شاءت الأقدار أن تضمّ حكومة الرئيس ميقاتي الغثّ والسّمين. وهي تحيّر المواطن. فإن ذمّ مواقفها المستزلمة للممانعة في القضايا الاستراتيجية الخطرة، فلا يمكنه إلّا التمسّك بها لتسيير الأمور بحدّها الأدنى على أساس أنّ «الكحل أحلى من العمى»، و«من الموجود جود».
وزير الداخلية بسام المولوي إستثناء أبيض في قطيع حكومي أسود. تُعيب عليه أسلوبه الوعظي وتحترم سمعته الطيبة. تشكو فقدانه الإقدام وتقدّر حكمة هدوئه. لكنه «بيَّضها» أخيراً بتعاميم وجّهها إلى البلديات ذكّرت بعض رؤسائها الشجعان بمواد جعلتهم يطبّقون القوانين على النازحين غير الشرعيين.
ويبدو أنّ الحميّة ثارت بالوزير المولوي بعد تكرار جرائم السرقة والسلب المسلّح والقتل في البلاد، وخصوصاً في العاصمة، فأعلن أنّ أجهزته ستطبّق خطّة أمنية تعيد إلى أهل بيروت أمنهم وأمانهم. وهي خطوة واجبة وضرورية بعدما «فلت الملق» وبتنا نعيش في غاب.
وإذ إنّ الأعمال بالأفعال بعد النيّات، فإن المواطن اللبناني ينتظر تنفيذ الوعود، لكنه متأكد من أنّ الجريمة التي تفشّت في الأشهر الأخيرة لم تأت من فراغ، بل غذّتها جزر في العاصمة مدجّجة بالسلاح، ومناطق نفوذ تبدأ بحمايات طائفية ومذهبية لتتحول بؤراً يفتح فيها كل قبضاي حي أو شارع «على حسابو» وتترعرع فيها الجريمة المنظمة والمخدرات.
يحق للمواطن اللبناني بعد عقود من العيش الصعب في عاصمة يسودها استقواء على الأمن هنا، وتراضٍ على حساب القانون هناك، أن يبحث في حلّ جذري يشعره بالعيش مواطناً في عاصمة دولة، وليس ضيفاً ثقيلاً على قوى أمر واقع تحلّ وتربط وقادرة في لحظة غضب أن تقطع شرايين الحياة وتطلق الرصاص المقصود والعشوائي على السواء.
حان وقت وضع عنوان «بيروت منزوعة السلاح» هدفاً نبيلاً يستحق النضال. فالعاصمة واجهة الوطن وقبلته، والدولة وحدها يجب أن تفرد جناح هيبتها فيها قبل أن تفرض نفسها في قمع مخالفة بناء أو في استدعاء المحكمة العسكرية لناشطين أصحاب رأي وفكر.
الدولة يجب أن تستعاد، ليس في الجنوب فحسب، حيث يتوجب تطبيق القرار 1701 والانتهاء من «حرب المُشاغلة» التي فُرضت على الشرعية وكل لبنان، بل خصوصاً في بيروت حيث يتباهى الكسالى بمركزية مؤسساتها الدستورية، ويصدح الرافضون لأي صيغة لامركزية بهتافات تقريظ الوحدة الوطنية.
تقع على عاتق الطائفة السنية مهمّة قيادة مطلب نزع السلاح غير الشرعي من العاصمة، ليس لأنّ وزير الداخلية ينتمي إليها وبرهن أنه يلتزم توجيهات «دار الإفتاء» في المفترقات الحساسة فحسب، بل لأنها الطائفة الأكثر عدداً في العاصمة والتي ترفع العقيرة مستنكرة أي تقسيم لبلدية بيروت كلما فتح موضوع الهيمنة والفساد، ويعلن قادتها الكبار وجمهورها ليل نهار التزام «اتفاق الطائف» الذي نصّ على حل جميع الميليشيات، ولم يقل إطلاقاً بالتطبيع مع سلاح ميليشيات عريقة أو مستفيقة مع مغامرة «الطوفان». وهي طائفة يجب أن تتذكر دائماً أنّ الرئيس رفيق الحريري لم يستشهد ليستكين محبّوه إلى واقع اللادولة أو ينتظروا على حافة النهر فيما البلاد على كفّ النزوح، وعلى صفيح الحرب، وفيما يُغري تفتت المؤسسات بالكفر بالصيغة وبـ«لبنان الرسالة» سواء بسواء.
بيروت الواحدة ولبنان الواحد يعنيان: بيروت شرعية وآمنة وليست مقراً أو ممراً لوحدة الساحات، ولبنان دولة مكتملة الأركان تلتزم قرارات الجامعة العربية ومواثيق الأمم المتحدة. وإذا شاءت الوقائع أن يبادر المسيحيون إلى تصدّر الدفاع عن السيادة والكيان وخطر اجتياح النزوح، فأضعف الإيمان أن يخرج «أهل السنّة» من السُّبات لملاقاتهم بمهمّة استعادة الدولة والمؤسسات.