ماركو إيفرز

المعركة مستمرة ضد أخطر عدو خفيّ!

13 آب 2020

02 : 00

العلماء يقيّمون منافع أجهزة تنقية الهواء لمحاربة فيروس "كوفيد - 19"... مسببات فيروس كورونا تطوف في الهواء لساعات وتطرح تهديداً كبيراً. لذا يُطوّر الباحثون أفكاراً لمنع تناقل العدوى في المدارس والمطاعم والمكاتب عبر استعمال معدات التهوئة وفلاتر الهواء والأشعة فوق البنفسجية.

لا أحد يستطيع التأكيد حتى الآن على مستوى التعرّض للفيروس قبل التقاط العدوى، لكن يستخف الكثيرون بتأثير نوعية الهواء الداخلي في المكاتب، أو المطاعم، أو المدارس، أو المتاجر الكبرى، على أزمة فيروس كورونا. يقول ديتليف لوهسي، عالِم فيزياء ألماني في جامعة "توينتي" في هولندا: "تدوم قطرات الرذاذ هذه لفترة طويلة ومفاجئة. وبما أنها صغيرة جداً، يمكن تنشّقها بعمق فتصل إلى الرئتين".

لطالما كان أبسط علاج للهباء الجوي الداخلي متاحاً ومجانياً. يعتبر لوهسي التهوئة عاملاً أساسياً: عند تهوئة الغرف بالشكل المناسب وإدخال كمية كبيرة من الهواء المنعش إليها، يمكن تخفيض عدد جزيئات الهباء الجوي التي تطوف في المكان.

لكن تترافق التهوئة مع بعض الشوائب أيضاً. إذا هبّت الريح في الخارج واختلفت درجات الحرارة بين الداخل والخارج، لن تعطي التهوئة الطبيعية مفعولها إلا بدرجة محدودة. ولن يكون فتح النوافذ بشكلٍ دائم كافياً.

يوصي الخبراء بفتح النوافذ التي تقع مقابل بعضها بالكامل طوال خمس دقائق، بين مرتين وثلاث مرات يومياً، مع أن عدداً كبيراً من المنازل أو المتاجر أو عيادات الأطباء لا يطبّق هذه النصيحة على الأرجح. يقول مارتن كريغل، رئيس "معهد هندسة طاقة المباني" في جامعة برلين للتكنولوجيا: "يجب أن نتعلم نظاماً جديداً للتهوئة". هو يحذر من عواقب الامتناع عن تهوئة المساحات الداخلية أو عدم تهوئتها بالشكل الصحيح، حتى أن هذا العامل قد يطرح خطراً على حياة الناس طالما يبقى فيروس كورونا منتشراً بيننا.

حلل علماء في ولاية "شمال الراين-وستفاليا" في ألمانيا 363 صفاً في المدارس واكتشفوا أن نصف الصفوف تقريباً امتلأت بثاني أكسيد الكربون بعد ساعة فقط من إغلاق النوافذ فيها، واعتبروا كمياته "غير مقبولة صحياً" بموجب تنظيمات أماكن العمل الراهنة.

رغم إمكانية حل هذه المشكلة بالمال، لم يتأثر السياسيون حتى الآن بالوضع المؤسف الذي نعيشه مع أن عدداً كبيراً من الشركات يشمل وحدات تهوئة عاملة بتقنية التعديل التحديثي. تعمل هذه الأنظمة بكل هدوء وفعالية وتضخ هواءً منعشاً وتستخرج الهواء المستهلك والهباء الجوي، لكنها تُباع بكميات صغيرة. وطالما لم يظهر أي لقاح ضد فيروس "كوفيد - 19"، من المنطقي أن تحافظ على سلامة جميع الناس لأنها تمنع نشوء معاقل جديدة للعدوى.

يوصي المهندس الألماني كريغل المدارس بضرورة إحداث تعديلات كبرى. كل حصة تعليم من 30 دقيقة يجب أن تتبعها استراحة مدتها 15 دقيقة لتهوئة الغرف.





يجب أن تكون الصفوف مزوّدة أيضاً بأجهزة لقياس كميات ثاني أكسيد الكربون. إذا كانت مستوياته مرتفعة جداً، قد يعني ذلك أن كمية الهباء الجوي عالية وتحتاج الغرفة إلى التهوئة. تقتصر كلفة الأجهزة المطلوبة على 50 يورو تقريباً، ومع ذلك يقول كريغل إن المسؤولين في المدارس عبّروا عن قلقهم من ارتفاع كلفتها.

يبدو وضع العاملين في المباني الإدارية المعاصرة أفضل من غيرهم لأن هذه الأماكن تكون مزوّدة عموماً بأنظمة تجمع بين الهواء المنعش والهواء المحيط لتوفير الطاقة. كذلك، يمر الهواء بفلاتر للجسيمات الدقيقة تستطيع التقاط حوالى 50% من الهباء الجوي.

يتوزع النصف المتبقي من الجسيمات المُعدية في أنحاء المبنى عن طريق تلك الأنظمة. مع ذلك، يظن كريغل أن خطر نقل العدوى يبقى منخفضاً لأن كمية الهباء الجوي الملوّث نسبةً إلى حجم الهواء الإجمالي في المبنى تكون محصورة على الأرجح.

أمضى كريستيان كاهلر، عالِم فيزياء وأستاذ في ديناميات السوائل في جامعة القوات المسلحة الاتحادية في ميونيخ، 25 سنة وهو يجري الأبحاث عن الهباء الجوي. هو يرغب في اتخاذ خطوات أكثر أهمية لتقليص مخاطر تناقل العدوى في المباني. يوصي كاهلر مدراء المباني بإطفاء نمط إعادة التدوير في أنظمتهم وإدخال أكبر كمية ممكنة من الهواء المنعش إلى المكاتب. لكنهم قد يتكبدون تكاليف إضافية في هذه الحالة لأن الهواء يجب أن يكون مُجففاً ومُخففاً.

في الأســـــابيع الأخيرة بـدأ كاهلر، الذي يـرأس "معهد ميكانيـكا الموائع والديناميكا الهوائية" في الجامعـة، يختبر فلتر هواء في الغرف المتنقلة. هذا الجهاز مزوّد بعجلتَين وهو بحجم البرّاد وليس صامتاً بالكامل خلال العمليات الطبيعية، لكنه هادئ بما يكفي. هو يستطيع تصفية حتى 99.995% من جسيمات الهباء الجوي الضئيلة التي يقتصر قطرها على 0.0003 ملم. يظن عالِم الفيزياء أن تلك الأجهزة قد تكون حلاً لإدارة المطاعم والمتاجر والمكاتب والمدارس بكل أمان، لا سيما في فصل الشتاء، حين تصبح التهوئة أصعب من أي وقت آخر.

سمح جهاز الفلترة بتخفيض كمية الهباء الجوي إلى النصف بعد ست دقائق فقط على بدء تشغيله في غرفة الاختبار التي صمّمها كاهلر ويبلغ حجمها 80 متراً مربعاً. كذلك، يستعمل الجهاز الحرارة للقضاء على الفيروسات العالقة ويحارب في الوقت نفسه آفات مثل الجراثيم أو العفن. يوضح كاهلر: "إذا بقي هذا النظام شغالاً باستمرار، لا يمكن أن تتجمّع كميات هباء جوي بمستوى يضمن تناقل العدوى في أي غرفة".

هذه الأجهزة ليست عالية التقنية بل إنها سهلة التصنيع. تتألف أجهزة تنقية الهواء من خزان قصدير ومروحة، وتستخدم نظام تصفية مسبقة من فئة F7 لاستهداف الشوائب الأكبر حجماً. في المقابل، لا بد من تركيب فلتر عالي الكفاءة لتنقية جسيمات الهواء من نوع "هيبا" للاحتماء من الفيروسات.



إرث "مشروع مانهاتن"

في الوقت الراهن، تُستعمل الفلاتر عالية الكفاءة في غرف التشغيل والتنظيف وفي مقصورات الطائرات أيضاً. تطورت هذه الابتكارات في الولايات المتحدة خلال الأربعينات كجزءٍ من "مشروع مانهاتن" لتصنيع أول قنبلة ذرية. كانت الفلاتر مُصمّمة في الأصل لإزالة الجزيئات الإشعاعية من الهواء، لكن بدأ استخدامها بعد وقتٍ قصير في أقنعة الغاز ثم في المواقع الصناعية.

تعليقاً على أعداد الإصابات التي عادت لترتفع في ألمانيا راهناً لكنها تبقى منخفضة نسبياً، يقول كاهلر: "لن نكون محظوظين دوماً. ثمة حاجة إلى ابتكار حلول تقنية للتعامل مع فيروس كورونا طالما لم يظهر أي لقاح آمن وفعال ومقبول عموماً".

يبدو أن بعض شركات تنظيم الرحلات البحرية الأميركية، على غرار "نرويج كروز لاين"، نجح في تزويد السفن بفلاتر "هيبا". كذلك، تريد شركة "ويندستار كروز" في "سياتل" أن تعالج الهواء على متن سفن الركاب بأشعة فوق بنفسجية "ج" بعد تصفيته.

هذه العملية قائمة منذ عقود وتُستعمَل لتطهير الأدوات الجراحية في المستشفيات ومياه الشرب في محطات التكرير. هي تقضي على الفيروسات والجراثيم بفعالية، لكن يجب أن يبقى الناس بعيدين عن الأشعة لأنها تُضِرّ بالبشرة والعيون.





القضاء على الفيروسات خلال دقائق

يتمنى ديفيد برينر، عالِم في الفيزياء الحيوية في جامعة كولومبيا في نيويورك، تطبيق هذا المبدأ على البشر عبر استعمال نوع خاص من الأشعة فوق البنفسجية التي لا تؤذي على ما يبدو الكائنات الحية الكبيرة. حتى أن الأشعة فوق البنفسجية "ج" التي يبلغ طولها الموجي 222 نانومتراً تعجز عن اختراق الطبقة العليا للجلد البشري، لكنها تقضي على الفيروسات والجراثيم خلال دقائق.

تأكدت هذه النتيجة عبر تجارب برينر على 100 فأر. تعرّضت القوارض للأشعة خلال ثماني ساعات يومياً طوال أشهر ولم تظهر لديها أي تغيرات جلدية، ولم ترصد الفحوصات الروتينية على عيونها أي أضرار حتى الآن. يتوقع برينر تركيب ملايين المصابيح المزوّدة بالأشعة فوق البنفسجية "ج" مستقبلاً (يمكن تصنيعها بكلفة متدنية)، على أن يتم تركيبها في المدارس ومراكز التسوق والمستشفيات والمطارات والقطارات والمطاعم والمتاجر.

سبق وأثبت برينر أن فيروسات كورونا لا تتحمّل التعرض لهذه الأشعة، وقد كتب حديثاً في دراسة نشرتها مجلة "التقارير العلمية" أن التعرض المتواصل للأشعة فوق البنفسجية "ج" في الأماكن العامة يقضي على 90% من الفيروسات المنقولة بالهواء بعد 8 دقائق. حتى أنها تقضي على 99.9% منها بعد 25 دقيقة. لكن تكمن المشكلة الوحيدة في امتناع "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية حتى الآن عن المصادقة على تقنية تنقية الهواء بالأشعة فوق البنفسجية "ج".

حتى في ظل غياب فيروس كورونا، من المفيد أن تتحسن أنظمة التهوئة وتنقية الهواء والأشعة التي تقضي على الجراثيم. يعرف الناس منذ وقت طويل أن الملوثات تختبئ في كل مكان من حولهم. لذا يستنتج المهندس الألماني كريغل في النهاية: "المناخ الداخلي المريح والصحي يجب أن يكون حقاً أساسياً للجميع. الهواء أهم عنصر نستهلكه. يكفي أن ننحرم منه لخمس دقائق كي نموت"!


MISS 3