محمد دهشة

إسرائيل تُضيّق على صيّادي صور

9 أيار 2024

02 : 00

مراكب الصيادين في صور

على امتداد الموانئ البحرية الجنوبية، بدءاً من صيدا مروراً بالصرفند وصور وصولاً إلى البياضة – الناقورة، تفرض الحرب الإسرائيلية على صيادي الأسماك نمطاً مختلفاً عن رحلات الصيد اليومية، بعدما تقلّصت المساحة والاتجاه وتراجع العمق، على وقع صدى القذائف والغارات وأصوات تحليق الطائرات بأنواعها المختلفة الحربي والاستطلاعي والمسيّرات التي لا تفارق أجواء المنطقة.

معاناة الصيادين مع الاعتداءات الإسرائيلية ليست جديدة، إذ خبروها خلال عقود طويلة مع كل عدوان بدءاً من «عملية الليطاني» في العام 1978، مروراً بعملية «سلامة الجليل» – اجتياح لبنان العام 1982، و»تصفية الحساب» في العام 1993، و»عناقيد الغضب» في العام 1996، وصولاً إلى «حرب تموز» في العام 2006، لتضاف إلى أزماتهم المتلاحقة، مع ارتفاع الكلفة التشغيلية وثمن المازوت وصيانة المراكب والشباك والصيد غير الشرعي استخدام الديناميت سابقاً.

في مدينة صور، تعدّ مهنة الصيد من المهن التقليدية، فصيد السمك وصور متلازمان، لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض حيث يعمل في مينائها نحو 350 صياداً على 200 مركب، يتقاسمها كل صيادَين أو ثلاثة سعياً وراء لقمة العيش الكريم، ولكن مع بدء الحرب الإسرائيلية على الجنوب توقف الصيادون عن رحلاتهم بداية قبل أن يعاودوا الإبحار، ولكن ضمن مسافة وعمق محددين.

ويروي الصيادون لـ»نداء الوطن»، أنه «مع بدء الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الحدودية الجنوبية شعر الصيادون بخطر يحدق بهم، فتوقفوا عن رحلات الصيد في البداية ثم عادوا إليها، ولكن لم تعد المسافة البحرية متاحة كما كانت، إذ يشكون من تراجع عملية الإبحار نحو البياضة الناقورة، المنطقة الأغنى بالثروة السمكية نتيجة ما تتعرّض له من قصف مستمر يطاول الشاطئ القريب، أو تفادياً لإقدام الزوارق الإسرائيلية على إطلاق النار عليهم».

ويقول نائب رئيس نقابة صيادي الأسماك في صور سامي رزق لـ»نداء الوطن»: «في تلك الفترة لم نخرج بتاتاً إلى البحر وأقفلت المسامك نهائياً، خصوصاً بعد انكفاء الناس في عزّ الموسم السياحي، ولكن بعد نحو شهر تراجع قلق الناس وخوفهم قليلاً، فعدنا إلى بيع السمك، لكن بأسعار زهيدة بعدما امتنع الزبائن الأغنياء والمغتربون عن المجيء إلى صور بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة. اليوم تراجعت حركة الصيد نحو 50% ممّا كانت عليه سابقاً، انها معاناة صعبة في ظل الأزمة المعيشية الخانقة»

ولم يُخفِ رزق ارتباط حركة الصيادين في رحلاتهم اليومية إبحاراً أو امتناعاً بالوضع الأمني، ويقول «لا يجدون غضاضة في الوصول إلى حرم الميناء بشكل آمن، كون المدينة بعيدة عن مرمى الاستهداف الإسرائيلي، إلّا أنّهم يسمعون بوضوح صدى أصوات الاعتداءات من قصف وقذائف، ويشاهدون بأمّ العين دخان الغارات على القرى المجاورة، لذلك كثر منهم لا يغادرون تحسّباً».

وأوضح رزق «أنّ الصيادين يواجهون في هذه الأيام مشكلة إضافية تتمثّل بالتشويش على أجهزة الـGPS، التي يستخدمها العديد منهم للوصول إلى وجهات الصيد والعودة إلى الميناء، علاوة عن تراجع كميات الأسماك وأنواعها ومنها الجربيدي، سلطان إبراهيم، بلاميدا، سكمبري»، قبل أن يختم «لم تعد المهنة تكفي متطلبات العيش الكريم ولا تسدّ جوعنا، إذ أن بعضهم بات يعود بغلّة قليلة أو من دونها».

لا يشعر الصيادون بالأمان في البحر، إذ تعرّضوا في السابق إلى إطلاق نار واعتداءات مفاجئة ومتكررة من الزوارق الحربية الإسرائيلية، ويقول الصياد أبو علي: «لم أعد أبحر يومياً كما كنت أفعل سابقاً، ولا أبتعد كثيراً عن الشاطئ، أدرك أنّ القذائف الإسرائيلية بعيدة، ولكنّني لا أشعر بالأمان، لذلك أعود عندما يبدأ القصف على القرى، فمشاهدة النار والدخان تشعر الصياد بالخوف وسط البحر».

كل يوم، يحارب صيادو الأسماك أوقاتهم المملّة بتفقّد مراكبهم وإصلاح أعطالها وإعادة صيانتها وطلاء هياكلها، بانتظار هدوء المدافع وعودتهم الطبيعية إلى بحرهم بعدما ضيّقت عليهم الحرب رزقهم، مما جعل بعضهم من دون عمل، أو تحوّل باحثاً عنه.

MISS 3