كريستينالو

ما قوة تأثير الصين على إيران؟

24 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارته لبكين | الصين، 14 شباط 2023

قبل أن تطلق إيران مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ في اتجاه إسرائيل في منتصف نيسان، بدأ المسؤولون الأميركيون يدعون الصين، التي تُعتبر من أهم شركاء إيران التجاريين، إلى استعمال نفوذها لإقناع طهران بكبح تحركات عملائها الاستفزازية في أنحاء الشرق الأوسط.



كان الرد الانتقامي الذي أطلقته طهران، أول ضربة إيرانية مباشرة ضد إسرائيل على الإطلاق، وقد جاء هذا التحرك ليكثّف التدقيق الأميركي بحجم التأثير الصيني المحتمل في الشرق الأوسط. لطالما كانت الصين أكبر شريكة تجارية لإيران، وكان كبار المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، قد ضغطوا علناً على بكين لكبح تحركات طهران، لا سيما خلال الأشهر التي اضطربت فيها عمليات الشحن العالمية بسبب اعتداءات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في البحر الأحمر.

يقول جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «ترتبط الصين بثلث التجارة الإيرانية الإجمالية تقريباً، وهي تُعتبر أهم دولة تحمي المصالح الإيرانية في مجلس الأمن داخل الأمم المتحدة. تبدو الصين إذاً الدولة الوحيدة التي تستطيع التأثير على إيران إذا رغبت في الاضطلاع بهذا الدور».

في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، بدأ المشرّعون الأميركيون يزيدون ضغوطهم في هذا الملف. في أحدث خطوة من هذا النوع، مرّر معظم أعضاء مجلس النواب الأميركي «قانون عقوبات الطاقة على إيران والصين»، وهو مُصمّم لاستهداف الشركات الصينية التي تشتري النفط الإيراني الخام وتضخّ الأموال في الاقتصاد الإيراني. من المنتظر أن ينتقل مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ الآن.

قال النائب الأميركي جوش غوتهايمر: «تستعمل إيران تجارة النفط مع الصين في هذه اللحظة بالذات لحصد عائدات هائلة تصل قيمتها إلى 150 مليون دولار يومياً. من خلال استيراد ملايين براميل النفط يومياً، تتابع الصين تعويم النظام الإيراني وتقدّم أموالاً أساسية لتنفيذ الأجندة الفوضوية التي تتبناها طهران، بما في ذلك تطوير الصواريخ والأسلحة النووية».

لكن فيما يزداد تركيز الولايات المتحدة على الصين لاستمالة إيران وتغيير سلوكها، لا يظن بعض الخبراء أن تحقيق هذا الهدف سيكون بهذه البساطة.

يتراجع عدد البلدان التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع طهران بقدر بكين. أصبحت الصين أكبر شريكة تجارية لإيران منذ أكثر من عشر سنوات، ولطالما تمحورت هذه العلاقة القديمة حول تجارة النفط. بين العامين 2020 و2023، كثّفت الشركات الصينية عمليات استيراد النفط الإيراني بأكثر من ثلاثة أضعاف، فارتفعت المبيعات بدرجة غير مسبوقة منذ عشر سنوات.

لكن يبقى تأثير العلاقات الاقتصادية بين البلدين متفاوتاً في الوقت نفسه. في السنة الماضية مثلاً، وصل أكثر من 90 في المئة من صادرات النفط الإيراني الخام إلى الصين. لكن تتكل الصين على عدد آخر من الموردين أيضاً، إذ تقتصر الإمدادات الإيرانية على 10 في المئة من مجموع الواردات الصينية.

تعليقاً على الموضوع، تقول باتريسيا كيم من معهد «بروكينغز»: «بما أن الصين هي أكبر شريكة تجارية لإيران وتُعتبر جزءاً من القوى العظمى التي تدعم البلد، تملك بكين قنوات تواصل مميزة مع طهران وتؤثر على الإيرانيين أكثر من الولايات المتحدة وحلفائها حتماً. لكن يصعب أن نتوقّع مدى قدرة بكين على كبح تحركات طهران إذا قرر القادة الصينيون تبنّي مقاربة مبنية على زيادة التدخّل في شؤونها».

تملك الصين نفوذاً معيّناً على مستوى تجارة النفط ومبيعاته، لكن يصعب استغلال ذلك النفوذ سياسياً ولوجستياً برأي ويليام فيغوراو، خبير في العلاقات الصينية - الإيرانية في جامعة «غرونينغن» في هولندا. تشتري المصافي الصينية الخاصة التي تنشط في السوق السوداء معظم إمدادات النفط الإيراني بطريقة غير شرعية بدل المصافي الحكومية. لكن يظن فيغوراو أن تلك المصافي الخاصة «يصعب تنظيمها»، ما يعني أن تجد بكين صعوبة في فرض سيطرة مباشرة على واردات النفط الإيراني القادمة من الصين.

في غضون ذلك، لا يزال حجم الاستثمارات الصينية في إيران (معظمها على صلة بالشركات الخاصة) نقطة خلافية في العلاقات القائمة بين البلدين. يوضح فيغوراو: «بقيت استثمارات الصين في إيران ضئيلة، ما دفع طهران إلى التذمّر من الوضع، وقد يؤثر هذا الجانب على رغبة الإيرانيين في الخضوع للضغوط الصينية. باختصار، ما الذي تستطيع الصين فعله؟ هي تعجز عن التهديد بإلغاء الاستثمارات لأنها قليلة أصلاً، وقد امتنعت أيضاً عن تنفيذ التزاماتها السابقة، ما يعني تراجع الحوافز والعقوبات في آن».

سبق وأبدت إيران استعدادها لاختبار أكبر عميلة لديها. في كانون الأول الماضي مثلاً، حصرت إيران شحنات النفط ورفعت الأسعار التي تطلبها من العملاء الصينيين، ما أدى إلى تخبّط المبيعات. يقول إيريك أولاندر، رئيس التحرير في «مشروع الصين والجنوب العالمي» (منظمة غير ربحية تُركّز على علاقات الصين مع أفريقيا ودول الجنوب العالمي): «أثبتت تلك الخطوة أن العلاقات الاقتصادية لها حدود معيّنة. يظن البعض في واشنطن أن امتلاك القوة الاقتصادية يعني تلقائياً امتلاك القوة السياسية. لكن يختلف الوضع مع الإيرانيين. أثبت الإيرانيون كفاءتهم رغم تعرّضهم للعقوبات طوال عقود. هم لن يتخلوا عن أمنهم القومي ومصالحهم السياسية من أجل الصينيين بسبب اعتبارات اقتصادية».

في الوقت نفسه، لا تبدي الصين أي استعداد للرضوخ لضغوط واشنطن. فضّلت بكين أن تبقى على هامش الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، فاستغلّت ذلك الصراع للاصطفاف مع بعض الدول في الجنوب العالمي. وحين رفعت بكين الصوت، كما حصل عندما دعت إيران إلى كبح اعتداءات الحوثيين في البحر الأحمر، ركّز الصينيون حصراً على تخفيف الأضرار التي تطرح تهديداً على مصالح الصين.

كذلك، تحمل واشنطن وبكين آراءً مختلفة جداً عن الصراع العام في الشرق الأوسط. بعد هجوم إيران على إسرائيل، بدا وكأن بكين تدعم تحركات طهران، فأعلنت أنها مستعدة لدعم شكلٍ من التعاون العملي تدريجاً. في هذا السياق، يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان: «الصين تدين بشدة الاعتداء على السفارة الإيرانية في سوريا، وتعارض هذا التحرك، وتعتبر الهجوم انتهاكاً خطراً وغير مقبول للقانون الدولي. كان الرد الإيراني شكلاً من الدفاع عن النفس. أشادت الصين بإيران لأنها حرصت على عدم استهداف أي دول إقليمية ومجاورة وتتابع الالتزام بسياسة حُسن الجوار والصداقة».

تقول يون صن، مديرة البرنامج الصيني في مركز «ستيمسون»: «بالنسبة إلى الصين، يُعتبر قصف سفارة أي دولة مستقلة أخرى أمراً غير مقبول. قبل أن يناقش المجتمع الدولي كيفية وقف إيران إذاً، يطرح الصينيون السؤال المضاد التالي: كيف يمكن وقف إسرائيل؟». باختصار، لا تهتم بكين بالتدخل ولا تريد أن يفترض الآخرون أنها بدأت ترضخ للضغوط الأميركية.

في النهاية، يقول أولاندر: «ظاهرياً، لا يبدو السبب الذي يجعلنا نطلب من الصينيين أن يستعملوا نفوذهم لكبح تحركات الإيرانيين أو تقليص نطاقها منطقياً. إنها سياسة سلبية بالنسبة إلى الصينيين. لا يمكن أن يظهر الرئيس الصيني شي جينبينغ وكأنه يتلقى الأوامر من الولايات المتحدة، لا سيما في تعامله مع إيران. هذا المشهد ليس منطقياً».

MISS 3