تستفحلُ أزمة النزوح السوري في الأسابيع الأخيرة، وتتّخذ أبعاداً عدة، فيما ترتفع الضجّة والأصوات التي تطالب بإعادة النازحين، ولا سيّما غير الشرعيين أو الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية. وأمام الإجراءات التي تتّخذها الأجهزة الأمنية اللبنانية في هذا الصدد، يبدو هذا الملف وكأنّه يتحوّل شيئاً فشيئاً خلافياً، خصوصاً بعد حادثة مقتل منسّق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان على يد عصابة من النازحين.
في طرابلس، ثمّة من ينظر إلى مسألة الضغط على النازحين من الزاوية المذهبية والطائفية، وهو ما عكسته أمس تظاهرة خرجت من الجامع المنصوري الكبير بعد صلاة ظهر الجمعة، بدعوة من «حزب التحرير»، دعماً للنازحين السوريين تحت عنوان «طرابلس بنت الشام بتناصر أهل الخيام». وصوّب المتكلّمون على المسؤولين من أبناء طرابلس «الذين يعرفون أنّ مدينتهم بيئة حاضنة للنازحين، فلماذا يضعون أنفسهم في ما سمّوه «الحملة الطائفية ضدّ النازحين» طلباً لمال أو لسلطة»؟ وذلك في إشارة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي.
عشرات الشبّان شاركوا في هذه التظاهرة الداعمة للوجود السوري في لبنان، التي توقفّت عند ساحة النور لإلقاء الكلمات، وبغياب دار فتوى طرابلس عن المشاركة، على الرغم من أن أصواتاً كانت تتمنى على المفتي محمد إمام المشاركة. وحمل المتظاهرون لافتات الدعم للنازحين السوريين واتّهام الطرف الآخر الذي يطالب بترحيلهم بالعنصرية. يُذكر في هذا الصدد أنّ محافظ الشمال رمزي نهرا كان قد أصدر قراراً بمنع تظاهرتين الأولى لدعم الوجود السوري في لبنان التي نظّمها «حزب التحرير ولاية لبنان» بالرغم من قرار المنع، والثانية رافضة لهذا الوجود، باسم «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري»، وذلك حفاظاً على أمن مدينة طرابلس، بحسب بيان صادر عن المحافظ نهرا.
بالتوازي، وبنتجية الضغوط التي مُورست على بعض النازحين لإخراجهم منها، فإنّ هؤلاء لم يتّجهوا نحو سوريا بطبيعة الحال، إنما كانت مناطق الشمال الأكثر إيواءً لهم، وهي التي تُعدّ بيئة حاضنة للنزوح، ولا سيما طرابلس وعكار ومناطق البقاع. علماً أنه ليس هذا هو النزوح الوحيد للنازحين السوريين في اتجاه مناطق الشمال، فقبل ذلك، ومنذ أحداث 7 تشرين، وانخراط «حزب الله» في الحرب جنوباً في 8 منه، نزح عدد لا بأس به من النازحين أيضاً صوب عكار وطرابلس، وحيث أنّ هاتين المحافظتين هما الأكثر إيواءً للنازحين منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 وحتى اليوم، ناهيك عن الأعداد الكبيرة بالآلاف، التي دخلت في آخر ثلاث سنوات عبر المعابر الحدودية غير الشرعية، نتيجة تفاقم الأزمة الإقتصادية في الداخل السوري.
على أن أغلب الذين نزحوا في الأسابيع الأخيرة من مناطق بيروت وجبل لبنان، سكنوا لدى أقارب لهم أو معارف، في مخيمات النزوح المنتشرة في عكار، والتي تزيد على 1200 مخيم، وقسمٌ آخر سكن لدى أقرباء في مدينة طرابلس. يمكن ملاحظة هذا الأمر بسهولة، فعلى سبيل المثال، يجزم أحد عناصر الشرطة البلدية في قرية بسهل عكار، بأنّ هناك أعداداً إضافية من السوريين قد دخلت إلى مخيمات قريته. ويقول لـ»نداء الوطن»: «منذ حوالى الأسبوعين كان عدد الخيم في مخيم بقريتنا 30 خيمة، وعندما تفقّدت المخيم قبل يومين وجدت أنه قد فاق الأربعين».
هذا الأمر لا تنفيه فاعليات عكارية وطرابلسية، حتى أنّ أرقام الأمن العام تتحدّث عن 40 إلى 50 ألف نازح دخلوا مناطق عكار وطرابلس خلال فترة الأسابيع الأربعة الأخيرة. يقول رئيس بلدية السماقية في سهل عكار سامي السعيد في هذا الصدد لـ»نداء الوطن»: «نحن مع أي إجراء تتّخذه الدولة يختص بتنظيم شؤون النازحين السوريين، طالما أخذت في الإعتبار حاجة مناطقنا الزراعية للعمالة السورية التي تشغل القسم الأكبر من هذا القطاع».
إجراءات البلديات الشمالية لا تزال في إطار العمل على الإحصاء للأعداد الموجودة في نطاقها، علماً أنها في ازدياد مستمر. وعلمت «نداء الوطن» أنّ محافظ عكار عماد اللبكي سيعقد الأسبوع المقبل اجتماعاً لمجلس الأمن الفرعي هدفه العمل على تنظيم الوجود السوري، ويأتي بعد اجتماع عقده مع اتحادات البلديات للغاية عينها. أما محافظ الشمال رمزي نهرا فأصدر عدة تعاميم في شأن تنظيم النزوح لم تظهر نتائجها الملموسة حتى اللحظة.
وفي سياق التهريب غير الشرعي، تشير المعلومات إلى أنّ مركباً على متنه 20 سورياً اتّجه إلى قبرص قبل 4 أيام من السواحل السورية، فطاردته البحرية القبرصية، فعاد إلى السواحل اللبنانية عند العريضة الحدودية، وسلّمته البحرية اللبنانية إلى البحرية السورية في إطار التعاون بين الجانبين لمكافحة التهريب غير الشرعي.