المحامي جهاد عيد الحدشيتي

دولة القانون ولو غابت الدولة!

عادةً ما تواجه الدول استحقاقات تثابر لإنجازها وأزمات سرعان ما تتجاوزها بفضل ديمومة إداراتها ونظامها التشريعي.



وعلى الرغم من أن بيروت أمٌ للشرائع تتراكم الإستحقاقات وتتكدس الأزمات في لبنان ومصير كلاها خاضع للتجاذب السياسي.



هذه الإستحقاقات والأزمات ليس من شأنها أن تعطّل عمل الدول لولا الإمتناع عن تطبيق نصوص القانون والإستنسابية في تطبيقه.



في جولة على أهم الأزمات التي مرّت على لبنان نرى أن النصوص القانونية لحظتها وكفلت حلها.



على صعيد رئاسة الجمهورية، جاء في الفقرة الثانية من المادة /49/ من الدستور اللبناني على أن ينتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي كما ونصت المادة /73/ منه على أنه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتخاب ولاية الرئيس.



ففي حين إشتراط البعض للحوار لإنجاز الإنتخابات الرئاسية أجاز الدستور إجتماع المجلس النيابي لإنتخاب رئيس دون دعوة رئيس المجلس النيابي حتى، ولتاريخ اليوم لا رئيس للجمهورية.



على صعيد احتجاز الودائع لدى المصارف فقد نصت الفقرة الأولى من المادة /307/ من قانون التجارة البرية على أن المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود يصبح مالكاً له ويجب عليه أن يردّه بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع أو بحسب شروط المهل أو الإعلان المسبق المعينة في العقد.



كما ونصت المادة /696/ من قانون الموجبات والعقود على أنه على الوديع أن يسهر على صيانة الوديعة كما يسهر على صيانة أشيائه الخاصة مع الإحتفاظ بتطبيق أحكام المادة /713/ من قانون الموجبات والعقود التي بدورها تعتبر الوديع مسؤول عن سبب كل هلاك أو تعيب كان في الوسع اتقاؤه إذا كان الوديع يتلقى أجراً لحراسة الوديعة أو إذا كان يقبل الودائع بمقتضى مهنته أو وظيفته.



ورغم أن هذه الشروط تنطبق على المصارف اللبنانية إلا أن المودع لم يحصل على أمواله في ظل حركة لزوم ما لا يلزم والتداول دون حياء بشطب الودائع.



على صعيد الوجود السوري غير الشرعي على الأراضي اللبنانية فناهيك عن أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه فقط وفقاً لدستوره، فقانون إقامة الأجانب في لبنان تاريخ 1962 والإتفاقيات والمعاهدات الموقعة من الحكومات اللبنانية المتعاقبة والملزمة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كفلاء بتنظيم هذا الوجود منذ بدايته.



أما كارثة تفجير مرفأ بيروت والتي إثاراتها ندر علينا حتى انكشاف الحق، لا يزال التحقيق فيها معلق بسبب التعسف في استعمال مواد قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني والتضارب في تفسير النصوص المتعلقة بصلاحيات الملاحقة والتحقيق.



لا تنته التجارب اللبنانية التي تشكل امتحاناً للإرادة السياسية بتطبيق القوانين اللبنانية، من أزمة السلاح المتفلت وقرار الحرب والسلم وغيرها وغيرها.



فالنصوص القانونية في لبنان ليست عاجزة عن حلّ وتسيير أمور لبنان ولو كان التجديد والتحديث القانوني واجب لمعاصرة الواقع.



إلا أن إرادة النيل من الدولة حتّمت على المتسلطين على هذا الوطن تفريغ نصوصه القانونية وتعليقها واسبتدالها بسلوك الأمر الواقع حتى صرنا بؤرة مشاكل خارجة عن سبق الإصرار والتصميم عن نطاق تطبيق القانون.