يقترب لبنان من تصنيفه ضمن القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي الدولي (فاتف). وتتنصل الاطراف المعنية من المسؤولية، واولاها مصرف لبنان الذي استسهل القاء اللائمة على السلطة السياسية التي لا تقوم بالاصلاحات المطلوبة برأيه، علماً ان البنك المركزي هو المعني الاول باعادة هيكلة القطاع المصرفي كي يخرج لبنان تدريجياً من اقتصاد الكاش الذي صار يساوي نصف الناتج المحلي تقريباً. وفي الاقتصاد النقدي تنتعش عمليات تبييض الاموال والتهرب الضريبي والاعمال المالية غير المشروعة.
بدارو: ضغوط مطلوبة لإلزام لبنان بالحلول السياسية والاقتصادية
يؤكّد الخبير الإقتصادي والمالي المخضرم روي بدارو أنّ «المطلوب القليل من التواضع من قبل المصرفيين، ومن المودعين الجرأة على التفهم»، مؤكداً عبر «نداء الوطن» أنّ «بعض الجمعيات التي تطالب بأموال المودعين تُدار من قبل بعض المصرفيين كي لا نصل الى حل في الوقت الحاضر».
إذاً هل يُمكن التحدث عن تواطؤ؟ يُجيب بدارو: «أكثر من ذلك، هناك «استخدام» من قبل المصرفيين لجمعيات هي في منطق «لالا لاند»، لكن في المقابل هناك جمعيتان أو ثلاث تتعاطى بجدية»، لافتاً إلى أنّ «تفاقم إقتصاد الكاش سيجعل المصارف على أطراف الإقتصاد القانوني والشرعي، خاصة المصارف ذات الوجود المحصور في لبنان، في حين أن تلك التي لديها فروع في الخارج، فستسفيد لأنه يُمكنها إستخدام فروعها الخارجية».
ويؤكّد بدارو أنّنا «نتجه بشكل شبه حتمي في شهر تشرين الأول نحو تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية وبعدها بعام إلى اللائحة السوداء»، معتبراً أنّ «كل ما يُشاع حالياً تمويه عن الحالة الحقيقية». ويضيف بدارو: «هذه الضغوط تلزم لبنان بإيجاد حل سياسي سيفرض نفسه قبل شهر أيلول، أي إنتخاب رئيس جمهورية وتأليف حكومة وتعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان. ما سيسمح للجميع بالجلوس إلى طاولة الحل الإقتصادي المتكامل، وبالتالي يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتعاطى مع رئيسي جمهورية وحكومة جديديْن وعندها نُعيد البلد إلى سكة التعافي. لكن قبل ذلك نحن في تدهور مستمر». ويرى أنّه لا «يُمكن لسعر صرف الليرة أنْ يستمرّ كما هو حالياً، وكأنهم ألبسوه سترة مُقيدة، من خلال سعر مصطنع، لأن لولا ذلك لكانوا سمحوا بأن يتحرّك بنسبة خمسة في المئة صعوداً أو نزولاً». وعن كيفية الوصول إلى الحل قبل تشرين في ظل الوضع السياسي المجمّد، يسأل بدارو: «هناك حل سياسي مجمد في الظاهر، لكن هناك شيئاً غير ظاهر تحت الطاولة، اذ لا يمكن للبنان أن يستمر على هذا المنوال، وإلا تقفل علينا أوروبا كل التعامل المصرفي، وينهار النظام بأكمله، ولا يعود بالإمكان التحويل أو الإستيراد من أوروبا، وتقفل المصارف وسنتعرض لضغط هائل لا يمكن لأحد تحمّله. البلد لا يمكنه ذلك كما الشعب تجاه المتسلطين عليه من كل الجهات، ولذلك سيعودون الى إلزامية الواقعية». ويختم بدارو: «الهمّ الأساسي للمصرفيين، ألا يمسّ أحد بأموالهم الخاصة خارج لبنان، ولذلك سيتمّ إيجاد حل لهذه المسألة يسمح بتلاقي الأطراف في منتصف الطريق»، لافتاً إلى أن «المصارف، كي تتمكن من الجلوس إلى الطاولة، تبحث عن تطمينات، لا يتجرّأ أحد على إعطائها إيّاها، هم لا يجرأون على طلبها صراحة، كما أن البعض ليس بوارد إعطائهم أي تطمينات. هذه المشكلة الأساسية التي تمنع اليوم من حصول إعادة ترتيب الأوضاع المصرفية».
الحاج: تصدّينا لمعارك كثيرة... ومستمرون
الخبير الإقتصادي عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب رازي الحاج، يُشير إلى أنّ «منذ قرابة الخمس سنوات على بدء الإنهيار وحتى اليوم، لم تتجرّأ السلطة التنفيذية التي تُمثل الإدارة السياسية نفسها المتحكّمة بمفاصل البلد، على إعلان خطة واضحة علنية وخارطة طريق تطرحها أمام اللبنانيين وتشرح لهم حقيقة ما سيحصل بعد سنتين أو عشر سنوات»، وقال الحاج خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»: «تصدينا في المجلس النيابي وربحنا حتى اليوم نصف المعركة ووضعنا خطة لمواجهة الإنقلاب الذي كانوا يمارسونه على ودائع المواطنين. أولاً منعنا في أكثر من مناسبة شطب الودائع أو تغيير قيمتها الفعلية، ولم نقبل عند مناقشة أي قانون في اللجان بالتفريق بين الودائع القديمة والجديدة، أو بين الفريش وغيرها. وتصدينا أيضاً على سبيل المثال في آخر موازنة لتمرير مادة يُحدَّد فيها سعر الدولار المصرفي بـ25 ألف ليرة والذي كان فعلياً عبارة عن «هيركات» بنسبة 73 في المئة».
ويؤكّد الحاج أنّ «المعركة الثالثة التي سنخوضها، وقد بدأنا نخوضها من خلال تقديم إقتراح قانون يساعد القطاع المصرفي على إعادة الإقراض من خلال فتح إمكانية للمصارف، إذا أحضرت أموالاً جديدة أي ضخ أموال في حسابات جديدة تأتي من الخارج أو من خلال تمويل إستثماري خارجي يعطي هذه المصارف أموالاً لا علاقة لها بما تبقى من أموال المودعين في المصارف، لإعادة إقراض القطاعات الإقتصادية الصناعية والتجارية بشكل خاص، وإعادة تنشيط النمو».
هذا ويُوضح الحاج أنّ «هيكلة المصارف فعلياً بحاجة إلى أمريْن أساسيين: أولاً معرفة وضع المصارف. وأعتقد هنا أن هناك محاولة لإخفاء الحقائق، وما زلنا ننتظر الإنتهاء من التدقيق بـ14 مصرفاً ومصرف لبنان والحكومة، كي يقولوا لنا ما هو وضع المصارف، وما هي المصارف التي يمكنها أنْ تستمر. وثانياً كيفية إعادة إصلاح القطاع المصرفي من بعد هيكلته كي يلعب مجدداً دوره الحقيقي في تمويل الإقتصاد. وبالطبع هذا لا يمنع ان تعود المصارف لتحمل مسؤولية، لأنها عندما تتحمل مسؤولية جزء من الودائع مع الدولة نكون قد حدّدنا ووزعنا المسؤوليات كي يتمكن المودعون من إستعادة الحدّ الأكبر من ودائعهم في المرحلة المتوسطة والطويلة».
ويضيف: «أعتقد أن هناك قطبة مخفية لها علاقة بعدم بدء الدولة بإعادة هيكلة دينها العام الخارجي ومن ثم الداخلي، لأن هناك من يعتبر أنّ تحمّل الدولة لمسؤولياتها اليوم أمام المودعين سيجعلها غير قادرة على تحمّل مسؤوليتها أمام دينها الخارجي الذي ينخرط فيه كبار السياسيين المصرفيين والنافذين الذين إشتروا سندات «اليوروبوندز» بأسعار زهيدة، ويخوضون اليوم معركة شطب الودائع من أجل الحفاظ على أكبر قيمة ممكنة للدين العام الخارجي المُتمثل بـ «اليوروبوندز». وهذه معركة أيضا سنواجهها دون هوادة».
ويشدّد الحاج في ختام حديثه على أنّ «معركتنا في إستعادة حق المواطنين لودائعهم، بغض النظر عما إذا كانوا سيستعملون كل ودائعهم اليوم أم لا. فليس المطلوب أيضا أن يسحب المودعون أموالهم من المصارف لتأمين السيولة، بل نريد أن نعيد الأزمة من أزمة خسائر إلى أزمة سيولة، من خلال تحمّل الدولة سنوياً جزءاً ضمن موازنتها. فعندما تقوم الدولة بإعادة هيكلة دينها الداخلي، يذهب جزء إلى الودائع الداخلية، بالإضافة إلى تحمل المصارف جزءاً من المسؤولية، عندها نعيد الثقة بالقطاع المصرفي ونعيد السيولة المطلوبة والتي هي عالمياً بين 8 و12 في المئة أي بمعدل 10 في المئة من قيمة الودائع. هذه هي السيولة المطلوبة لإعادة وضع لبنان على سكة النهوض الاقتصادي والمالي».