سباق التسلّح بين الصين والولايات المتحدة والإنفاق الدفاعي المتزايد، أكبر دليل على أنّ العالم في حالة حرب بعد أن تعدّت هاتان الدولتان مبادئ الردع الاستراتيجي، خصوصاً بعد اشتراكهما بالعديد من الصراعات الدولية وكانتا الداعمتين الأساسيّتين للعديد من الأطراف. ولأنّ الحروب تحتاج إلى سلاح وميزانيات عسكرية، تقوم كلّ دولة بزيادة الميزانيات المخصّصة للجيش والتسليح والتطوير التكنولوجي والنووي، سعياً للوصول إلى ما يطمح إليه الطرفان بزيادة القوّة لاستقطاب دول حليفة أو الحفاظ على تأثيرها على الساحة الدولية.
تسعى الصين إلى تعزيز تأثيرها الإقليمي والدولي، وتستخدم تطوير قدراتها العسكرية لتحقيق ذلك، وتتعمّد إظهار قوّتها خصوصاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال استفزاز تايوان، وتسعى إلى تعزيز قدراتها النووية والاستراتيجية عبر تحديث قاذفاتها وتطوير تكتيكاتها بشكلٍ يوازي التطوّر الأميركي الرائد بين دول العالم. وفي المقابل، تعتمد الولايات المتحدة سياسة احتواء الصين عبر الاستثمار في الغواصات وتقديم مساعدة عسكرية لتايوان ضمن استراتيجيتها للأمن القومي.
كانت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة رائدة في تطوير ونشر القاذفات الشبح من طراز «بي 1 بي» و»بي 2»، وقد طوّرتها مع الجيل التالي «بي 21 رايدر» التي قامت برحلتها الأولى في تشرين الثاني 2023، وأعلنت واشنطن أنّها كانت ناجحة وسوف تُباشر بتصنيع 100 قاذفة منها لتلبية الاحتياجات الدفاعية المستقبلية.
في المقابل، تريد الصين أن توازن هذا التقدّم الأميركي وتسدّ فجوة التفوّق الجوي والاستراتيجي لواشنطن، من خلال تصنيعها محلّياً أوّل قاذفة شبح استراتيجية من طراز «أكسي آن أتش 20» التي ستُفرج الصين عن مميّزاتها قريباً.
تبقى الولايات المتحدة الرائدة في المجال العسكري. على الرغم من قلّة المعلومات المتوافرة عن القاذفة الشبح الصينية الطويلة المدى الجديدة، فإنّ المسؤولين العسكريين الأميركيين يؤكدون أنّها لن ترقى إلى مستوى التصاميم الأميركية، وأنّ الصينيين قد أعدّوا أنظمتها وهيكلها بشكل يشبه الأنظمة الأميركية، وهذا ما يُعطي القاذفات الأميركية امتيازات تقنية كون هناك العديد من الخصائص غير المُعلنة وتعتبر شديدة السرّية لدى الولايات المتحدة.
تطوير الأسلحة، خصوصاً الاستراتيجية منها، يتطلّب ميزانية عالية، وهذا ما يلقى صعوبة عند الأميركيين على الرغم من احتفاظ واشنطن بأعلى مراتب الإنفاق العسكري الدفاعي. فالصين مثلاً تمكّنت من صناعة حوالى 200 مقاتلة «جي 20» من الجيل الرابع في مدّة قصيرة (حوالى 50 مقاتلة في السنة)، في حين مجمل مقاتلات الولايات المتحدة من الجيل الرابع من طراز «أف 22» التي تعتبر من نفس مميّزات المقاتلة الصينية، يبلغ 220 مقاتلة.
المقاتلات الأميركية مختبرة ومجرّبة في معارك عملانية، وهذا ما يُعطيها امتيازاً بالنسبة إلى كيفية استخدامها من الطيارين وقدراتها الفعلية. أمّا الصينيون، فلا يعرفون عن قدرات مقاتلاتهم سوى تجارب التمارين التدريبية التي لا تُعطي الطيار الثقة الكاملة بمقاتلته مثل الطيارين الأميركيين.
بالعودة إلى ميزانيات الصناعات الدفاعية، يؤكّد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري» أنّ الميزانيات العسكرية على مستوى العالم لم تعرف منذ عام 2009 هذا المستوى من الارتفاع، بحيث وصلت نسبته إلى 6.8 في المئة في عام 2023، زيادةً عن العام 2022. وبالأرقام، فإنّ المصاريف العسكرية بلغت العام الماضي 2443 مليار دولار.
إنفاق الولايات المتحدة وحدها بلغ 916 مليار دولار (بزيادة نسبتها 2.3 في المئة قياساً مع العام الماضي)، ما يعني أن واشنطن تُنفق 37.5 في المئة من مجمل المصاريف الدفاعية في العالم. في المقابل، تحتلّ الصين المركز الثاني في الإنفاق الدفاعي عالميّاً. ووفق أرقام المعهد السويدي، فإنّ الإنفاق الدفاعي الصيني زاد بنسبة 6 في المئة ليصل إلى 296 مليار دولار، ما يعني عملياً أن واشنطن تُنفق نحو 3 أضعاف ونصف ما تُنفقه بكين.
في ظلّ إنشغال الولايات المتحدة بالعديد من الصراعات، أهمّها الحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط، والحرب الروسية - الأوكرانية، وفي ظلّ تشتيت الدعم الأميركي على العديد من الدول لاحتواء كافة المخاطر المعادية لدول العالم الحرّ، تستفيد الصين من زيادة قدراتها الدفاعية الاستراتيجية، آخرها تشكيل قوة عسكرية سيبرانية جديدة، وتطوير أسلحتها.
لكن هذا الانشغال الأميركي لم يُخفّف من قدرة الأسلحة المصنّعة في الولايات المتحدة على مواجهة المخاطر الدولية، تظلّ الآلة العسكرية الأميركية هي الرائدة، على الرغم من تقليدها من عدّة دول، أبرزها الصين، وتبقى الولايات المتحدة هي الفاعلة والآخرون هم من يقومون بردّة الفعل بالسعي إلى الإلتحاق بالتطوّر الأميركي الهائل.