالح واشنطن الإقليمية بسبب النظرة المبسّطة التي يحملها المسؤولون في السفارة الأميركية في كيغالي عن رواندا. تطرّق بعض المسؤولين الأميركيين في أوغندا والكونغو الديموقراطية إلى تلك المخاوف خلال اجتماعات خاصة مع زملائهم في كيغالي.

تحمل الكيانات الدولية الناشطة في كيغالي وجهة نظر خالية من أصوات المعارضة بسبب برامج التنمية الفاعلة محلياً، واستمرار الالتزامات، والسيطرة المُحْكَمة على الآراء من جانب الدولة الرواندية التي تنشغل بتلميع صورتها أمام الآخرين. تنتشر هذه المخاوف أيضاً وسط عدد كبير من المراقبين السياسيين الإقليميين، إذ يعتبر هؤلاء واشنطن متساهلة مع كيغالي. في الكونغو الديموقراطية، يتّضح هذا الاستنتاج في نظريات المؤامرة الشائعة عن وجود مشروع إمبريالي عرقي رواندي كبير من تصميم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

إذا سحبت رواندا قواتها من موزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى، تملك الولايات المتحدة لائحة من الخيارات الثنائية أو متعددة الأطراف لتقليص حدّة العواقب. سبق وانتشرت قوات إقليمية ومتعددة الأطراف في موزمبيق، ويمكن تقويتها بدرجة إضافية. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، يقال إن ترتيبات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة أصبحت قيد التفاوض.

لكن على عكس ما حصل خلال تلك الصراعات، تتراجع الأدوات التي تسمح بوقف التصعيد في الكونغو الديموقراطية بعد تدهور الوضع. مع ذلك، تستطيع الحكومة الأميركية أن تؤثر على رواندا والكونغو الديموقراطية حتى الآن. هي تحتاج إلى ممارسة ضغوط قوية لإقناع رواندا بالمشاركة في المفاوضات. يُفترض أن تعطي أوساط السياسة الخارجية الأميركية الأولوية للصراع المستمر في أوكرانيا، لكن من المتوقع أن تكبح الحرب القائمة في الشرق الأوسط، والتهديدات الأمنية في شرق آسيا، والالتزامات الاستباقية في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية، الموارد التي يمكن استعمالها مستقبلاً.

كلّفت إعادة إعمار الكونغو الديموقراطية بعد العام 2003 مليارات الدولارات، وخسر ملايين الناس حياتهم خلال القتال. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمّل كلفة نشوء صراع كبير آخر هناك، حتى لو بدا ذلك الصراع بعيداً عن المصالح الأميركية حتى الآن.

3