آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز

بايدن يعجز عن فرض هدنة على إسرائيل

8 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

بايدن مصافحاً نتنياهو في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك | أيلول 2023

بعدما ربط الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه بأهداف إسرائيل الحربية ضد حركة «حماس»، يبدو أنه أصبح اليوم رهينة لدى رئيس وزراء يعتبر صموده السياسي أهم من العلاقات الأميركية - الإسرائيلية أو حتى مصالح بلاده. افتعل بنيامين نتنياهو أزمة مصغّرة في هذه العلاقة الثنائية المميزة بسبب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في مجلس الأمن. هاجم نتنياهو الإدارة الأميركية وألغى زيارة وفد إسرائيلي رفيع المستوى إلى واشنطن.

يبدو أن بايدن سيفقد صبره قريباً. بعد ستة أشهر على بدء هذه الحرب اللامتناهية، قدّم الرئيس الأميركي دعماً قوياً لإسرائيل قد لا يتفوق عليه إلا دعم الرئيس السابق ريتشارد نيكسون خلال الحرب العربية - الإسرائيلية في العام 1973. لكنه لم يتلقَ شيئاً في المقابل. مع ذلك، قد يتردد بايدن في استعمال أوراق الضغط التي يملكها لأربعة أسباب، حتى أن تلك الأوراق قد لا تنجح رغم استعمالها.


علاقة حب بين الرئيس الأميركي وإسرائيل


لا يميل بايدن بطبيعته إلى الضغط على إسرائيل مهما حصل. قد يفترض البعض أن الرؤساء يجب ألا يبنوا سياساتهم استناداً إلى أحكام مسبقة أو مشاعر عاطفية. لكنّ الرئاسة الأميركية مختلفة.

يجلب الرؤساء معهم تاريخهم، وحساسيّتهم تجاه ملفات معيّنة، ووجهات نظرهم التي كوّنوها على مر حياتهم. من المعروف أن بايدن ليس مولعاً بصديقه نتنياهو، لكنه يعشق فكرة إسرائيل وشعبها وأمنها. قد يكون الرئيس الأميركي الوحيد الذي يعتبر نفسه جزءاً من مسيرة إسرائيل ويلتزم عاطفياً بشؤونها بعد عقود من التواصل مع القادة الإسرائيليين. يمكن اعتبار هذا الرابط العاطفي العامل الفردي الوحيد الذي يفسّر دعم الرئيس الاستثنائي لإسرائيل منذ 7 تشرين الأول. رغم نشوء الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، لا يميل بايدن بطبيعته إلى مواجهة القادة بل يفضّل التكيّف معهم، فيبحث عن حلول للسيطرة على توتر العلاقات ويعالج المشكلات بهدوء حين تسمح له الظروف، لا سيما في المسائل المرتبطة بأمن إسرائيل. ومن بين جميع أوراق الضغط التي يملكها بايدن، قد يتردد في فرض أي قيود أو شروط مقابل تقديم المساعدات إلى إسرائيل، ومن الأصعب طبعاً أن يُهدد بوقفها بالكامل خلال أزمة تتحرك فيها إسرائيل ضد حركة «حماس» في غزة وقد تواجه تصعيداً خطراً مع «حزب الله» شمالاً.

هجوم 7 تشرين الأول غيّر المعادلةبغض النظر عن المجازفات التي تواجهها الولايات المتحدة بسبب الصراع الراهن، تبقى التهديدات المطروحة على إسرائيل أكثر خطورة، ما يعني أن الإسرائيليين سيكونون مستعدين للتصدي لكل من يضغط عليهم أو يحاول إقناعهم بتغيير مسارهم. سبق ونجحت الولايات المتحدة في فرض الضغوط على إسرائيل خلال الأزمات. هدّد الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور مثلاً بفرض عقوبات على إسرائيل غداة الحرب العربية - الإسرائيلية في العام 1956 إذا لم تسحب قواتها من سيناء. كذلك، منع ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر إسرائيل من تدمير جيش مصر الثالث، حفاظاً على فرص الجهود الديبلوماسية التي أطلقها الرئيس المصري أنور السادات بعد الحرب، في العام 1973.

لكن لم يسبق أن واجهت أي إدارة أميركية أو حكومة إسرائيلية ظروفاً تجعل إسرائيل تطلق عمليات قتالية طوال ستة أشهر تقريباً. على عكس أحداث العام 1973، لا تلعب الولايات المتحدة دور الوساطة في صراع بين دولتَين تريدان التوصل إلى اتفاق سلام. بل تواجه إسرائيل منظمة قائمة على فكرة تدميرها واستبدالها بدولة إسلامية. كان 7 تشرين الأول اليوم الأكثر دموية بالنسبة إلى اليهود منذ المحرقة الشهيرة. أثّرت الصدمة التي سبّبها ذلك الهجوم وتهجير 200 ألف إسرائيلي من المناطق الحدودية على الجبهة المحلية بطريقة غير مسبوقة، فانهار أمن الإسرائيليين وخسر الشعب حياته اليومية الطبيعية. سيضطر أي رئيس أميركي للتعامل بحذر مع هذا الملف واختيار المعارك التي يريد خوضها، قبل أن يكثّف الضغوط على الرأي العام والنخبة السياسية التي تبدو مُصمّمة على دعم الحرب ضد «حماس» حتى التأكد من تلاشي أي احتمال بتجدد هذا النوع من الهجمات. لهذا السبب، يُعتبر عامل «حماس» مصدر قلق. لا تخوض إسرائيل الحرب ضد سويسرا، ولا يمكن تقبّل أي ضغوط قوية على إسرائيل فيما تتعهد «حماس» بتكرار النوع نفسه من الهجمات.


السياسة الإسرائيلية الداخلية تُصعّب الوضع


لو كان بايدن مستعداً لمواجهة نتنياهو، لزادت سهولة الضغط على زعيمٍ فَقَد شعبيته وخسر ثقة معظم الإسرائيليين. لو جرت أي انتخابات جديدة اليوم، تكشف معظم استطلاعات الرأي أن نتنياهو لن يتمكن من تشكيل حكومة. لكن لا يعني ذلك أن الإسرائيليين يعارضون سياسات رئيس الوزراء الصارمة التي تقضي بمتابعة الحرب ضد «حماس» في غزة، أو أن المؤسسات السياسية باتت مستعدة لإبعاد نفسها عن تلك السياسات. لا يزال بيني غانتس، المرشّح الأوفر حظاً لاستلام منصب نتنياهو، جزءاً من حكومة الحرب، وهو يؤيّد حتى الآن العملية الإسرائيلية في رفح. كذلك، لا يهتم معظم الرأي العام الإسرائيلي بالوضع الإنساني المريع في غزة ولا يُركّز على هذا الجانب من الصراع أصلاً. في الوقت نفسه، لا يميل الإسرائيليون إلى تقبّل آراء إدارة بايدن حول أهمية حل الدولتين. حتى الآن على الأقل، لا يزال الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو على حاله. يحظى بايدن بشعبية هائلة في إسرائيل، لكن لن تكون أي حرب كلامية بين بايدن ونتنياهو كافية لإقناع الإسرائيليين بأن رئيس الوزراء غير مؤهّل للبقاء في منصبه. في غضون ذلك، أصبح معارضو نتنياهو منقسمين أكثر من أي وقت مضى، إذ يسعى سياسيون مثل جدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، فيحاولون حصد أكبر دعم ممكن قبل إجراء انتخابات جديدة.

بايدن يعجز عن إنهاء الحرب من دون تعاون إسرائيل

بالإضافة إلى الرابط العاطفي بين بايدن وإسرائيل، لا يستطيع الرئيس الأميركي أن يفرض ضغوطاً قوية على البلاد لاستباق السياسات الإسرائيلية غير المناسبة أو فرض تكاليف معيّنة بسبب اختيار سياسات تتعارض مع المصالح الأميركية، لأن بايدن يعجز عن تخفيف حدّة الحرب في غزة ومن الأصعب عليه أن يوقفها بالكامل من دون تعاون إسرائيل. وبما أنه يتعامل مع رئيس وزراء قد يستفيد من إطالة مدة الحرب تزامناً مع معارضة المصالح الأميركية، لن يحصل بايدن على خيارات إيجابية كثيرة، إلا إذا نجح في تغيير الحكومة الإسرائيلية (وهو أمر مستحيل)، لذا سيضطر للتعامل مع هذه الحكومة بكل بساطة. هو يحتاج إلى إسرائيل لإبرام اتفاق لإطلاق سراح الرهائن: إنه المسار الوحيد الذي يُجدّد الأمل بإقرار وقف إطلاق النار موَقتاً ومنع تصعيد الوضع. هو يحتاج إلى إسرائيل أيضاً لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. (تولّت إسرائيل إرساء الأمن خلال تسليم المساعدات من «المطبخ المركزي العالمي»، ومن المتوقع أن تقوم بالمثل عند فتح الممرات البحرية التي بَنَتها الولايات المتحدة). في الوقت نفسه، يحتاج بايدن إلى إسرائيل للتوصل إلى حل للتوفيق بين الحملة الإسرائيلية المُخطط لها في رفح وضرورة حماية الفلسطينيين هناك، وسيحتاج إلى إسرائيل حتماً لإقرار أي ترتيبات في غزة بعد انتهاء الصراع.

في هذه الظروف، لا بد من التساؤل: هل يسمح الضغط على إسرائيل بتحقيق أي من تلك الأهداف أم أنه يؤخر تنفيذها؟ حصل بايدن على أربع فرص محتملة للضغط على الإسرائيليين وإثبات اعتراض إدارته على سياساتهم منذ بدء الحرب: إبطاء القرارات، والحدّ من المساعدات العسكرية، والتصويت على قرارات مجلس الأمن التي تنتقد إسرائيل أو الامتناع عن التصويت عليها، والمطالبة بوقف الأعمال العدائية إذا لم تتزامن مع مفاوضات تشمل إطلاق سراح الرهائن. ظاهرياً، قد لا يقنع أي من هذه العوامل إسرائيل بالتعاون وقد لا يُحدِث انقساماً في الحكومة لدرجة أن تُستبدَل بحكومة تبدي استعدادها للاقتداء بواشنطن.

قد يتوقع البعض مواقف أكثر صرامة من الرئيس الأميركي بعد ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين وزيادة معاناتهم بسبب الكارثة الإنسانية التي يواجهونها. لكن نظراً إلى قوة معارضة الجمهوريين، واقتراب موعد الانتخابات، واستمرار الحرب القائمة منذ ستة أشهر، يعارض بايدن بكل وضوح استعمال أوراق الضغط التي يملكها أو يتردد في استخدامها. ظن البعض أن الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة حديثاً قد يُمهّد لتكثيف حملة الضغوط. لكن تنشغل الإدارة الأميركية في الوقت الراهن بمراجعة الضمانات الإسرائيلية التي لا تعتبر استعمال المساعدات العسكرية الأميركية انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. في مطلق الأحوال، يبدو أن الرئيس الأميركي، الذي يدعم إسرائيل بكل قواه ويواجه صراعاً مستمراً بين حليفة الولايات المتحدة وحركة مسلّحة خطرة، لن يتخذ خطوات حاسمة قبل وقتٍ طويل.

MISS 3