جاك ديتش

الولايات المتحدة تستعدّ لاستعمال الآلات بدل الجنود

المصدر: test sgdfkahsdjha adh

منذ نشوء الجيش الأميركي، تمسّك جنود المشاة الأميركيون بشعار واحد: «لا تطلقوا النار إلى أن تشاهدوا بياض عيونهم»!

لكن أثناء القتال في أكبر مساحة تدريبية تابعة للجيش الأميركي في الشهر الماضي، كان الملازم آيزك ماكوردي وجنود المشاة التابعون له يلعبون دور عدو خيالي للولايات المتحدة، فوجدوا أنفسهم فجأةً أمام نوع مختلف من الأعداء: إنها كائنات مزوّدة بعدسات كاميرا وعيون وطبقة جلدية معدنية. هي لا تشبه أي مقاتلين من لحم ودم، بل كانت عبارة عن آلات.

راحت مجموعة من الروبوتات التابعة للجيش الأميركي تتحرّك على ثماني عجلات وكانت تحمل قوة نيران كافية لملء مستودعات أسلحة صغيرة، فاقتحمت ساحة معركة في مدينة أوجين الخيالية.

أطلقت الروبوتات النار في اتجاه منازل اختبأت فيها قوات العدو. في غضون ذلك، راحت الطائرات المسيّرة المنتشرة فوق ساحة المعركة تحوم فوق ماكوردي وفريقه، ثم ألقت «قنابل» (كرات قدم رغوية في هذه الحالة) فوقهم مباشرةً، فوجّهت بذلك طلقة مدفعية مثالية. كذلك، راحت كلاب آلية مزوّدة بأجهزة استشعار على رؤوسها تفتّش المنازل للتأكد من عدم احتوائها على أي أسلحة.

حَضَر كبير الضباط في الجيش الجنرال راندي جورج من البنتاغون، لمشاهدة تلك المعركة الخيالية. وقف هذا الأخير على سطح مبنى موَقّت وأحاط به ستة جنرالات مرموقون وعدد مشابه من العقداء. ارتدى عدد كبير منهم أساور معدنية حُفِرت عليها أسماء جنود قُتِلوا تحت قيادتهم في العراق وأفغانستان.

خلال أي حرب أميركية كبرى، يأمل كبار الضباط في الجيش في أن تطلق الروبوتات الطلقة الأولى وتنفذ المهام القذرة والمملة والخطرة كتلك التي قتلت مئات، أو حتى آلاف، الجنود الأميركيين من بين أكثر من 7 آلاف عنصر قُتِلوا خلال 20 سنة من حروب الشرق الأوسط. يتعلق الهدف الأساسي بوضع الروبوتات في أخطر المواقف في ساحة المعركة بدل إرسال شاب في التاسعة عشرة من عمره بعد تلقيه تدريباته الأولى للتو.

لكن لا تُعتبر هذه الآلات كلها جاهزة للعمليات على أرض الواقع بعد. خلال التدريبات التي حملت اسم «مشروع التقارب» في منطقة «فورت إيروين»، لم تتعامل الآلات مع الرصاص الحيّ. كانت هذه التجربة تهدف في الأساس إلى اختبار الروبوتات في إطار سيناريوات قتالية واقعية. لا تتمتع الآلات برؤية محيطية، ما يعني أنها تعجز عن النظر نحو اليمين أو اليسار عبر تحريك رأسها مثل الجنود البشر. كذلك، لا تستطيع شبكة الجيش القديمة أن تبقي مئات الطائرات المسيّرة في الجو خلال الفترة نفسها أو تُميّز بين الطائرات الصديقة والعدوّة وتُبلِغ القوات الأميركية بتصنيفها.

مع ذلك، أحرزت هذه الروبوتات تقدّماً بارزاً. يظن جورج وقادة عسكريون آخرون أن جميع وحدات الجيش الأميركي ستضطر قريباً لاستشعار الطائرات المسيّرة في السماء، وحمايتها، ومهاجمتها. ولن يمرّ وقت طويل قبل أن تنشر الولايات المتحدة روبوتات ميدانية في ساحات المعارك وسط فِرَق مؤلفة من البشر والآلات في آن.

إستخلص الجيش دروساً قيّمة عن مستقبل الحروب بعد بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أبرزها ضرورة النظر نحو الأعلى. يسمع الجنود دوماً صوت الطائرات المسيّرة ويضطرون لاتخاذ تحركات جماعية في ساحات المعارك للتصدي لها. من المعروف أن قتل الأجسام التي يمكن رؤيتها أو استشعارها ممكن دوماً.

للصمود في ساحات المعارك المعاصرة، يضطر الجنود لتصغير نطاقهم وجعل أنفسهم غير مرئيين قدر الإمكان. قد تنتظر الذخائر المتأهبة فوق ساحة المعركة لساعات وتستعد للتوجه نحو الأسفل إذا رصد مشغّلوها أبسط خلل. في تجربة «فورت إيروين»، كان جنود الأعداء يملكون 105 طائرات مسيّرة وكانوا يستطيعون إطلاق هجوم بعشرات أو مئات الطائرات الصغيرة دفعةً واحدة.

قد يُقتَل الجنود بسبب كومة الخوادم غير العملية وأطباق الأقمار الاصطناعية المنبثقة من المركبات والمواقع الأميركية. كذلك، ستضطر القوات الأميركية على الأرجح لإطفاء أجهزة «آيفون» و»أندرويد» التي تنتج الموجات في المجال الكهرومغناطيسي.

بدأت الحروب تتطوّر بسرعة توازي تقدّم التكنولوجيا. لكن يتحرك الجيش الأميركي في المقابل بحسب سرعة إقرار الميزانيات ووضع السنوات المالية. لن تعطي هذه المقاربة ثمارها حين تتمكن مروحيات «كوادكوبتر» ذات المراوح الأربع من إلقاء قنبلة يدوية وتدمير طائرة مقاتلة مركونة ميدانياً. كذلك، لا تزال وزارة الدفاع الأميركية على الجانب الخاطئ من المعادلة المرتبطة بالتكاليف.

بعدما أصبحت الطائرات المسيّرة رائجة على نطاق واسع، ألغى الجيش الأميركي برنامج «طائرات الاستطلاع الهجومية المستقبلية» الذي بدأ بتطوير الجيل المقبل من المروحيات الاستطلاعية، ويريد قادة هذه الخدمة وقف إنتاج نسخة من مروحيات «بلاك هوك». لكن لم يتّضح بعد إلى أي حد يملك الجيش صلاحية شراء وبناء طائرات مسيّرة رخيصة وفورية كما فعل الأوكرانيون.

تطمح القوات العسكرية اليوم إلى إدارة مهامها انطلاقاً من الحواسيب اللوحية وأجهزة «آيفون». خلال عرض تجريبي، أخبر اللواء جيم أيزنهاور، الذي يقود الفرقة المدرّعة الأولى للجيش، الجنرال راندي جورج بأنه قد يتمكن من تصغير حجم موقع قتالي بنسبة 95 في المئة، من 326 جندياً إلى 8 تقريباً، عبر دسّ أنظمة القيادة والتحكم في الشاشات، والحواسيب اللوحية، وتطبيقات الواقع المختلط. تُعتبر تلك الوحدة صغيرة لدرجة أن تعجز قوات الطرف الآخر في الجيش عن رصدها خلال التدريبات العملية.

قد يسمح إصدار الأوامر من حاسوب لوحي بتسريع إيقاع عمليات الجيش أيضاً. في السابق، كان محللو الاستخبارات في الجيش الأميركي ينظرون إلى الرادارات وأجهزة اعتراض الإشارات ويحاولون إيجاد مجموعة صحيحة من البيانات لتحديد الأسلحة التي يملكها العدو ومعرفة مكان وجودها. اليوم، تستطيع القوات الأميركية أن ترسم خارطة تحرّكات الوحدات الروسية والصينية بمسحة رادار واحدة، ويمكنها أن تعرف أنواع الأسلحة التي تملكها تلك الوحدات في ترسانتها، ويساعدها الذكاء الاصطناعي في الوقت نفسه على رصد الإشارة المنشودة رغم التشويش.

يتعلق الهدف الرئيسي بإبطاء سرعة قرارات الاستهداف خلال ثوانٍ ودقائق لمنافسة الأعداء الذين يتحركون بسرعة مشابهة أو بوتيرة أسرع أحياناً.

في إحدى الحالات، قام مسؤولون في الجيش بالتشويش على أنفسهم، فسقطت مجموعة من الطائرات المسيّرة من الجو. إذا ارتكب الجنود هذا النوع من الأخطاء في ساحات المعارك الحقيقية اليوم، لا مفر من أن يُقتَل عدد من البشر.

كان الجنرال كيرت تايلور، القائد العسكري في تجربة «فورت إيروين»، قد شاهد فيديوات يظهر فيها الجنود الأوكرانيون وهم ينظفون الحقول من الألغام الروسية بمتفجرات أميركية الصنع ويتحركون تحت وابل من الطلقات النارية، لذا يفضّل ألا يشارك البشر في هذه العمليات من الآن فصاعداً.

قد يكون قتل الروبوتات أكثر صعوبة، لكن لا يمكن معالجة غباء الآلات دوماً. يقول الجنرال جيم ريني، رئيس القيادة المستقبلية للجيش الأميركي: «لا تتمتع الآلات بالفضول ولا تحمل أي غرائز».

لكن تبدو فكرة اختراع روبوتات تتحلى بالفضول والغرائز مخيفة أيضاً. ألا يشعر القادة العسكريون بالقلق من ابتكار آلات مدمّرة؟

يقول الجنرال راندي جورج إنه لا يخشى هذا الاحتمال لأننا نتكلم عن مركبات غير مستقلة بالكامل، ما يعني أن الجندي يتحكم بكل ما يحصل.

لكن يعترف الخبراء بأن الروبوتات المستقبلية قد تحتاج إلى مجموعتَين من القواعد: تتعلق المجموعة الأولى بزمن السلم، والمجموعة الثانية بزمن الحرب. بعدما أقدمت القوات الروسية على غزو أوكرانيا، لم يعد الجيش الأوكراني يهتم كثيراً بمعايير السلامة مثل مفاتيح القتل، ما قد يجبر الروبوت على وقف كلّ العمليات إذا تلقّى أمراً لا يحمل توقيع رموز التشفير في جهاز التحكم الصحيح.

في المقابل، تبدي الأمم المتحدة اهتماماً كبيراً بهذه المسائل. صادقت اللجنة الأولى في الجمعية العمومية على مسودة قرار حول الأسلحة المستقلة في تشرين الثاني، فأعلنت بذلك أن البشر يجب أن يبقوا جزءاً من صانعي القرارات دوماً.

تعليقاً على الموضوع، يقول أليكس ميلر، رئيس قسم التكنولوجيا في فريق جورج: «سنطبّق قانون الحروب على الأنظمة الآلية».

لكن لا يزال العلماء في أولى مراحل بناء البيئة المناسبة لعلم الروبوتات، كما فعل الأساتذة الذين ابتكروا بروتوكولات الشبكة التي مهّدت لظهور الإنترنت في جامعة «ستانفورد». يضيف ميلر: «هم لم يتصوّروا شكل الإنترنت مسبقاً، ما يعني أنهم لم يتوقعوا الطرق التي تسمح للناس بإساءة استخدام الشبكة».

كان ميلر يحمل هاتفاً خليوياً مزوّداً بتطبيق لتعقب مواقع الجنود والروبوتات في «فورت إيروين» حين استنتج قائلاً: «لا يتعلق السيناريو الأكثر رعباً بابتكار «سكاي نت» (شبكة خارقة الذكاء من الروبوتات القاتلة المستوحاة من سلسلة أفلام Terminator (المدمّر))، بل ترتبط أسوأ السيناريوات المحتملة بوصول هذا الابتكار إلى يد الأعداء».