ريتا ابراهيم فريد

جوي حلاق: يستهويني التحدّي في الأدوار الصعبة

حدّدت وجهتها، ورسمت مسارها المهني بدقّة. اقتحمت الأضواء بشجاعة، لكنّها لم تحترق، بل ازدادت توهّجاً. لا حاجة للكلمات، فهي تتحدّث بعينيها. تسابق نفسها لتقديم أفضل ما لديها. والأفضل لدى هذه الشابة الموهوبة في تطوّر مستمرّ. فهي لا ترضى بأقلّ من الإحتراف. الى جانب هدوئها اللطيف، كان حضورها طاغياً في مسلسل «ع أمل» بدور ملاك الذي جسّدته بإتقان.

«نداء الوطن» تواصلت مع الممثلة الشابة جوي حلاق التي تحدّثت عن تحدّيات دور ملاك، مشدّدة على أهميّة أن يقوم الممثّل بأبحاث حول الأبعاد النفسية للشخصيات التي يؤدّيها.






يبدو لافتاً التنوّع الذي تقدّمينه في الشخصيات التي تجسّدينها. ولا شكّ في أنّ ذلك يتيح للممثّل أن يعرض مهاراته، لكنّه في المقابل يترافق مع تحدّيات كثيرة. أين واجهتِ ذلك؟

بالنسبة الي، كلما ازداد التحدّي أثناء التمثيل، كلّما كان الأمر ممتعاً أكثر. أنا من الممثّلين الذين يستمتعون بتأدية الأدوار الصعبة والمركّبة، التي نجسّد من خلالها حالة نفسية معيّنة. يستهويني التحدّي في هذه الأدوار، ويدفعني للقيام بأبحاث أكثر عن الشخصية وأبعادها. وفي كلّ مرة أجسّد فيها شخصية جديدة، هناك شيء جديد أتعلّمه. إذاً الضغوطات تعطيني حافزاً كي أنافس نفسي وأتحدّاها إن كنتُ قادرة على تقديم الدور بإتقان.





يتّضح من مقابلاتك أنّك ملمّة كثيراً بعلم النفس، وكنتِ ترغبين بالتخصّص فيه في الجامعة. أين أهمية الإستعانة بعلم النفس في التمثيل وماذا يضيف على الأداء؟

علم النفس يضيف بُعداً وعمقاً الى الشخصية التي يؤدّيها الممثّل. مثلاً دور «ملاك» كان مختلفاً عن شخصيتي. أنا لم تتركني أمي يوماً، والأشخاص المحيطون بي يكنّون لي الكثير من الحب ويقدّمون لي الدعم، عكس «ملاك» تماماً.

لذلك حاولتُ البحث عن أبعاد شخصيتها، وكيف يمكن أن يشعر الإنسان الذي يعيش في ظروف مماثلة، وكيف سيتعامل مع الآخرين من جهة، ومع نفسه من جهة أخرى. حتى أنني تواصلتُ مع معالج نفسي واستفسرتُ منه أكثر حول هذا الموضوع.

بكيتِ حين قرأتِ نص مسلسل «ع أمل». حين يتأثّر الممثّل بالشخصية التي يؤديها ويندمج فيها الى حدّ الإنغماس، كيف يمكنه أن يفصل نفسه عنها في ما بعد؟

أظنّ أنّ الممثّل يكتسب ذلك مع الخبرة. أحياناً حين كنتُ أؤدي مشهداً حزيناً، كان الحزن يرافقني حتى بعد أن أنتهي من تصويره. لكن حين رأيتُ كيف يتقن الممثّلون المخضرمون الإنفصال عن الشخصية ببراعة تامة، سعيتُ لأن أتعلّم ذلك منهم. فكنتُ أحاول بعد كلّ مشهد قاسٍ أن أمزح مع زملائي كي أخرج قليلاً من أجواء الشخصية.

في «ع أمل»، تلقّيتِ صفعة من الممثلة ماريلين نعمان (بشخصية فرح). وفي مسلسل «الغريب» تعرّضتِ للعنف أيضاً من الممثل سعيد سرحان. هل ترين أنّ العنف يجب أن يكون حقيقياً كي يعطي مصداقية أكثر للمشهد؟

حين صفعتني ماريلين نعمان أول مرة، لم أشعر بقوة الصفعة، فطلبتُ منها أن يكون «الكفّ» حقيقياً. لكنّ ماريلين ناعمة جداً، فلم أشعر بالألم (تضحك). علماً أنني بكيتُ من بعده، لأنّ جسدي تفاعل مع فعل الصفعة، لأنها كانت قوية وحقيقية، حتى لو لم تكن مؤلمة. ربّما يكون الأمر متطرّفاً، لكنّي شخصياً أفضّل أن تكون الأمور أقرب الى الحقيقة كي أشعر بها أكثر. طبعاً العنف أثناء التمثيل له حدود، لكن من الأفضل أن يكون حقيقياً ولو بالحدّ الأدنى. وهُنا تظهر براعة الممثّل حين يعنّف الآخر بقوة، لكن من دون أن يؤذيه.

تأثّر الجمهور بمشاهد كثيرة في «ع أمل». ما هو أكثر مشهد ترك تأثيره عليك ورافقك حتى بعد أن أنهيتِ تصويره؟

المشهد الذي واجهتُ فيه والدتي «يسار» (ماغي بو غصن) أثّر كثيراً بي. وكنتُ أستصعبه قبل أن أؤدّيه، لأني كنتُ ممتلئة بأفكار ومشاعر مختلفة حينها. فالمشهد لم يكن يقتصر على إحساس واحد، بل هو مزيج من الغيرة والحقد والغضب والحزن، والأسئلة الكثيرة التي تدور في رأس «ملاك». كما أنّ مجموعة العقد النفسية التي سبق وتراكمت لديها في مراحل حياتها، كان عليها أن تظهر كلّها في هذه المواجهة. بقدر ما أحببتُ هذا المشهد، بقدر ما كان صعباً.



جوي مع ماغي بو غصن وماريلين نعمان



كيف كان شعورك حين شاهدتِه للمرة الأولى؟

أنا من الأشخاص الذين يجرون نقداً ذاتياً باستمرار. ربما لا يمكنني أن أكون مرجعاً لتقييم ما أقدّمه لأني قاسية جداً على نفسي. لكنني في مكانٍ ما كنتُ ممتنة لهذا المشهد.

اخترتِ التمثيل لأنّك شغوفة به، لا من أجل شهرة ولا أي شيء آخر. ماذا تقولين لكل شاب وصبية في لبنان كي لا يستسلموا أمام التحديات اليوم؟

لا شكّ في أنّ الكثير من الشباب عاجزون اليوم عن تحقيق أحلامهم نتيجة الأوضاع الصعبة والكوابيس التي تحيط بنا. لكني أقول لهم في البداية أن يثقوا بأنفسهم وبقدرتهم على تحقيق الأفضل. فكلّ شيء يبدأ من الذات. والنجاح ينبع من داخل الإنسان.