باسمة عطوي

الجرائم المالية... يمرّ على أغلبها الزمن لتضيع معها حقوق المودعين القانونية

راضي: قانون السرية المصرفية يحول دون معرفة المودعين ومن هم الأشخاص الذين حوّلوا أموالهم إلى الخارج

زبيب: ليس هناك وضوح لجهة تاريخ وقوع الجرائم المالية التي ارتكبت بما يمكّن من احتساب فترة مرور الزمن

التيني: إذا كانت الأفعال الجرمية من نوع الجناية فقانون العقوبات يقضي بأنّ مرور الزمن لا يقل عن 10 سنوات

ضاهر: الجدير بالمجلس النيابي أن يبادر إلى إصدار قانون يمنع بموجبه سريان حكم مرور الزمن على الجرائم



في 17 تشرين الاول المقبل «سيحتفل» لبنان بالسنة الخامسة على حصول الانهيار، وما رافقه من جرائم مالية (تهريب أموال النافذين/ تسديد القروض التجارية على دولار 1500 واستفادة المحظيين والمصارف من منصة صيرفة والدعم). كل هذه الجرائم ارتكبتها المنظومة السياسية – المصرفية بخبث وحرفية ستعيق أي محاولة من المودعين العاديين لرفع دعاوى قضائية، سواء جزائية او مدنية لمحاسبة المسؤولين واسترجاع حقوقهم المهدورة. ليس فقط لأن العديد من هذه الجرائم مرّ عليها الزمن (أي بين 3 و5 سنوات)، بل لسبب بسيط وهو أن الادوات والآليات لإثبات هذه الجرائم يقف قانون السرية المصرفية حاجزاً دون تحقيقها وتأبى المنظومة إلغاءه من جهة، ومن جهة أخرى تتقاعس النيابة العامة المالية ومصرف لبنان عن القيام بدورهما لجهة إجراء التحقيقات اللازمة لتكوين ملف يثبت هذه الجرائم بالوقائع والادلة لاسترجاع حقوق المودعين.

صحيح أنه بقي 166 يوماً على اتمام 5 سنوات من الانهيار، أي أن الوقت ما زال متاحاً لتحرك قضائي لتفادي مرور الزمن على عدد من هذه الجرائم، الا أن المختصين يجزمون بأن المفتاح الاساسي لتكوين الملفات القضائية يكمن في «إثبات» هذه التجاوزات بالقرائن والأدلة، والا تبقى اتهامات وظنون المودعين بأن هذه المنظومة التهمت حقوقهم مجرد صرخة في برية لن يتردد صداها في أروقة قصور العدل.



علي زبيب



جرائم ترتكب إلى اليوم

يشرح المحامي المتخصص في الشؤون الاقتصادية الدولية الدكتور علي زبيب لـ»نداء الوطن» أن «ليس كل الجرائم المالية التي أدت الى الانهيار ارتكبت ابتداء من 17 تشرين 2019، بل هناك جرائم لا تزال ترتكب حتى اليوم. وحجز الودائع هو ملف يتعلق بالمصرف المركزي والقضاء، ولم يثبت الى الان أن جرماً مالياً قد وقع. أما جرم تبييض الاموال فهو جرم واسع يتضمن استثناءات، بمعنى اذا كانت الاموال لا تزال موجودة ويتداول فيها فهو جرم مستمر»، جازماً بأنه «ليس هناك وضوح لجهة تاريخ وقوع الجرائم المالية التي ارتكبت يمكّن من احتساب فترة مرور الزمن. فتهريب الاموال الذي حصل بعد الانهيار ليس جريمة للأسف، لأن كل الاموال التي خرجت بعد 2019 كانت عملاً قانونياً لأنه لم يكن هناك قانون «كابيتال كونترول» يمنع خروجها».

يلفت زبيب الى أن «استعمال كلمة تهريب سببه أن المصارف كانت تُخرج الاموال لأشخاص معينين تربطها بهم مصالح وليس لكل المودعين. والسياسيون والنافذون الذين أخرجوا أموالهم لم يرتكبوا جرماً، بل من ارتكب الجرم هو المصرف الذي كان يقوم بمخالفة مبدأ حسن النية في العلاقات التعاقدية. وهو في الاصل ليس جرماً جزائياً بل مدنياً، اما بقية الجرائم فليس هناك شيء مثبت في شأنها للأسف. الجرم هو أن يكون هناك حكم صادر من محكمة بشكل مبرم واي أمر خارج هذا الاطار لا يعد جرماً».

من الناحية القانونية يوضح زبيب أن «هناك جرائم مستمرة وجرائم متمادية وأخرى متعاقبة وجرائم فورية. مثلاً في حال كان هناك جرم مالي لا يزال مستمراً ولا يحتسب عليه مرور الزمن، مثل جرم الاثراء غير المشروع هو جرم مستمر طالما ان من ارتكبه مستمر في الاستثمار في الاموال، وهناك جرائم لها مدى زمني أطول لسقوطها وتتعلق بفترة الريبة. فقانون 2/67 وقانون 90/110 تضمنا فترة ريبة ويمكن العودة عبرهما 18 شهراً الى الوراء قبل حدوث الجريمة».

ويذكّر زبيب بأن «قانون العقوبات ينص على عدد كبير جداً من الجرائم، منها جرم المخالفة وجرم الجنحة وجرم الجناية، وفي داخل جرم الجنحة هناك الجنحة الشائنة. هذه الانواع من الجرائم يتراوح مرور الزمن عليها بين سنة و3 سنوات و10سنوات، وهناك استثناءات لجرائم عليها مرور الزمن الخماسي».



جوديت التيني



قانون العقوبات

تفسر المحامية الدكتورة جوديت التيني المبادئ العامة المقررة في قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بمرور الزمن، فتقول: «اذا كانت الافعال من نوع الجناية فالمبدأ العام المنصوص عليه في الفقرة 3 من المادة 163 من قانون العقوبات يقضي بأنّ مدة مرور الزمن على اية عقوبة جنائية، هي 10 سنوات (ما عدا الاعدام والمؤبد) وتُطبّق هذه المدة ايضاً على اية عقوبة جناحية قضي بها من اجل جناية. اما اذا كانت الافعال من نوع الجنحة، فوفقاً للمادة 164 من القانون نفسه، لا يمكن ان تتجاوز مدة مرور الزمن على العقوبات الجناحية 10 سنوات ولا ان تنقص عن 5 سنوات».

تضيف: «في ما يتعلق بتهريب الاموال وتسديد القروض على 1500 والاستفادة من منصة صيرفة والدعم من قبل المحظيين، هذه الافعال غير مشروعة بالتأكيد، ولكن القانون وحده هو الذي يجعل منها جرائم بالمعنى القانوني المقصود للكلمة ام لا، عملاً بالمبدأ القانوني العام القاضي بأن لا تجريم ولا عقوبة الا في نص القانون. اما السلطة الصالحة للمحاسبة والملاحقة وانزال العقوبة فهي القضاء، من هنا اهمية دور القضاء».

وتختم: «اذا كانت هذه الافعال تشكل جرائم فلا بد من العودة الى المبادئ العامة التي ذكرناها أعلاه والمقررة في قانون العقوبات اللبناني للبحث في مرور الزمن عليها».



بطرس راضي




إنقضاء الموجبات

من جهته يوضح المحامي راضي بطرس لـ»نداء الوطن» أن معنى مرور الزمن قانونياً هو انقضاء الموجبات، أي أنه سقط الحق بالمطالبة بأموال معينة وليس حصول أصحاب الحقوق على حقوقهم. أما في ما يتعلق بقانون العقوبات فهناك شق متعلق بقانون التجارة ويتضمن النوع الثلاثي، 3سنوات/ المادة 253 والتي تنص على أن رئيس وأعضاء مجلس الادارة الذين يقدمون على الاضرار بالشركة (المصرف) عن سوء نية، إذا استعملوا اموال الشركة أو امكاناتها المادية بما يضر بمصالح الشركة لغايات شخصية، أو اذا أقدموا على اخفاء الوضعية الحقيقية للشركة ونشروا بيانات مالية غير صادقة»، لافتا الى أن «هذه الملاحقة تسقط خلال 3 سنوات من تاريخ الافعال الظاهرة او من تاريخ اكتشافها في حال كانت مخفية، وهذه المادة تشمل (بعد الانهيار) ملف أصحاب الـCDS، الذين كانوا على علم بأن الدولة اللبنانية ستتوقف عن دفع فوائد سندات اليوروبوندز، وقاموا بالتأمين على عدم الدفع في حال لم تدفع الدولة وحققوا أرباحاً، وكان الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أعلن في لقاء تلفزيوني، بأنه سيفتح تحقيقاً في هذا الملف ولكن لم نعرف اذا تم هذا الامر أم لا».

يضيف: «وفقاً لهذه التجربة تم استعمال معلومات خاصة لشراء CDS وكان أصحاب هذا «التأمين» يشجعون المودعين على الاستثمار بسندات اليوروبوندز، وهنا يمكن ان تطبق عليهم هذه المادة ( 253) علماً أن مدة ملاحقتهم لا تسقط الا من تاريخ اكتشاف هذه الجنحة (خصوصاً ان المعاملات المصرفية لا يتم نشرها). وبالتالي في حال حققت النيابة العامة المالية بهذا الموضوع وتبينت لها هذا المخالفة، تعتبر تاريخ الاكتشاف من العام الحالي وليس منذ بداية الازمة لأنه لم يتم اعلانها»، لافتاً الى أنه «في ما يتعلق باقراض المصارف للدولة تنطبق عليه المادة 156 من قانون التجارة، والتي تنص على «أن على المصارف مراعاة استعمال الاموال التي تتلقاها من الجمهور، القواعد التي تؤمن صيانة حقوقهم وهذا ما لم تفعله المصارف كونها اقرضت الدولة فوق الحد المسموح به قانوناً. وهم يعلمون بأنها لن ترد هذه الاموال ولم يطلبوا منها اي ضمانات».

يجزم بطرس بأن «هذه الجنحة سقطت مع مرور الزمن أي في العام 2022،لأن احتسابها يبدأ من تاريخ تقديم المصارف محضر تأدية الحساب للمساهمين وهذا الامر يجري سنوياً أي منذ 2017. مشيراً الى أن الاستفادة من اقامة دعوى من قبل مودع عبر القضاء اللبناني تقتصر عليه وحده، وليس على جميع المودعين كما ينص القانون الاميركي. ومن يستطيع القيام بذلك للاستفادة الجماعية للمودعين هي النيابة العامة المالية».

واشار الى أن «مرور الزمن الخماسي الذي يتعلق بالافلاسات والتي تعود الى الفترة المشبوهة ( 18 شهراً) قبل اعلان الافلاس. وهذه الجنحة تمت بعد أن أقدم اغلبية مجالس الادارة في المصارف على تقديم استقالاتهم وتعيين اشخاص جدد، والاغلبية من المصارف قامت بذلك منذ أكثر من 18 شهراً، بمعنى انه حتى لا يمكن الحجز على الاملاك الخاصة لرؤساء مجلس الادارة، أو مطالبة هؤلاء الاشخاص بالتعويض كونهم كانوا السبب في خسارة اموال المودع صاحب الدعوى».

يفسر بطرس أن «هناك مرور الزمن الجنحي في قانون العقوبات العادي. في الجنحة، مرور الزمن هو 3 سنوات واغلب الجرائم التي حصلت تندرج ضمن توصيف الجنحة والجريمة، وبالتالي يبدأ مرور الزمن من تاريخ نشوئها وليس من تاريخ اكتشافها. اي ان 80 بالمئة من الجرائم التي حصلت باتت ساقطة»، مشيراً الى أن «هناك جنحة اقفال المصارف لحسابات المودعين ووضع أموالهم بشيك مصرفي عند كاتب العدل حين يطالب بحقه، وهذا يعتبر خرقاً لموجب السرية المصرفية. وهنا يمكن اقامة دعاوى على رئيس واعضاء مجلس ادارة المصارف، وكل من يظهره التحقيق منذ تاريخ العرض والايداع ومطالبتهم بالتعويضات».

ماذا عن تهريب اموال النافذين والاستفادة من صيرفة من قبل ازلام السلطة وتسديد القروض على دولار 1500 ليرة، هل هذه جنح مرّ عليها الزمن أيضاً ؟ يجيب بطرس:»هذه جرائم ويمر عليها الزمن. والاهم هو أن يكون هناك متضررون لتتوفر صفة المدعي. والمشكلة هنا في هذه الجرائم هو تثبيت حصولها في ظل وجود قانون السرية المصرفية يحول دون معرفة المودعين من الاشخاص الذين حوّلوا أموالهم الى الخارج ومن استفاد من منصة صيرفة ومن سدد ديون تجارية على سعر 1500 ليرة. وبالتالي لن يتمكن المودعون الراغبون برفع دعاوى على المستفيدين منها ما لم يقم مصرف لبنان والنيابة العامة المالية بالطلب من الهيئة المصرفية الخاصة القيام بالتحقيق بهذا الملف. وعندها اذا تبين ان ما حصل هو بناء لمعلومات غير متاحة للجميع، عندها يمكن اثبات جرم واقامة دعوى سواء وفقا للقانون المدني أو الجزائي، شرط تأمين الرابطة السببية بمعنى أن ما حصل من جرائم نتجت عنه خسائر للمودعين».

ويختم: «هذا الامر لا يمكن تحقيقه في ظل قانون السرية المصرفية، وهنا دور الهيئات الرقابية (الهيئة المصرفية الخاصة والنيابة العامة المالية ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف) في مراقبة هذه الاجراءات وتثبيت التجاوزات».



باسكال ضاهر




الودائع لا يمر عليها الزمن


في المقابل هناك رأي قانوني يعتبر أن العديد من الجرائم المالية التي حصلت منذ تشرين 2019 لا يمر عليها الزمن، ويشرح المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر لـ»نداء الوطن» هذا الرأي بالقول: «الودائع لا يمر عليها الزمن، اما بالنسبة للمسؤوليات فهنا يقتضي التفريق بين مرور الزمن على دعاوى المسؤولية المدنية المنصوص عليها في القوانين مثل قانون التجارة والموجبات والعقود وسواها وتلك المنصوص عليها في قانون العقوبات العام».

يضيف: «في الحالة الأولى يسري مرور الزمن الخماسي اي خمس سنوات، على الدعاوى المقدمة من الغير لترتيب مسؤولية أعضاء مجالس ادارة المصارف، وذلك سنداً للمادة 171 تجارة المعدلة بالقانون 126/2019 التي تنص على ان الدعوى، سواء كانت مقامة من مساهِم او من الغير على اعضاء مجلس الادارة او رئيس مجلس الادارة، تسقط بمرور خمس سنوات من تاريخ عقد الجمعية العمومية التي ادى فيها الاعضاء حساباً عن ادارتهم»، موضحا أن «المادة 253 مكرر- تجارة والتي تتضمن قواعد عقابية والتي تفرض عقوبة الحبس لغاية ثلاث سنوات على رئيس واعضاء مجلس الادارة فان الملاحقة هنا تسقط بمرور ثلاث سنوات على الافعال اذا كانت ظاهرة او من تاريخ اكتشافها». يشير ضاهر الى أن «الفئة الثانية من الجرائم فهي الخاضعة لقانون العقوبات، وهنا يقتضي التمييز بين الجرائم الجنحية وتلك الجنائية، والتعمق بالقوانين التي جرمت جرائم تبييض الاموال (والمسؤول عن ضبطها وملاحقتها هو هيئة التحقيق الخاصة التي لم تقم باي عمل مفيد في هذا الصدد )، نلاحظ بأن توصيفها هو جنحي سنداً للمادة 3 من القانون الرقم 318/2001، التي نصت على اعتبار ان العقوبة، على كل من اقدم أو تدخل أو اشترك بعمليات تبييض اموال، هي الحبس من ثلاث الى سبع سنوات وبالغرامة لا تقل عن عشرين مليون ليرة لبنانية؛ وبالتالي فانها ليست جنائية كالتي يمر الزمن العشري عليها»، جازماً بأن «مرور الزمن هنا هو 3 سنوات من تاريخ ارتكاب الفعل او اكتشافه في حال كان مخفياً. وهنا برأيي لا يمكن توصيف هذه الجرائم بأنها مستمرة لان الاستمرار يقتضي بان تستمر بركني الجريمة اي بالعنصر المعنوي والمادي، اما استمرار النتيجة فلا مفعول له».

ويشير «الى ان مرور الزمن يتم قطعه باي عمل قضائي او تحقيق، وبالتالي فان التحقيقات التي تقوم بها النيابة العامة الاستئنافية في بعبدا بهذه الجرائم قد ادى حكماً الى قطع مرور الزمن. انما فعل القطع يفيد بان هنالك مدة ثلاث سنوات أخرى قد انبثقت. والعبرة باستمرار التحقيقات لكي يستمر فعل القطع قائماً، وبالتالي اي سحب لمطلق ملف من تحت يد المدعي العام من دون متابعة التحقيق به سيؤدي لاحقا الى سريان مرور الزمن بحال انصرمت فترة الثلاث سنوات».

يضيف: «يتضح مما تقدم ان الهم الاساسي لفئة رجالات السلطة، كان وما زال هو الإفلات من العقاب من خلال إزاحة اعين الشعب عن الجرائم التي حصلت بترك الزمن يمر من دون عقاب، من خلال التدخل بعمل القضاء الى حد منعه من اتمام واجباته، كما وباغراق لجان المجلس النيابي باقتراحات قوانين لا طائل منها سوى تمويه الارتكابات وحماية المجرم انما هدفوا من طرحها الى الهاء العامة عن هذه الجرائم المالية المقترفة وعدم تطبيق القوانين الموجودة».

ويختم: «أمام هذا الكم من التضليل في اقتراحات القوانين، نرى انه من الجدير بالمجلس النيابي ان يبادر الى اصدار قانون يمنع بموجبه سريان حكم مرور الزمن على الجرائم المالية التي ارتكبت، كما وتحميل المسؤولية الشخصية لكل مسؤول لم يتمم واجباته بالسرعة المطلوبة و/او تهاون او ضلل او طمس الجرائم».