د. نبيل خليفة

إسرائيل وحماس في غزّة: استراتيجية الحرب الديمغرافيّة

9 أيار 2024

02 : 00

لا تزال الاتصالات جارية على أكثر من صعيد، لايجاد نهاية للحرب في غزّة أو على الأقل للوصول إلى هدنة ووقف لاطلاق النار. وكما هو معروف يشارك في محاولة التوصل لوقف النار كل من الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر. وحتى كتابة هذه السطور لم تكن المحاولات العديدة التي قامت وتقوم بها هذه الدول، قد وصلت إلى نتائج ايجابيّة بفعل التصلّب الذي يبديه طرفا الصراع (اسرائيل وحماس) حول هذا الموضوع. ومثل هذا الوضع يترك الباب مفتوحاً أمام انزلاق الأمور إلى كافة الاحتمالات الكارثيّة والمأسويّة على الجانبين على حدّ سواء.

فلماذا وصلت الأمور إلى هذا المنعطف؟ وماذا يعني القول إنّ الجانبين يتواجهان ضمن استراتيجيّة واحدة هي استراتيجيّة الحرب الديمغرافية؟

إنعكاسات «طوفان الأقصى»

بات واضحاً أنّ العملية العسكرية التي قامت بها حماس في 7/10/2023 تحت عنوان «طوفان الأقصى» إنطلاقاً من غزّة وفي مواجهة القوى العسكرية والأمنية والبشرية لاسرائيل حول غلاف القطاع والتي أدّت في ما أدت اليه إلى:

1 - سقوط العديد من اليهود والعسكريين والأمنيين. وقوع العديد من الاسرائيليين أسرى بيد حماس. خلق حالة من التوتّر والذعر على طول الحدود الفلسطينية - الاسرائيليّة. رسم نقطة تحوّل في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي بما يؤدي إلى وقف المحاولات التي كانت دائرة في الكواليس للوصول إلى صلح بين اسرائيل والدول العربية وخاصة الدول الخليجيّة.

2 - كان الرد الاسرائيلي عنيفاً جداً وحصد ولا يزال يحصد عشرات ومئات الأشخاص من الفلسطينيين بمن فيهم النساء والأطفال في القطاع والضفة. وتركّز الهجوم العسكري الاسرائيلي على القطاع بدءاً من شماله دفعاً للفلسطينيين باتجاه جنوبه بحيث قدّر عدد الغزّاويين الذين هجّروا إلى نواحي رفح بما يقارب المليون ونصف وعلى مسافة قريبة من الحدود المصرية. وبحسب احصاءات وزارة الصحة في غزة فإنّ عدد القتلى الفلسطينيين وصل إلى حدود خمسة وثلاثين ألفاً مع نسبة عالية بينهم من النساء والأطفال.

3 - تحاول كل جهة في هذه الحرب أن تحقق أهدافاً معيّنة. فحماس التي شرعت في الهجوم على الإسرائيليين تأمل في أن تحقق الأهداف التالية:

أولها: أن تبرز على الساحة الفلسطينية كالفصيل الأقوى والأكثر صلابة في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

ثانيها: أنّ لديها الرغبة والقدرة على محاربة الاسرائيليين بمختلف الطرق والأساليب العسكرية.

ثالثها: أنّها تنطلق في مواجهتها مع اسرائيل من اعتبارات ايديولوجية لا تنفع فيها ومعها كافة انواع المصالحة.

رابعها: تود أن تكون الذراع الأكثر فاعلية لايران في محيط المشرق العربي وعلى امتداد العالمين العربي والاسلامي كمدافعة عن قضية العرب والمسلمين الأولى أي القضية الفلسطينية.

خامسها: بهذا تكون تطرح نفسها بمثابة البديل الفعلي والعملي لمنظمة التحرير الفلسطينية ليس في قطاع غزة فقط بل وفي الضفة الغربية أيضاً. ولهذا تود ان يبقى لها نفوذ سياسي/عسكري على بعض أجزاء القطاع. وهذا ما تحاول أن تحققه بتمسكها بمنطقة رفح وبإصرارها على مبدأ وقف اطلاق النار وتحقيق الهدنة.

4 - أما اسرائيل فتعمل هي الأخرى على تحقيق جملة أهداف:

أولها: إستعادة كافة الأسرى الاسرائيليين المعتقلين لدى حماس.

ثانيها: إعادة فرض الهيمنة الاسرائيلية على كافة أجزاء قطاع غزة.

ثالثها: العمل على شطب منظمة حماس من المعادلة الفلسطينية بشكل نهائي وشامل لمختلف المؤسسات الغزّاوية: العسكرية والأمنية والحياتية والسياسية وهو ما لم تحققه بعد إلّا جزئياً!

رابعها: تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من قطاع غزة بفعل القتال والقتل والقصف والتنكيل والتجويع.

خامسها: إعادة السلطة في القطاع إلى جهات يكون لاسرائيل دور في اختيارها كي لا تفاجأ من جديد بما فوجئت به في 7 تشرين الاول 2023.

سادسها: منع تمدد «طوفان الأقصى» إلى مناطق أخرى من فلسطين وخاصة إلى الضفة الغربية.

سابعها: محاولة الجمع بين التطرّف الراديكالي لدى اليمين الصهيوني من جانب وبين المحاولات الجارية لقيام صلح وسلام بين اسرائيل والدول العربية وبشكل خاص دول الخليج.

ثامنها: الأخذ في الاعتبار، لدى السيد نتنياهو، للتحركات الشعبية التي بدأت تنمو داخل المجتمع الاسرائيلي وذلك دفاعاً عن الأسرى الاسرائيليين لدى حماس وضرورة العمل على تحريرهم بكافة الوسائل الممكنة.

هذه الأهداف لدى حماس واسرائيل، تعمل الدول المعنية على تحقيق حد منها للوصول إلى هدنة بين الجانبين وهو أمر دقيق وصعب ومعقّد لدى الجانبين أيضاً. ويعود مصدر التعقيد إلى أنّ المسألة المطروحة ليست مجرّد مسألة سياسية بل هي قبل ذلك وفوق ذلك مسألة مبدئية عقائدية أنها مسألة متصلة برؤية الطرفين للآخر وهي رؤية مبنية على ضرورة وقاعدة نفي الآخر. وهذا النفي يعود إلى مبررات جغرافية وتاريخية تُختصر بسؤال واحد: من له الحق بالإقامة على أرض فلسطين التاريخية؟ ومن يحدّد هذا الحق؟ ومن يحدّد كيان الدولة الفلسطينية أو كيان دولتي فلسطين: العربية واليهودية كما استقر عليه اجتهاد دول كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة كحل القضية الفلسطينية!

... لكن الوصول إلى أيّ حل من هذه الحلول يقتضي وجود شعب يدافع عنه ويسعى لتحقيقه بالسلم او بالقوة. وهنا يتحقق المبدأ القائل «بأن الديموغرافيا هي التي تصنع التاريخ»! كما يتأكّد أنّ طرفي الصراع يعتمدان استراتيجية الحرب الديموغرافية!

MISS 3