قد يكون انتقاد المجتمع الدولي والحملة على مواقفه، سواء في ما يخصّ عبء النازحين السوريين أو بسبب انحياز الدول الغربية لإسرائيل في الصراع معها في الجنوب، مفهوماً بالنسبة إلى كثيرين، لكن تهديد القوى الدولية ومعاداتها يبدو موقفاً دونكيشوتياً غير قابل للتحقيق.
آخر مظاهر التلويح بخطوات التحدّي لهذه الدول ما صدر عن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بتحميل النازحين في «سفن مرتّبة» إلى أوروبا، والإصرار على أن «الربط بين جبهة الإسناد اللبنانية وغزّة أمر قاطع ونهائي وحاسم سلّم به» الأميركي والفرنسي وحتى الإسرائيلي. وليس نصرالله وحده من يطرح هذه الخيارات في التصدي لمسألتي النزوح السوري والتهديد الإسرائيلي للبنان وجنوبه. فهناك قوى أخرى تردد خيارات كهذه. ومن يطرحونها يعرفون سلفاً أنها غير قابلة للتطبيق، أو أن مردودها سيكون سلبياً ويرتد على البلد.
لم يكن ميزان القوى في المجتمع الدولي هذا يفرز في أي يوم إنحيازاً إلى قضايا فلسطين ولبنان، وفق المنظور اللبناني والفلسطيني للحقوق الوطنية في مواجهة إسرائيل. لكن في القضيتين كانت قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية والقيادة اللبنانية تتعامل مع القوى الدولية بالتفاوض لتحصيل الحقوق لا باستعدائها.
قد يكون الغوص في المسؤولية عن أزمة النزوح غير مفيد وأن المطلوب الإنخراط في الحلول العملية بدل الرد والنكايات. ولعل ذلك يشمل أيضاً الإكتفاء بتحميل المسؤولية للدول الأوروبية، في وقت يستحيل إعفاء اللبنانيين المشرذمين الذين تتلاطمهم المزايدات والولاءات الإقليمية، بمن فيهم «حزب الله» نفسه والنظام السوري... ولهذا حديث آخر، يتشعّب ولا يتوقّف عند مطلب إلغاء قانون قيصر أو عند الدعوة إلى رفع العقوبات الأوروبية عنه والخيبة العربية من استعادة العلاقة معه والإنزعاج الروسي من تأخيره الحلول السياسية للحرب في سوريا.
أمّا في شأن الجنوب والجبهة المفتوحة مع إسرائيل، فإن الإستخفاف تارة بالأمم المتحدة وقراراتها، وأخرى بإدانة عدم التزام إسرائيل بها، أمران لا يستقيمان. لماذا إذاً جرى التفاوض عبر الأمم المتحدة والأميركيين لترسيم الحدود البحرية؟ ولماذا تركّز أوساط الممانعة على انتظار عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وبعضها يُجري المفاضلة بينه وبين الوسيط الفرنسي؟
بصرف النظر عن الخطاب التعبوي والدعائي، يدعو هذا التناقض في التعاطي مع «المجتمع الدولي» بعض الأوساط المتابعة عن كثب للإتصالات مع دول الغرب إلى التفتيش عن خلفياته. فالمسألة حسب معطيات هذه الأوساط تتعلّق بما يجري تداوله من اقتراحات في شأن الدور الدولي.
ما يطرح في هذا الصدد بالنسبة إلى غزّة هو نوع من الإدارة الدولية العربية لقطاع غزّة، وبتولّي قوات مختلطة الإمساك بأمن القطاع في اليوم التالي. ومع أن هذه الأفكار لم تلقَ قبولاً من الدول العربية، فإن السؤال الذي طُرح في هذا الصدد أين دور إيران السياسي في كل ذلك؟ ( من دون أن يعني بالضرورة أن ترسل قوات) وهو سؤال طُرِح أيضاً أثناء المفاوضات على الهدنة ووقف النار.
بالنسبة إلى الجنوب، أدى رمي الجانب الفرنسي فكرة إشراف دولي على وقف النار فيه عن طريق لجنة أميركية فرنسية لبنانية إسرائيلية (وبعض التسريبات لم يستبعد إمكان إشراك إحدى الدول العربية أيضاً)، إلى تحفظات على ذلك بالدعوة إلى الاكتفاء بإشراف الأمم المتحدة على تنفيذ أي اتفاق. وتردد في هذا السياق أن المقاومة تفضل اعتماد صيغة تفاهم نيسان للعام 1996 حين تشكلت لجنة أميركية فرنسية لبنانية سورية للإشراف على رعاية تنفيذ بنوده، وأن تحل إيران مكان سوريا بفعل التطورات الحاصلة منذ ذلك الحين. وهو أمر مستبعد أيضاً.
تنسب هذه الأوساط تنقُّل مواقف «الممانعة» بين الحملة على «المجتمع الدولي» وبين المراهنة على دوره في الحلول إلى أهداف ضمنية تقف خلف ذلك، تعلق بالاعتراف بدور إيران في هذه الحلول. فالبعض يسرّ بذلك بين الحين والآخر من باب الواقعية والمقاربة المنطقية للأزمات التي تخيم على المنطقة ولبنان.
هذه الواقعية اقتضت طرح فكرة تحوّل اللجنة الخماسية التي تضم أميركا، فرنسا، السعودية، مصر وقطر، إلى سداسية بإضافة إيران إليها، لأنه من غير المنطق العمل على تسوية حول الأزمة السياسية اللبنانية (وتداخلها مع الوضع الإقليمي)، من دون إشراك طهران في ذلك، نظراً إلى دورها الحاسم في البلد.