جاد حداد

ماذا يحصل في دماغك أثناء النوم؟

11 آب 2020

02 : 00

يُجمِع العلماء عموماً على وجود أربع مراحل من النوم نمرّ بها بشكلٍ متكرر كل ليلة: تشكّل أول ثلاث مراحل "حركة العين غير السريعة"، وتشير المرحلة الرابعة إلى "حركة العين السريعة" التي تشهد نشوء الأحلام.

في المرحلة الأولى من حركة العين غير السريعة، ينتقل الجسم والدماغ من اليقظة إلى النوم. يُحوّل الدماغ حينها ذبذباته الكهربائية من نمط الموجات الدماغية الناشطة في أوقات اليقظة إلى إيقاع أبطأ.

أما المرحلة الثانية، فتشمل تراجعاً في حرارة الجسم وضربات القلب وإيقاع التنفس والموجات الدماغية. وتُعتبر المرحلة الثالثة الأعمق على الإطلاق ويحتاج إليها الجسم كي يستعيد النشاط بعد الاستيقاظ وتتراجع خلالها ضربات القلب والتنفس والنشاط الدماغي لأدنى المستويات.

حلّل بحث نشرته مجلة "ميديكل نيوز توداي" مختلف مراحل النوم، وذكر أن النوم لا يُمَكّن الدماغ من اكتساب معلومات جديدة فحسب بل بإلغاء معلومات أخرى. شملت الدراسة الأصلية في العام 2017 مهمة تعليمية سمعية، فشغّل الباحثون مقاطع صوتية حين كان المشاركون نائمين ومستيقظين. في الوقت نفسه، راقبوا النشاط الكهربائي في أدمغة المتطوعين عبر استعمال التخطيط الكهربائي للدماغ الذي يرصد أيضاً موجات النوم المغزلية حين يتعلم الدماغ النائم أصواتاً جديدة. تشير تلك الموجات إلى ذروة نشاط الدماغ المتذبذب الذي ربطته أبحاث سابقة بالتعلّم وترسيخ الذكريات.

بعد كل حصة نوم، طلب العلماء من المشاركين أن يسمعوا مجدداً صوت المقاطع نفسها ويتعرفوا عليها، ثم قيّموا أداءهم التعليمي عبر مجموعة اختبارات. واستناداً إلى قراءات التخطيط الكهربائي للدماغ، حلل العلماء ثلاث مراحل من النوم: حركة العين السريعة، والمرحلة الخفيفة من حركة العين غير السريعة، والمرحلة العميقة من حركة العين غير السريعة.

حين تعرّض المشاركون للأصوات في مرحلة حركة العين السريعة أو المرحلة الخفيفة من حركة العين غير السريعة، تمكنوا من التعرف عليها في ساعات اليقظة أكثر من غيرهم. لكن عند تعرّضهم لموجات جديدة خلال المرحلة العميقة، وجدوا صعوبة إضافية في التعرّف على المقاطع الصوتية خلال اليقظة.

حتى أنهم لم ينجحوا في تعلّم تلك الأصوات أو التعرف عليها مجدداً بسهولة مقارنةً بالأصوات الجديدة بالكامل. تكشف هذه النتائج أن المرحلة العميقة من حركة العين غير السريعة لا تُستعمَل لاكتساب معلومات جديدة بقدر ما تهدف إلى قمع المعلومات.

يقول المشرف الأول على الدراسة، توماس أندريلون: "أكثر ما فاجأنا هو قدرة الدماغ على إلغاء المعلومات المكتسبة سابقاً. خلال النوم، يمكننا أن نشكّل ذكريات جديدة أو نتعلم أو نفعل العكس، أي قمع الذكريات وإلغاء المعلومات". تُضاف هذه الاستنتاجات إلى الأدلة القائلة إن النوم العميق يسهم في الحفاظ على المرونة العصبية. يبدو أن المرحلة الخفيفة من حركة العين غير السريعة تحديداً تسهم في تنشيط نقاط الاشتباك العصبي. في المقابل، قد تساعدها المرحلة العميقة على الاسترخاء.

يتماشى هذا التناقض بين المرحلتين مع اختلاف نوعي بينهما له علاقة بالمرونة العصبية. وفق هذه النظرية، تُفضّل المرحلة الخفيفة من حركة العين غير السريعة تقوية نقاط الاشتباك العصبي، بينما تميل المرحلة العميقة منها إلى إضعافها.

لا يعني ذلك أن الأثر القمعي للمعلومات خلال النوم له أي دور وظيفي، بل يبدو أنه نتاج ثانوي وحتمي لإضعاف نقاط الاشتباك العصبي اللازمة لترسيخ المعلومات. بعبارة أخرى، قد يساعدنا النوم العميق على إلغاء المعلومات السابقة أو نسيانها لأن النسيان نتاج ثانوي طبيعي للحفاظ على المرونة العصبية، والنسيان نتاج ثانوي لقدرة التعلّم.

نظريات موحّدة عن النوم

يوضح أندريلون وزملاؤه أن نتائجهم مهمة لأنها تُوحّد مدرستَي أفكار كانتا متعارضتَين سابقاً. تعتبر إحداهما أن الوظيفة الأولية للنوم هي التعلم وترسيخ المعلومات الجديدة. أما المدرسة الثانية، فتظن أن تلك الوظيفة تتعلق بالتخلص من المعلومات غير النافعة منعاً لتعطيل الدماغ.

فيما يجمع العلماء أدلة علمية عصبية عن مسار عمل النوم، من الواضح أن الانقسامات لن تكون أفضل طريقة لتحليل النوم أو معرفة دوره في عملية التعلم.

ذكرت دراسة في الشهر الماضي مثلاً أن مرحلتَي حركة العين السريعة وغير السريعة تتعاونان لتعزيز مسار التعلم. ويبدو أن مرحلة حركة العين غير السريعة تحديداً هي التي تعزز الأداء في المهارات المُكتسبة حديثاً من خلال تجديد المرونة العصبية. في المقابل، تسهم حركة العين السريعة في ترسيخ التعديلات النافعة وتمنع المعلومات الجديدة من محوها.

بدأ بحث جديد انطلاقاً من الفرضية القائلة إن النوم يُفترض أن يقوي نقاط الاشتباك العصبي الناشئة خلال النهار لترسيخ المعارف الجديدة ومنع معلومات أخرى من استبدالها. لكن يُفترض أن يُرخي النوم تلك النقاط أو يُضعِفها أيضاً للحفاظ على ليونتها ومرونة الدماغ العصبية.

كانت هذه الدراسة بقيادة ماساكو تاماكي من قسم العلوم المعرفية واللغوية والنفسية في جامعة "براون" في "بروفيدانس"، "رود آيلند"، وشملت مهمة تعليمية بصرية. طلب الباحثون من مجموعة مشاركين تنفيذ مهمتَين مختلفتَين، واحدة قبل النوم وأخرى بعد النوم. ولم تتلقَ المجموعة الثانية أي مهام مماثلة.

استعمل العلماء تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي وأقطاباً كهربائية وضعوها على رؤوس المشاركين وجفونهم. واستخدموا أيضاً مطيافية الرنين المغناطيسي لقياس المادتَين الكيماويتَين الدماغيتَين اللتين ترتبطان بالمرونة العصبية وترسيخ المعلومات. فاكتشفوا أن المرونة العصبية زادت خلال مرحلة حركة النوم غير السريعة، وهي ترتبط بتحسين التعلم وأداء المهام بعد النوم.

خلال مرحلة حركة العين السريعة، تراجعت المرونة العصبية لدى المشاركين، وترتبط هذه العملية بترسيخ ما تعلّموه. يفترض الباحثون أن هذه المرحلة تمنع المعلومات اللاحقة من محو تلك التي نكتسبها قبل النوم. وعلى عكس حركة العين غير السريعة، لم يرصد العلماء تراجعاً حاداً في المرونة إلا في مرحلة حركة العين السريعة لدى المتطوعين المكلّفين بتعلّم مهمة معينة.


MISS 3