تكشف دراسة جديدة أن دهون البطن قد تؤثر على صحة الدماغ والقدرات المعرفية لدى الأشخاص الأكثر عرضة لمرض ألزهايمر.
يصل عدد المصابين بألزهايمر إلى 47 مليون شخص حول العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 76 مليون بحلول العام 2030.
ما من علاج نهائي لهذا المرض في الوقت الراهن. قد يصاب به أي شخص، لكن تتعدد العوامل التي تؤثر على نسبة الخطر، أبرزها السن، والعامل الوراثي، والتدخين، ومعاقرة الكحول، وقلة الحركة الجسدية، والنوع الثاني من السكري، والبدانة.
يطرح باحثون من جامعة «روتغرز» الآن أدلة مفادها أن كمية دهون البطن وموقعها قد يؤثران على صحة الدماغ والأداء المعرفي إذا كان الفرد معرّضاً أصلاً للإصابة بمرض ألزهايمر. نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة «أوبيزيتي»، في 27 شباط.
كيف تؤثر دهون البطن على صحة الدماغ؟
تشمل دهون البطن الشحوم الحشوية وتلك الواقعة تحت الجلد، في عمق تجويف البطن، وتحيط بها أعضاء مثل البنكرياس والكبد.
يمكن تقييم دهون البطن لدى كل فرد عبر استعمال شريط القياس لاحتساب محيط الخصر. يُستعمل المستوى الصحي من الدهون الحشوية لحماية هذه الأعضاء، لكن يبرز رابط بين فائض الدهون في هذه المنطقة ومشاكل صحية متنوعة مثل أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والجلطات الدماغية، ومرض الكبد الدهني، وبعض الأمراض السرطانية مثل سرطان القولون والمستقيم.
حللت دراسات سابقة الرابط القائم بين مستويات غير صحية من وزن الجسم وخطر الإصابة بالخرف. تذكر دراسة طُرِحت خلال الاجتماع السنوي للجمعية الإشعاعية لأميركا الشمالية، في تشرين الثاني 2023، أن الدهون الحشوية قد تُسبب تغيرات دماغية مرتبطة بألزهايمر قبل تشخيص المرض بمدة تصل إلى 15 سنة. كذلك، استنتج بحث نُشِر في آب 2018 أن ارتفاع مستوى دهون البطن لدى كبار السن يرتبط بالتراجع المعرفي.
دهون البطن تزيد خطر ألزهايمر
تعليقاً على السبب الذي دفع الباحثين إلى تحليل أثر دهون البطن على صحة الدماغ والقدرات المعرفية لدى أكثر الأشخاص عرضة لمرض ألزهايمر، توضح المشرفة الرئيسية على الدراسة، ميشال شنايدر بيري، مديرة «مركز هيربرت وجاكلين كريغر لأبحاث ألزهايمر» في «معهد روتغرز لصحة الدماغ»: «يبدأ المرض الذي يتطور في أدمغة المصابين بألزهايمر في منتصف العمر. كذلك، تظهر أقوى الروابط بين ألزهايمر وعوامل خطر مثل البدانة حين تتطور تلك العوامل في منتصف العمر. لهذا السبب، أردنا أن نُركّز على مرحلة منتصف العمر باعتبارها فترة حاسمة للوقاية المحتملة من ألزهايمر. ركّزنا على أبناء مرضى ألزهايمر لأنهم يُعتبرون الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، وسيكون أي اكتشاف مرتبط بأساليب الوقاية لدى هذه الفئة من الناس ذات أهمية عيادية كبرى. بشكل عام، كانت الأبحاث المتعلقة بالروابط القائمة بين البدانة وألزهايمر تُركّز على مؤشر كتلة الجسم الذي لا يمثّل مستوى الدهون بدرجة كافية، لا سيما في فئة كبار السن».
رابط بين فائض دهون البطن والتراجع المعرفي
إستعان الباحثون في هذه الدراسة بـ204 أشخاص أصحاء في منتصف العمر وكانوا يحملون جميعاً تاريخاً عائلياً بمرض ألزهايمر. بلغ متوسط أعمار المشاركين حوالى 60 عاماً، ووصلت نسبة النساء بينهم إلى 60%.
خضع المشاركون لتصوير البطن بالرنين المغناطيسي لقياس الدهون الحشوية ودهون تحت الجلد وتقييم القدرات المعرفية وحجم الدماغ.
بعد تحليل النتائج، اكتشف الباحثون أن فائض دهون البطن لدى المشاركين يرتبط بتراجع الحجم الإجمالي للمادة الرمادية في الدماغ وتدهور القدرات المعرفية. تبيّن أيضاً أن الرجال في منتصف العمر يكونون أكثر عرضة من النساء لتراجع الأداء المعرفي وحجم الدماغ إذا كانوا معرّضين أصلاً لمرض الزهايمر وإذا حملوا كميات إضافية من دهون البنكرياس.
توضح شنايدر بيري: «لا يمكن اعتبار النتيجة المرتبطة بدهون البنكرياس مفاجئة لأن هذه الدراسة وحدها تستكشف دور هذه الدهون المحتمل على مستوى الدماغ والقدرات المعرفية. يبرز رابط دائم بين السكري ومرحلة ما قبل الإصابة به، بسبب اختلال وظيفة البنكرياس، وارتفاع مخاطر الخرف، وتكشف دراستنا تأثير دهون البنكرياس على هذا الرابط أيضاً. في ما يخص النتائج البارزة لدى النساء، تفاجأنا بهذه الاستنتاجات وبدأنا نستكشف أسباب الاختلافات بين الجنسَين. لكن تحمل نتائجنا أدلة قوية حول ضرورة إجراء الأبحاث المرتبطة بتأثير الدهون على الدماغ في سياق الاختلافات بين الجنسين».
العوامل الأيضية تؤثر على صحة الدماغ
بعد مراجعة هذه الدراسة، تقول الدكتورة فيرنا ر. بورتر، عالِمة أعصاب ومديرة قسم الخرف وألزهايمر والاضطرابات العصبية المعرفية في «معهد علم الأعصاب لمنطقة المحيط الهادئ» في سانتا مونيكا، كاليفورنيا: «تشدد هذه الدراسة على أهمية إجراء تقييم شامل للمخاطر واستراتيجيات التحكم بالأمراض. يجب ألا يصبّ التركيز على عوامل الخطر التقليدية مثل الوراثة وأسلوب الحياة فحسب، بل يُفترض أن يشمل أيضاً عوامل أيضية مثل طريقة توزيع دهون البطن».
في المراحل المقبلة من هذا البحث، تدعو بورتر الباحثين إلى التعمق في الآليات الكامنة وراء الرابط القائم بين دهون البطن وصحة الدماغ، مع التركيز على فئات مختلفة من السكان ومراحل متنوعة من تطور مرض ألزهايمر: «قد تطرح الدراسات الطولية أفكاراً قيّمة حول تأثير المقاربات التي تهدف إلى تقليص دهون البطن على الوظيفة المعرفية ومخاطر ألزهايمر على المدى الطويل. كذلك، يمكن تطوير مقاربات شخصية للسيطرة على هذه المخاطر عبر استكشاف فاعلية المقاربات المستهدفة، مثل التعديلات الغذائية أو برامج التمارين الجسدية التي تهدف بشكلٍ خاص إلى التخلص من دهون البطن».
خطوات لتقليص دهون البطن
يقول الدكتور مير علي، جراح متخصص بأمراض السمنة (لم يشارك في الدراسة الجديدة) ومدير معهد «ميموريال كير» لفقدان الوزن بالجراحة التابع لمركز «أورانج كوست» الطبي في منطقة «فاونتن فالي»، كاليفورنيا: «تبقى الحمية السيئة من أبرز أسباب البدانة في منطقة البطن، لا سيما فائض السكر، والكحول، والدهون المتحولة، وتراجع كمية البروتينات المستهلكة. للأسف، لا يمكن فقدان الوزن في مناطق معينة مثل البطن. لكن يؤدي إنقاص الوزن بشكل عام إلى تراجع البدانة في جذع الجسم. يمكن البدء بتبنّي حمية غنية بالألياف والبروتينات وقليلة السكريات».
بالإضافة إلى الحمية الصحية، توصي بورتر أيضاً بممارسة نشاطات جسدية منتظمة، والنوم لمدة كافية، والحد من استهلاك الكحول، لتسهيل التخلص من دهون البطن.
أخيراً، قد يُسهّل الضغط النفسي المزمن تراكم الدهون في منطقة البطن، ويمكن اللجوء إلى تقنيات متنوعة لتخفيف حدّته، أبرزها التأمل، وتمارين التنفس العميقة، واليوغا، وتمضية الوقت في الطبيعة. كذلك، يسمح الإكثار من شرب الماء على مر اليوم بتحسين عملية الأيض وزيادة الشعور بالشبع، ما يؤدي إلى كبح النزعة إلى الإفراط في الأكل وتراكم الدهون حول البطن.