سناء الجاك

بوسطة... سيارة... 13 نيسان

15 نيسان 2024

02 : 00

نتذكر ونستعيد... هو 13 نيسان. حينها كان الانفجار الكبير بفتيل بوسطة عين الرمانة التي شكلت بوابة حرب أهلية استمرت 15 عاماً. حينها كانت الطرق السالكة والآمنة شبه منقرضة، وكان على اللبنانيين أن يلعبوا وفق قواعد مجنونة، فقط ليتنقلوا من منطقة إلى أخرى، وأحياناً من غرفة إلى أخرى. وكان موتٌ كثير ولأسبابٍ بعضها خطير، يقضي بتنظيف مناطق بعينها من الآخرين المختلفين ديناً وعقيدة، وتغيير الديموغرافيا لتقتصر على طائفة متجانسة وفق فرز دموي، أو بتصفية من يقف عثرة في وجه المشاريع التي كانت تدير سيناريوات الحرب الأهلية... وبعض هذا الموت كان لأسبابٍ أكثر من سخيفة وقذرة تتعلق بسرقة من هنا ومصادرة منزل من هناك، وتصفية حسابات لغايات شخصية من هنالك.

الواضح أننا لم نتعظ من الذكرى، ولا نريد أن نتعظ، ليس فقط في هذه المرحلة، بعدما تم اغتيال مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية، ولكن منذ انتهاء الحرب الأهلية والعفو عن أمراء الحرب، والسماح لهم بتولي زمام السلطة، وتكريسهم بانتخابات رضي اللبنانيون أن تبقى شكلية، وشاركوا فيها وكأنهم لا يزالون إما خائفين من غضبهم، أو مستفيدين من تبعيتهم لهم، فهم ارتكبوا جريمة تعويم الجماعات التي قتلتهم ونهبتهم طوال 15 عاماً، ولا يزالون مصرين على تعويمهم.

ربما لم يسجل التاريخ القديم والحديث ظاهرة مماثلة للخضوع الطوعي، والقبول بكل هؤلاء المجرمين والفاسدين الذين رفضوا ويرفضون قيامة وطن. وإلا كيف يمكن تفسير كل ما حصل ويحصل منذ انتهاء الحرب الأهلية؟ ولماذا بقي لبنان مكشوفاً ومفتوحاً على كل هذا الموت والانهيار؟ كيف لكل جماعة أن تفضل التمسك بزعيمها رافضة الاعتراف بكل ما يقترفه بحقها ويدفعها للهجرة بحثاً عن ملاذ آمن للحياة والارتزاق، على إزالة المتاريس التي تفصلها عن شريكها في الوطن؟

كيف يمكن لجماعة أن تنساق لزعيم يعلن الولاء لرأس محوره على حساب الوطن وفوق مصلحة الوطن ويستفرد بقرار الحرب والسلم وتعطيل المؤسسات خدمة لمشاريع مشغله، ويتفاخر بهذا الولاء ويستقوي على اللبنانيين، ويصنفهم إما أقزاماً عاجزين أو خونة عملاء ومسببي فتن لأنهم رفضوا اغتيالهم... أو لأنهم تجاسروا وأعلنوا تمردهم على رأس المحور الذي يحتل القرار اللبناني وأذرعه؟ وكأن المطلوب القضاء على أي نشاز، حتى لو كان من داخل البيت الواحد. وتحديداً إذا كان من داخل البيت الواحد... وإلا الفتنة.

قطعاً لم يسجل التاريخ القديم والحديث ظاهرة مماثلة لمثل هذا الخضوع الطوعي، والقبول بأن يتم إقصاء المنطق والإرادة، وكأن كل هذا الموت الكثير فرصة للاحتفال. وقطعاً، لا يمكن بكبسة زر التصدي لتفجير فتنة وإعادة جحيم الحرب الأهلية من بوابة الصراع بين المسيحيين والسوريين، واستغلال لحظة درامية كجريمة اغتيال باسكال سليمان حجة لتبرير اللجوء إلى الأمن الذاتي، لأن ما تبقى من أجهزة الدولة المضمحلة عاجز.

ولا يمكن بكبسة زر ردم الشرخ الذي يقسم اللبنانيين وفق اصطفافاتهم الطائفية والعقائدية، فهو لا يزال على حدته وعمقه وظلاميته كأخدود في بطن جبل مسحور ملعون. لم يعد يحتاج إلى بوسطة لتستيقظ شياطينه وتنفث سمومها.

فالظاهر أن سيارة وقتيلاً مغدوراً يكفيان... لتعود 13 نيسان إلى ربوعنا. ولنتذكر ونستعيد كل هذا الرعب الكامن بين الأضلع من حرب أهلية جديدة، ما دام فريق بعينه يعتقد أنه صاحب الحق المطلق، ومن يخالفه الرأي عدو يجب إبادته. حتى لو استدعى ذلك مزيداً من الموت للحؤول دون بناء وطن منيع قادر على مواجهة الاستثمار في الشحن الطائفي والانقسامات والغرائزية التي تفوق كل خيال بوحشيتها.

MISS 3