أموس يادلين

آفاق المحور الصيني ـ الإيراني

27 آب 2020

المصدر: War On The Rocks

02 : 10

ما مصير العلاقات الصينية ـ الإيرانية مستقبلاً؟ قد تحمل مسودة مُسرّبة حديثاً لاتفاقية شراكة بين بكين وطهران مؤشرات مهمة عن هذا الموضوع. تُحدد هذه الوثيقة إطار عملٍ يسمح بزيادة الاستثمارات الصينية في إيران وتكثيف التعاون الاستراتيجي بين الطرفين وضمّ إيران إلى "مبادرة الحزام والطريق" الصينية. أثار الاتفاق المحتمل قلق البعض في واشنطن وأجّج المخاوف من احتمال أن تُرسّخ السياسة الخارجية الأميركية الصارمة تحالفاً خطيراً بين قوتَين بارزتَين ومعاديتَين للولايات المتحدة في شرق آسيا والشرق الأوسط.

إذا تم التوقيع على هذا الاتفاق وجرى تنفيذه في نهاية المطاف، قد تتسارع نزعتان بارزتان اليوم: تنامي الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط، وتقوية تحالف الدول الاستبدادية والمعادية للولايات المتحدة. لكنّ توقيع هذا النوع من الاتفاقيات لا يلغي الضوابط القائمة في التعاون الصيني الإيراني، بما في ذلك البيئة الاستثمارية غير الجاذبة في إيران، وعدم استعداد الصين تاريخياً للاستثمار في أي بلد لتحقيق أهداف جيوسياسية. هذه العوائق قد تجعل معظم مشاريع الطاقة والبنى التحتية المشتركة والواردة في الوثيقة المُسرّبة صعبة التنفيذ، علماً أن قيمتها تصل إلى 400 مليار دولار تقريباً على مر 25 سنة. باختصار، يجب أن يتنبّه صانعو السياسة إلى العلاقات الصينية الإيرانية طبعاً لكن من دون أن يبالغوا في ردود أفعالهم.

رغم المخاوف من مخاطر أي شراكة جديدة بين الصين وإيران، ستجد بكين صعوبة في الالتزام بوعودها الاستثمارية الضخمة. ستبقى العلاقات الصينية ـ الإيرانية محط اهتمام المحللين والمسؤولين حتماً، لكن من المبكر أن نعتبر المسودّة المُسرّبة دليلاً على تحالف ملموس. حتى أنها لا تثبت بالضرورة فشل سياسة "الضغوط القصوى" أو توسّع نتائجها العكسية، بل إنها قد تشير إلى نجاح الاستراتيجية الأميركية بدرجة معيّنة.


مسار شاق أمام المستثمرين


من المستبعد أن تزيد الاستثمارات الصينية في إيران بمستوى فائق على المدى القريب، علماً أن متوسط قيمتها يبلغ 1.8 مليار دولار سنوياً منذ العام 2005. ستبقى العقوبات الأميركية الثانوية رادعاً كبيراً أمام الشركات الأجنبية التي تسعى إلى دخول السوق الإيراني. وبسبب المخاوف من التعرض للإقصاء من السوق والنظام المالي الأميركيَين، تعمد الشركات الصينية حتى الآن إلى تعليق تعاونها مع إيران أو الانسحاب من السوق بالكامل. تتّضح المقاربة الحذرة التي تتخذها بكين في هذا المجال عبر البيانات المرتبطة بواردات النفط الخام بين العامين 2018 و2019، فقد تراجعت مشترياتها من إيران بنسبة 50% (حوالى 300 ألف برميل يومياً) خلال سنة واحدة بسبب العقوبات الأميركية. في الوقت نفسه، زادت الشحنات من جهات بديلة في المنطقة، على غرار المملكة العربية السعودية والعراق، بأكثر من الضعف.

على صعيد آخر، بقيت حماسة الصين للاستثمار في إيران ضعيفة في العقود الأخيرة. بين العامين 2005 و2018، تراجعت استثمارات الشركات الصينية في إيران مقارنةً باستثماراتها في السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفاقت استثماراتها في مصر بدرجة بسيطة (وَصَف رجل أعمال مصري بارز الوضع بعبارة "أسوأ مناخ استثماري في العالم العربي"). وتشير أدلة أخرى إلى اقتناع المستثمرين الصينيين بأن التعامل مع إيران لا يستحق العناء نظراً إلى المصاعب المطروحة.





نتائج توثيق العلاقات الصينية ـ الإيرانية


بعيداً عن الاعتبارات الاقتصادية، يسهل أن نفترض أن بكين وطهران ستكثّفان التعاون بينهما في خضم صراعهما المستمر ضد الولايات المتحدة. لكن من المستبعد أن تنقذ الصين أي بلد لأسباب جيوسياسية محض. في فنزويلا مثلاً، تبنّت الصين مقاربة براغماتية لا إيديولوجية، فسعت إلى منع انهيار نظامٍ يدين لها بمليارات الدولارات، كما أنها تجنبت في الوقت نفسه زيادة استثماراتها بدرجة كبيرة في نظام اقتصادي فاسد وفاشل وغير مستقر. يقدّم مثال فنزويلا سبباً وجيهاً للتشكيك باحتمال أن تطرح الصين خطة إنقاذ اقتصادية لإيران انطلاقاً من دوافع جيوسياسية. في النهاية تبقى إيران، على غرار فنزويلا، معقلاً غنياً بالنفط ومعادياً للولايات المتحدة وبلداً يشهد عزلة ديبلوماسية واقتصادية في الخارج وخللاً كبيراً في الداخل.


لن يسمح تعميق الشراكة الإيرانية ـ الصينية بحل المشاكل الكبرى التي يواجهها كل طرف مع واشنطن مباشرةً. من المستبعد أن تقوم الصين باستثمارات مناسبة لحل مشاكل إيران الاقتصادية، ولا تستطيع إيران من جهتها أن تقدم للصين التفوق التجاري والتكنولوجي اللازم لتخفيف تداعيات الخطوات الأميركية الأخيرة في خضم المنافسة القائمة بين القوى العظمى. في ظل هذا الوضع، قد يظن صانعو القرار في البلدَين أنهم يستطيعون الاستفادة من النفوذ الناجم عن هذه العلاقة الثنائية إذا اعتبروا العودة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة ضرورياً. بنظر إيران، تسمح لها علاقاتها الاقتصادية "الناشئة" مع الصين بتحسين موقعها في أي مفاوضات مستقبلية لتخفيف العقوبات عليها. وعلى الجانب الصيني، قد تحصد بكين تنازلات من واشنطن في مسائل تعتبرها أكثر أهمية إذا تعهدت بتقليص تعاونها مع إيران.

يبدو التحليل القائل إن المسودة المُسرّبة وأي شراكة صينية ـ إيرانية محتملة تشكلان ضربة موجعة لسياسة "الضغوط القصوى" الأميركية ضد إيران مبكراً. ربما سرّبت طهران تلك الوثيقة كَرَدّ يائس من جانبها على النجاح الجزئي للسياسة الأميركية تجاه إيران. أدى تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني والأخطاء الأخيرة التي ارتكبها النظام إلى زيادة الضغوط على الحكومة لتقديم أنباء سارة للرأي العام (مثل تدفق المستثمرين الصينيين لضخ الأموال في إيران) وإثبات كفاءة النظام وترسيخ الآمال بمستقبل أفضل. لكن لا تعكس هذه "الإنجازات" الإيرانية حقيقة الوضع دوماً. كذلك، قد تكشف تلميحات طهران بوجود خطة إنقاذ صينية اقتصادية رغبتها في العودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة في ظل ظروفٍ أفضل. في المقابل، لا يضمن نجاح واشنطن في تكثيف الضغوط على إيران إعلان النصر: هل سيُحوّل البيت الأبيض هذه المكاسب إلى مقاربة عملية لتنفيذ أهدافه الاستراتيجية على المدى الطويل، منها إبعاد إيران عن تصنيع الأسلحة النووية؟

إذا أصرّت الصين على تعزيز استثماراتها في إيران، ستضطر لتحمّل مخاطر الاضطرابات المحلية وغياب الاستقرار الإقليمي وتداعيات العقوبات المستمرة. فيما تسعى إيران إلى جذب الاستثمارات، تبدو أقرب إلى صاحب منزل يحاول بيع عقار شائب لفردٍ واحد لديه خيارات أخرى كثيرة. عملياً، تبقى قدرة طهران على المساومة شبه معدومة. تذكر تقارير غير مثبتة أن طهران وعدت بكين بتزويدها بالنفط طوال 25 سنة بسعرٍ مُخفّض بنسبة 32%. قد يعتبر النظام الإيراني هذا الترتيب مُحبذاً نظراً إلى وضعه الراهن، فقد تراجعت صادرات النفط إلى 10% تقريباً مقارنةً بأرقام العام 2017 بسبب العقوبات، لكنّ هذه الخطوة تعيق أيضاً أي تحسّن اقتصادي مستقبلي في حال رفع العقوبات. قد تُباع "المشاريع المشتركة" في مجال البنى التحتية والأصول الإيرانية بسعرٍ زهيد إلى الصين. لا أحد يعرف بعد ما إذا كان هذا التطور إيجابياً أو سلبياً للأطراف المعنية. لكن إذا اعتُبِر شكلاً من إضعاف السيادة الإيرانية، قد تنشأ ردة فعل قوية من جانب الرأي العام الإيراني المعروف بحساسيته العميقة والتاريخية تجاه أي تدخل خارجي في شؤون البلد الداخلية.

إلى أين؟

من المستبعد أن تلبّي إعلانات الشراكة بين طهران وبكين التوقعات المنتظرة. يصعب على الصين أن تزيد استثماراتها في إيران بوتيرة متسارعة: يفتقر البلد إلى الاستقرار، وترفع العقوبات الأميركية التكاليف المترتبة على الشركات الصينية إذا قررت العمل هناك، وتَعِد أسواق أخرى في الشرق الأوسط بجني عائدات إضافية. لكن قد تقدم الصين لإيران نفوذاً قصير الأمد كي تستعمله في أي مفاوضات مستقبلية مع الولايات المتحدة. في المقابل، تقدم إيران النفط للصين بسعرٍ مُخفّض (تحصل عليه من مصادر إقليمية أخرى) وفرصة للإمعان في إضعاف المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. بناءً على تجارب الماضي، لن يشكّل الاقتصاد ولا الوضع الجيوسياسي حافزاً مناسباً للصين كي تزيد استثماراتها في إيران بدرجة كبيرة.

في واشنطن، ستبقى المعارضة لأي شراكة صينية ـ إيرانية قوية بغض النظر عن هوية المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. لقد جعل الرئيس دونالد ترامب العداء للصين وإيران ركيزة لسياسته الخارجية في حملته الانتخابية للعام 2020، كما فعل خلال حملة العام 2016. يُفترض أن يكون خطاب نائب الرئيس السابق جو بايدن مختلفاً عنه، لكنّ مقاربته للأمن القومي تشمل أيضاً التصدي لبكين (إنه جزء من المسائل القليلة التي يُجمِع عليها الحزبان الجمهوري والديموقراطي اليوم) ومتابعة الضغط على إيران إلى أن يصبح التفاوض على اتفاق نووي جديد ممكناً بشروطٍ أكثر إيجابية.

حتى لو لم تتحقق الجوانب المعلنة من الشراكة المحتملة، تبقى المخاطر الحقيقية والضارة لأي تعاون صيني إيراني قائمة. تفيد التقارير بأن التعاون الاستخباري بين البلدين نسف قدرة وكالة الاستخبارات المركزية على جمع المعلومات. كذلك، كانت المساعدة الصينية في برنامج إيران الصاروخي كفيلة بتكثيف التهديد الذي تطرحه طهران على الشرق الأوسط. لكن لا ترتكز مساعدة بكين لإيران على تقارب صادق بل على مبدأ الانتهازية. كشفت تقارير حديثة دور الصين في تطوير منشآت نووية لصالح المملكة العربية السعودية، عدوّة طهران اللدودة.

أخيراً، ستتابع الصين مناوراتها بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط. لن تتخلى بكين عن النفط السعودي أو التجارة مع إسرائيل وتركيا للتورط في اقتصاد إيران المنهار. إذا حاولت إيران أن تعود للتفاوض مع الولايات المتحدة، قد تكتشف في نهاية المطاف أن جهودها العلنية لتوثيق روابطها مع الصين لم تحقق شيئاً إلا زيادة مشاعر العداء تجاهها في واشنطن.


MISS 3