رواد مسلم

الفضاء... ساحة جديدة للحروب؟

27 نيسان 2024

02 : 01

يشهد العالم تقدّماً تكنولوجياً هائلاً، خصوصاً من ناحية الترابط العالمي السريع، حيث أصبح الفضاء حيويّاً بشكل متزايد للازدهار الاقتصادي والدفاع الوطني في كلّ أنحاء العالم، الأمر الذي يضع قادة الأعمال الفضائية في وسط الجغرافيا السياسية، ومسائل الأمن العالمي، وفي بعض الحالات، الصراع العسكري. واليوم، تقف الولايات المتحدة، بروحها الرائدة وقدراتها الابتكارية، في طليعة المستفيدين من الفضاء وإمكاناته اللامحدودة لمصلحة البشرية، من تطوّر للاتصالات عبر الأقمار الإصطناعية وأنظمة الملاحة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية والدفاع الصاروخي.

عسكريّاً، لعبت القدرات الفضائية في العامين السابقين، خصوصاً في مجال الخدمات الفضائية التجارية، دوراً واضحاً في مناطق الصراع، حيث ساعدت المعلومات المستمدّة من أنظمة الفضاء التجارية للاستشعار من بُعد والاتصال من الأقمار الاصطناعية، أوكرانيا، على مقاومة العدوان الروسي. كما أثّر الفضاء أيضاً على الصراع في غزة، حيث تستخدم المؤسّسات الإعلامية صور الأقمار الإصطناعية التجارية لتبادل المعلومات حول تأثيرات الصراع.

وبينما تُركّز الولايات المتحدة بشكل متزايد على الفضاء، فإنّ روسيا والصين واليابان والهند وإيران وإسرائيل تزاحمها في ذات المجال، وأحياناً بشكل يُهدّد الأمن القومي والعالمي. ففي شباط 2024، علم العالم أنّ روسيا تعمل على تطوير سلاح فضائي مضادّ يتضمّن التكنولوجيا النووية، ما جلب المزيد من الوعي العام واهتمام صنّاع السياسات بأمن الفضاء. وهذا ما كان واضحاً في مجلس الأمن أخيراً حين استخدمت موسكو حق النقض ضدّ مشروع قرار أعدّته واشنطن يدعو الدول إلى منع سباق التسلّح في الفضاء الخارجي، في خطوة دفعت الولايات المتحدة إلى التساؤل عمّا إذا كانت موسكو تُخفي شيئاً ما.

اليوم يعتقد مسؤولون من الاستخبارات الأميركية أنّ لدى روسيا إمكانات لاستخدام قنبلة نووية فضائية قادرة على إحداث إشعاعات كهرومغناطيسية تعمل على تعطيل شبكات واسعة من الأقمار الاصطناعية. فكان القرار الجديد الذي سيُلزم الأعضاء الموقعين على إعادة التصديق على معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، والتي وقّع عليها حينها عدّة دول، من بينها روسيا وأميركا، وتلزم كلّ الأعضاء الامتناع عن وضع أي أجسام تحمل رؤوساً نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في المدار حول الأرض.

ما يُبرّر الغموض الروسي يُمكن أن يكون العقوبات المفروضة عليها من الغرب، إذ لا تزال تمنع روسيا من الوصول إلى التكنولوجيا الغربية البالغة الأهمّية لقدرة روسيا على بناء أقمار اصطناعية حديثة، على الرغم من وضع المسؤولين الروس الخطوط العريضة لأجندة فضائية طموحة في السنين الماضية. وفي هذه الظروف، سوف تجد روسيا صعوبة في تنفيذ رؤيتها لمواكبة الفضاء، إذ يُعتبر حجر أساس القوة الروسية في الفضاء، بما في ذلك قدراتها الفضائية المضادة، التكنولوجيا والبنية التحتية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية التي تعتمد على الأنظمة والتصميمات العائدة إلى الثمانينات.

وعزّزت كوريا الشمالية تعاونها مع روسيا في مجالات مختلفة، بما في ذلك تكنولوجيا الفضاء، وقامت بثماني محاولات إطلاق منذ محاولتها الأولى لإطلاق قمر اصطناعي في عام 1998، ونجحت في وضع ثلاثة أقمار اصطناعية في المدار، وأعادت تسمية أو إعادة تنظيم وكالة الفضاء الخاصة بها ثلاث مرّات. وشهد العام الماضي أوّل إطلاق فضائي ناجح لها منذ عام 2016، مع إطلاق قمر الاستطلاع العسكري «ماليغيونغ 1». كما أكملت بيونغ يانغ تحديثات كبيرة لمحطة إطلاق الأقمار الاصطناعية «سوهاي».

أمّا بالنسبة إلى إيران، فواصلت تطوير قدراتها الفضائية وأظهرت معالم فضائية ملحوظة خلال العام الماضي، وتمكّنت من وضع أربعة أقمار اصطناعية منفصلة في المدار، حيث أجرت أخيراً إطلاقين فضائيين ناجحين في كانون الثاني 2024 أحدهما باستخدام صاروخ «قائم 100» والآخر عبر «سيمورغ». أمّا قمرها العسكري «نور 3»، فيُعتقد أنه يقوم باستشعار الأرض من بُعد. وأطلقت كبسولة حيوية في كانون الأول 2023 قد تكون جزءاً من طموحات طهران لقدرة محلّية على رحلات الفضاء البشرية، الأمر الذي زاد من القلق الدولي الطويل الأمد من أنّ التطورات الفضائية الإيرانية تعمل على تطوير تكنولوجيا الصواريخ.

في المقابل، تواصل إسرائيل توسيع قدراتها الفضائية في مجال أمنها القومي وتدعيم حربها ضدّ «حماس» وإيران، حيث نشرت قدرات الحرب الإلكترونية التي تداخلت مع خدمات الأقمار الاصطناعية. واعترفت بتشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بعدما لوحظ أن مصدره شمال إسرائيل، مشيرةً إلى أنه إجراء دفاعي مطلوب. إن رادارات أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي أبرزها «آرو 3» عبارة عن طاقة موجهة قصيرة المدى اعترضت صاروخاً باليستياً أطلقه الحوثيون عن إرتفاع 100 كلم ويُمكنه الوصول إلى 300 كلم، ومن المرجّح أن هدف التشويش الإسرائيلي ارباك الصواريخ الموجّهة والمسيّرات التي يستخدمها «حزب الله» والتي تعتمد على الإحداثيات الجغرافية، الأمر الذي أثّر على إشارات الطائرات المدنية.

يجب أن تتعامل كافة الحكومات مع الأقمار الاصطناعية والأجهزة الفضائية المرسلة على قدر عال من الحساسية، لأنها تُمثّل عصباً للحياة بما توفره من تغطية ملاحية ومعلومات استخباراتية وعسكرية على الأرض، كما تمدّ الحكومات بالاتصالات المباشرة للتواصل اللاسلكي في حال فشل التواصل الأرضي، لكن التحرّك الفضائي بهدف الأعمال السيبرانية والتشويش والأعمال المدمّرة فضائيّاً ليس من مبادئ الحروب، فهل تنتقل الحروب إلى الفضاء قريباً؟

MISS 3