ستيفاني غصيبه

"ع أمل"... إبداع المخضرمين يمتزج بموهبة الشباب

3 نيسان 2024

02 : 05

رغم مرور 22 حلقة من مسلسل «ع أمل» الذي يُعرض خلال شهر رمضان عبر شاشة الـmtv ويُبثّ عبر منصّة «شاهد»، إلّا أنّنا لم نفهم القصّة كاملة بعد.

حتّى الآن، نحن رهائن مقطع صغير مغبّش في بداية كلّ حلقة يعطينا تلميحاً أو مؤشّراً أو يمسّكنا بطرف خيط لحلّ لغز البطلة سهاد التي تحوّلت لاحقاً إلى يسار، المذيعة الناجحة التي تؤدّي دورها ماغي بو غصن. وفي هذه القصّة التي كتبتها ندين جابر وأخرجها رامي حنا، لا تنحصر البطولة بشخص واحد، بل تشمل الجميع من بديع أبو شقرا بدور جلال إلى مهيار خضور بدور نبال، وصولاً الى المواهب الشابة والوجوه المخضرمة الأخرى.



«وراء كلّ امرأة عظيمة، نفسها». هكذا تفتتح يسار كلّ حلقة من حلقات برنامجها «ع أمل». لكن وراء يسار التي تبدو عظيمة أمام الكاميرا، سلسلة حكايات وأحداث، تراكمت لتبني المرأة التي لا ترى على المرآة إلّا الصفعات التي علّمت على وجهها.

أمّا سهاد فهي امرأة ولدت وعاشت حتّى شبابها في قرية «كفرحلم» المتشدّدة التي تمنح الرجل السلطة المطلقة على سائر الكائنات حوله. هناك، تُعنّف النساء وتُقتل باسم العرض والشرف، وتفرض التقاليد البالية نفسها على الجميع، رجالاً كانوا أم نساء. والحقيقة، أنّ الجنسين ضحايا.

لا نعلم بعد ما دفع والد سهاد إلى أن يحلّل دمها وأن يطلب من أخويها سيف (عمّار شلق) ورباح (طلال الجردي) أن يغسلا شرف العائلة من العار الذي ولّدته، بعدما أُجبرت على الزواج من ابن عمّها عقيل (حسن حمدان). لكنّ المؤكّد أنّ أخاها سيف لم يتردّد في تنفيذ المهمّة، فقتل أخته ورماها في النهر، فيما لم يتعافَ رباح من الحادثة حتّى بعد مرور أكثر من عقدين عليها وهرب مع ضميره المعذّب إلى بلاد بعيدة.

سهاد لم تمت، وجدها رجل تقيّ هو العمّ سركيس (نقولا دانيال) وزوجته تيريز في مجرى النهر وطبّباها ومنحاها هويّة جديدة في الشكل وعلى الورق: من سهاد حلم إلى يسار حرب. وربّما أعظم ما فعله الزوجان، هو تبنّي فرح (مارلين نعمان)، ابنة سهاد التي كانت حاملاً بها قبل أن تُرمى في النهر.

دخلت يسار الجامعة وبنت مسيرة مهنيّة حافلة، لا سيّما من خلال برنامجها «ع أمل» الذي يعالج قضايا تعاني منها النساء، وشاركها في كلّ هذه المسيرة زميلها في الجامعة ومنتج برنامجها وحبيبها جلال منصور (بديع أبو شقرا الذي يتقمّص الشخصيّة بإحساس رهيب)، وهو الوحيد الذي يملك سرّها في حياتها الجديدة التي صنعتها لنفسها.

في عيد فرح الثامن عشر، أخبرتها يسار أنّها والدتها، من دون أي تفصيل إضافي رغم محاولات الصبية الكثيرة لفهم واستيعاب هويّتها. وهذا الغموض والتكتّم دفعها في ما بعد إلى نكش الأسرار وفضح الخفايا. لكنّ فرح محظوظة، أقلّه أكثر من شقيقتها ملاك (جوي حلّاق). فرح حظيت بحبّ أمّها ولو بعد انتظار، وتعيش معها في قفصهما السريّ. لكنّ ملاك، الابنة الكبرى التي وُلدت قبل أشهر من مقتل والدتها، بقيت في «كفرحلم»، تتشرّب نظرة الاحتقار والحقد تجاه أمّها التي لا تعرفها.

في «ع أمل»، كلّ شخصيّة هي نتيجة عناء طويل، وتراكم لمجموعة مواقف صنعت حياتها. تتشعّب القصص وتعود لتصبّ في المكان نفسه. ولعلّ الدليل الأبرز على نجاح العمل، هو أنّنا لا نجمع على أي من الشخصيّات التي نتابعها. فهذا الجدل الذي يخلق في أذهاننا والتساؤلات التي تراودنا عن المرأة ودورها والموت والحزن والتقاليد والانتقام والثورة على الواقع والحبّ والعلاقات، هي التي تبقينا أمام شاشاتنا ننتظر، على أمل أن نجد إجابة عنها قبل الحلقة الأخيرة.



يسار مع ابنتيها ملاك وفرح


عالمان متوازيان

تحبك جابر بين عالمين لا يشبه واحد منهما الآخرَ بشيء، إلّا من ناحية واحدة: يسار، أو سهاد، لا فرق، وكلّ الألم الذي تحمله حكايتها. فيسار المذيعة الجريئة والقويّة تعيش في ماضيها المؤلم وتأسر معها جلال الذي احتّل قلبها، وابنتها فرح التي اصطحبتها معها إلى حياتها الجديدة. أمّا سهاد، فتاقت إلى حياة مختلفة عن تلك التي عاشتها في القرية، وحتّى بعد موتها المفترض، حمّلت والدتها (نوال كامل) وشقيقتها رهف (سيرينا الشامي) سرّاً لا يُحمل، وكبّلت ابنتها ملاك التي تركتها في عالم كفرحلم المظلم بعبء قصّتها.

فيسار ضحيّة وظالمة في آن، حالها حال كلّ الشخصيّات الأخرى. عاشت أصعب التجارب وأمرّها، لكنّها تختار كلّ يوم ألّا تتحرّر منها وأن تبقى رهينتها. وكما قال العمّ سركيس (نقولا دانيال) ليسار: «قد لا ندرك تماماً ديناميكيات عائلة حلم بعد، لكنّنا نعرف أنّ يسار قادرة على المواجهة».

كذلك، يتناغم في الحلقات الأولى التناقض بين المدينة بيروت والقرية «كفرحلم»، بين الوجهين سهاد ويسار، بين البنتين فرح وملاك، بين الشريكين عقيل وجلال... وفيما يلتقي العالمان للمرّة الأولى عندما تكون نساء عائلة حلم مجتمعة لمتابعة برنامج يسار عبر التلفاز، تعد الحلقات المقبلة باصطدام بين الماضي والحاضر، يتخطّى صعود سيف مع يسار في المصعد نفسه واكتشاف فرح حقيقة والدتها.




ضحى وصفاء

ضحى (كارول عبّود) وصفاء (إلسا زغيب)، تجمعهما المصيبة والظلم. هما زوجتا سيف: الأولى كانت مخطوبة عن حبّ لرباح قبل أن يهرب إلى أميركا وأن تُزوّج أخاه سيف، أمّا الثانية فمصممة على الحفاظ على مكانتها بين ضرّاتها ضحى وزلفا (كارلا كيشيشيان).

كارول وإلسا، تبدعان بين الطرافة والحزن العميق. هما ضحيّتان للمستبدّ نفسه، عدوّتان وحليفتان في آن. تكمّل الواحدة الأخرى رغم الفروقات الشاسعة وتمثّلان الواقع المأسوي نفسه، كلّ واحدة على طريقتها.

أداء كلّ منهما يرغمك على متابعة شخصيّتيهما، يجبرك على تصديق واقعهما وعلى تقييم الأحداث من وجهتي نظرهما.

فرح وريّا

تطلّ علينا مارلين نعمان وريان حركة (بدور ريّا)، ابنة سيف وصفاء. تعرّفتا في الجامعة، حيث تتعلّم ريّا سرّاً عن ذويها. كلتا الشخصيتين تتحمّلان تبعات خيارات الجيل الذي سبقهما. لكنّهما تواجهان، وهذه المواجهة هي التي تبعث الأمل في الحبكة. فتمثّل فرح وريّا الشباب بأفكاره ولغته وتطلّعاته من دون تصنّع وبحقيقيّة جذابة. هاتان الموهبتان الجديدتان نسبيّاً تضفيان على المسلسل لمسة جديدة تقنا إليها في الآونة الأخيرة، تمتزج مع خبرة سائر الأبطال وتنتج «هارمونيّة» رائعة بينهم. كما تأخذنا مارلين معها عبر الأحداث من خلال أغانٍ تؤدّيها بصوتها العذب، من بينها أغنيتها «مسافة»، فتبدع بالتمثيل والموسيقى على حدّ سواء.



ملصق المسلسل



MISS 3