مايراف زونسرين

نتنياهو ليس المشكلة الوحيدة بل المجتمع الإسرائيلي ككلّ

10 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

خلال احتجاج ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته | تل أبيب، 16 آذار ٢٠٢٤

عندما دعا زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، إلى إسقاط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقرّ مجلس الشيوخ في منتصف شهر آذار، انصدم كل من يتابع دور إسرائيل في السياسة الأميركية من موقفه.

تحمل إسرائيل طابعاً «مقدساً» في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لدرجة أن تبدو دعوة ديموقراطي مثل شومر إلى تغيير النظام في إسرائيل موقفاً استثنائياً لأقصى حد. لكن يبدو هذا الموقف شائعاً وسط الإسرائيليين أصلاً. ثمة إجماع حول ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، ويتّفق الكثيرون في إسرائيل على تعمّد نتنياهو إطالة مدة الحرب لضمان صموده السياسي، لأنه يعرف أن الإسرائيليين سيُركّزون على التحقيق بالإخفاقات المرتبطة بهجوم 7 تشرين الأول بعد انتهاء الحرب ويدعون إلى إجراء انتخابات مبكرة لإخراجه من السلطة.

قد يكون التركيز على نتنياهو مصدر إلهاء مناسب كي لا يدرك الناس أن الحرب في غزة ليست حرب نتنياهو بل حرب إسرائيل، وأن المشكلة لا تقتصر على نتنياهو شخصياً بل تشمل الناخبين الإسرائيليين أيضاً.

ينشغل الكثيرون بلوم نتنياهو، فيتناسون أن شريحة واسعة من الإسرائيليين توافق على سياساته تجاه غزة خصوصاً والفلسطينيين عموماً. يدعم معظمهم الحملة العسكرية الراهنة ضد غزة ومساعي الحكومة لتدمير حركة «حماس»، بغض النظر عن حصيلة الخسائر البشرية وسط الفلسطينيين في قطاع غزة.

لا نحتاج إلى استطلاعات رأي كي نستنتج أن دعم حل الدولتين، وبدرجة أقل حقوق الفلسطينيين بالحرية وتقرير المصير، بدأ يتراجع بوتيرة ثابتة وسط يهود إسرائيل في السنوات الأخيرة، وهو يبلغ أدنى المستويات على الإطلاق اليوم. يكفي أن نراقب مواقف الأحزاب السياسية اليهودية في إسرائيل: لا يدعم أيٌّ منها حل الدولتين، وترفض الأحزاب المشارِكة في السلطة هذا الخيار بشكلٍ قاطع، وتبذل قصارى جهدها لمنع إقراره.

كذلك، لا يحتجّ آلاف الإسرائيليين الذين نزلوا إلى الشوارع مجدداً على الحرب بحد ذاتها. باستثناء عدد صغير من الإسرائيليين، واليهود، والفلسطينيين، هم لا يدعون إلى وقف إطلاق النار، أو إنهاء الحرب، أو إرساء السلام، ولا يعترضون على قتل أعداد غير مسبوقة من الفلسطينيين في غزة على يد إسرائيل أو منع وصول المساعدات الإنسانية إليهم وانتشار المجاعة بينهم. (يذهب بعض الإسرائيليين اليمينيين إلى حدّ المطالبة بمنع دخول المساعدات إلى القطاع). كذلك، لا يتطرّق هؤلاء المحتجّون إلى ضرورة إنهاء الاحتلال العسكري الذي أصبح الآن في سنته السابعة والخمسين، بل إنهم يحتجون في المقام الأول على رفض نتنياهو التنحّي وتردّده المزعوم في التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن.

خلال احتجاج حديث في القدس، رُفِعت لافتات كُتِب عليها «نحن لسنا حكومتنا». تعكس هذه العبارة الفرق الذي يشدد عليه الديموقراطيون للتمييز بين حكومة نتنياهو والشعب الإسرائيلي. لكن يبدو هذا الفرق مُضللاً.

تغفل المواقف التي تلقي اللوم على رئيس الوزراء وحده عن وقائع كثيرة. يتجاهل هذا المعسكر تقبّل الإسرائيليين نظام الاحتلال العسكري الإسرائيلي منذ وقتٍ طويل وتجريد الفلسطينيين من صفتهم الإنسانية. تنطبق هذه الصفات على أعضاء آخرين من حكومة الحرب، مع أن البعض يصوّرهم أحياناً كأصوات مضادة أو خيارات بديلة عن رئيس الوزراء الحالي. لم يكن نتنياهو المسؤول الذي دعا إلى فرض حصار كامل على غزة بعد 7 تشرين الأول، بل وزير الدفاع يوآف غالانت الذي قال: «لا كهرباء، لا وقود، لا طعام. كل شيء سيتوقف». ولم يكن نتنياهو المسؤول الذي ألمح إلى اعتبار جميع سكان غزة هدفاً مشروعاً، بل الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي يُفترض أن يكون وسطياً، فقال هذا الأخير في بداية الحرب: «ثمة أمّة كاملة مسؤولة عما يحصل. هذا الخطاب عن عدم معرفة المدنيين بهجوم 7 تشرين الأول وعدم تورّطهم فيه ليس صحيحاً بأي شكل». (قال لاحقاً إن كلامه استُعمِل في سياق خاطئ). كذلك، وثّقت القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في أواخر السنة الماضية عبارات لاذعة وإلغائية من جانب سياسيين وشخصيات إسرائيلية متنوّعة.

يسمح التركيز على نتنياهو أيضاً بتجاهل انتقال الجسم السياسي الإسرائيلي إلى معسكر اليمين، ما أدّى إلى إعطاء طابع مألوف لمظاهر العنصرية والقومية التي تتّضح في المقام الأول في التغطية الإعلامية لأحداث الحرب. نادراً ما تعرض نشرات الأخبار الإسرائيلية حجم المعاناة في غزة، أو تستضيف الفلسطينيين، أو يشكك الصحافيون العسكريون بنسخة الأحداث التي يرويها الجيش الإسرائيلي.

كذلك، يتغاضى الكثيرون عن نزعة الإسرائيليين إلى أداء واجبهم العسكري بلا تردد عند استدعاء عناصر الاحتياط، بعد ستة أشهر على بدء هذه الحرب، رغم دوافع نتنياهو المشبوهة وقيادته الشائبة وتهديدهم سابقاً برفض أداء واجبهم بسبب خطة الإصلاح القضائي التي أقرّتها الحكومة.

ورغم ارتفاع عدد الجنود المقتولين (600 عنصر) والجرحى (أكثر من 3 آلاف، من دون احتساب أعداد هائلة من المصابين بإجهاد ما بعد الصدمة) منذ 7 تشرين الأول، لا تحتجّ أمّهات الجنود على الحرب، علماً أن هذا العامل كان قد أثّر على معارضة احتلال إسرائيل للبنان وانسحابها منه لاحقاً.

على صعيد آخر، لن يكون تغيير القيادة مرادفاً لتعديل السياسات المؤثرة بالضرورة. يحصد بيني غانتس، وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة السابق في الجيش الإسرائيلي، أرقاماً إيجابية في استطلاعات الرأي. لكن إذا أصبح رئيس الوزراء المقبل، فمن المستبعد أن يتبنّى سياسات مختلفة جداً عن نتنياهو تجاه الفلسطينيين.

في العام 2019، نشر غانتس فيديو خلال حملته الانتخابية، حيث راح يتباهى بإرجاع أجزاء من غزة إلى العصر الحجري خلال عهده كرئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي في العام 2014. وعلى غرار نتنياهو، يُصِرّ غانتس اليوم على غزو جنوب مدينة رفح في غزة، حيث يقيم حتى مليون ونصف فلسطيني محلي ونازح، لتوجيه ما يعتبرونه ضربة قاضية ضد «حماس».

يرفض غانتس أيضاً الاعتراف بدولة فلسطينية بشكلٍ أحادي الجانب. في أفضل الأحوال، هو يعترف باحتمال أن يملك الفلسطينيون «كياناً» خاصاً بهم، لا دولة بحد ذاتها. حين كان وزير الدفاع في حكومة نفتالي بينيت قصيرة الأمد في العام 2021، استضاف غانتس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في منزله، ما يثبت أنه مقتنع بفكرة الجيش الراسخة عن أهمية وجود السلطة الفلسطينية لحماية مصالح الأمن القومي الإسرائيلي ومتابعة السيطرة على الوضع.

تبقى العقيدة التي طرحتها إدارة جو بايدن لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية وإرسالها إلى غزة، تزامناً مع ابتكار عملية سياسية تتطلب تنازلات إسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية كجزءٍ من اتفاق لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، البديل الوحيد عن الدمار الإسرائيلي المطوّل واحتلال غزة المستمر.

في غضون ذلك، أيّد عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية والمسؤولين الأمنيين السابقين هذه المقاربة أيضاً لأنهم يعتبرونها أفضل خيار كي تتجنب إسرائيل ابتعاد الرأي العام الأميركي عنها وتحافظ على بعض الشرعية الدولية.

في شهر شباط، كشف استطلاع وسط المواطنين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل أن نصف المشاركين يدعمون عملية سياسة من هذا النوع، ما يعني أن جزءاً من الإسرائيليين على الأقل يبحث عن حل واقعي.

لكن إلى أي حد تُعتبر هذه الفكرة واقعية أصلاً؟ وهل يمكن إصلاح السلطة الفلسطينية بدرجة كافية لتجديد شرعيتها وسط الفلسطينيين؟ من المستبعد أيضاً أن تختفي حركة «حماس» بالكامل من غزة. كذلك، لا يُحدّد المسار المقترح أنواع التنازلات التي تحتاج إسرائيل إلى القيام بها، لكنه قد يمنع تصعيد الوضع على الأقل عبر الاتفاق على وقف إطلاق النار، وهو شرط لا غنى عنه.

في مطلق الأحوال، من اللافت أن تطرح الإدارة الأميركية هذا الاقتراح بدل أن يقترحه زعيم أو سياسي إسرائيلي. لهذا السبب، قد تتوقف نتيجة هذه العملية على طريقة تجاوب الإسرائيليين والفلسطينيين مع وقف إطلاق النار مع مرور الوقت، ومدى استعداد الولايات المتحدة وجهات أخرى لتنفيذ هذه الفكرة. لكن حتى الآن، لا يدعو معظم الإسرائيليين إلى وقف إطلاق النار.

طالما يبقى نتنياهو في السلطة، لا مفر من أن تطول مدة الحرب، ويرتفع عدد ضحايا المجاعة في غزة، ويتدهور الوضع الإقليمي، ويتعامل المواطنون الإسرائيليون مع انكماش الحدود وتراجع أمنها من دون أن يعرفوا مصير أقاربهم المحتجزين في غزة.

قد يكون إسقاط نتنياهو هدفاً مبرراً، لكنّ التركيز عليه من دون سواه يمنع الإسرائيليين من تحمّل مسؤولية تواطئهم مع الاحتلال العسكري المطوّل، وتدمير قطاع غزة، وفشلهم في تحديد مسار سياسي حقيقي للخروج من الأزمة الراهنة. لهذا السبب، يُعتبر نتنياهو كبش الفداء المناسب.

3