د. سلوى شكري كرم

العاملات الأجنبيات عالة أم ضرورة؟

27 آب 2020

02 : 00

يمر لبنان، في الآونة الاخيرة، وتحديداً إبان اندلاع الثورة الشعبية، التي أتت نتيجة تراكمات عبر عقود عدة لأزمات مختلفة، على أكثر من صعيد، بأزمة اقتصادية مالية لا مثيل لها، ولم يشهدها من قبل، حتى في أوج الحرب اللبنانية، خلال ربع قرن.

إن الأزمة التي يعيشها اللبنانيون اليوم لم تولد في لحظة واحدة، أو بسبب عامل واحد أو ظرف واحد. ان الفوضى العارمة التي تجتاح الوطن، منذ سنوات خلت، هي نتيجة تراكمات سياسية اجتماعية، لا بل نتيجة احتساب عدة عوامل وعادات لطالما عايشها وتعايش معها مجتمعنا اللبناني الذي، في الغالبية الساحقة من عاداته وتصرفاته وتفكيره، لطالما اتجه نحو قاعدة تقليد الآخرين، حتى من ضمن المجتمع الواحد، بحيث نرى جيداً ومفيداً ما يراه غيرنا ناجحاً ومفيداً وجيداً، من دون الاخذ في الاعتبار الظروف الخاصة التي تولدت عن تلك العادة، الى أن أصبحت وتصبح ضرورة ماسة، نظراً لظروف خاصة شخصية، هي أيضا ماسة.

نتكلم هنا عن العاملات الاجنبيات اللواتي أصبحن جزءاً وأفراداً من معظم العائلات اللبنانية. وكما سبقت الاشارة، أصبح استخدام العاملة الاجنبية، في مجتمع ضيق صغير، من العادات السيئة، أكثر من كونها مفيدة، التي تقتاد بها وعبرها السيدة اللبنانية، أي ربة المنزل، في أكثر من جانب من جوانب الحياة الاسرية، وذلك عبر ايلائها مهمة تربية الاولاد، الى القيام بالعمل المنزلي التقليدي، الى الاهتمام بالمرضى والمسنين، الى ما هنالك من أعمال تحتاج، بالضرورة، الى أخصائيات تتولى كل منهن، في دائرة اختصاصها، العمل الموكل اليها، كي تقوم به على النحو الافضل والاكثر نفعاً لرب العمل.

فبعد ايكال مهمة التعليم وتربية الاولاد، أو مهمة الاعتناء بالمرضى وبالمسنين، الى عاملات لا يتمتعن، في الاغلبية الساحقة منهن، بالمهارة المطلوبة، ان كان من ناحية الشهادة الجامعية، أو الخبرات التقنية العملية الصرفة، تأتي العاملة منهن، في نهاية كل شهر، وتقوم بعملية تحويل ما تقاضته من راتب الى بلدها الام، سواء الى ذويها أو الى أي من أفراد عائلتها، أو لأي سبب آخر، وهذا ما زاد ولا يزال يزيد من الازمة، الجديدة القديمة، التي بدأت مع استقدام العاملات الاجنبيات الى المنازل والمؤسسات اللبنانية، منذ عقود مضت.

إن إستقدام العاملة الاجنبية ربما قد يكون ملحاً وضرورياً ولا بديل عنه، في بعض الحالات الاجتماعية العائلية، التي قد تتميز وتنفرد بها بعض العائلات. فقد يكون هنالك مريض، ولا يمكن لأحد من أفراد عائلتها الاهتمام به، بسبب العلم والانشغال اليوميين، أو لأي سبب من الاسباب، وعندها يمسي أمر استقدام العاملة أمراً ملحاً لا حل سواه ولا مفر منه. ولكن، في نهاية الامر، وبخاصة أن راتب هذه العاملة، كما نعلم جميعنا، لن يقل عن الـ 700 أو الـ 800 دولار أميركي، وفي أغلب الحالات، سوف تقوم تلك العاملة في تحويل راتبها الى بلادها ولن تصرفه في بلدنا نحن، وهذا أمر شهدناه في الآونة الاخيرة، أكثر مما شهدناه في الماضي، رغم أنه أمر قديم جديد، عبر الزحمة الخانقة والملفتة والتي لا مثيل لها، في مراكز مؤسسات تحويل الاموال.

رغم الضرورة التي تتمثل، أحياناً، في واقعة استقدام العاملات الاجنبيات، بحيث أصبح ويصبح هذا الامر، يومياً وعلى مدار الساعة، أمراً واقعاً واقعياً لا بديل عنه أو لا مفر منه، فان في هذا الامر مساوئ جمة لا يدركها مواطنونا وقد لا يتمكنون من ادراكها، خاصة في المدى القريب، وهذه المساوئ، كما سبقت الاشارة، تتمحور حول أمرين أساسيين، أولهما أن العائلة تستقدم عاملة غير متخصصة في المجال المطلوب منها القيام به، وهذا ينتج عنه، في الغالب، سوء معاملة وسوء دراية وعدم تبصر بالنتائج الوخيمة التي تقوم بها تلك العاملة، والامر الثاني هو أن أزمة جديدة قديمة، قد تضاف الى أزمات مجتمعنا، التي للاسف لا تعد ولا تحصى، وهي أزمة واقعة تحويل الاموال التي سوف تتقاضاها تلك العاملة، وعلى الفور ومن دون أي تأخير أو تلكؤ أو تردد، الى بلدها الام، وهذا ما يزيد من أزمة شح وقلة تواجد الدولار بين أيدي المواطنين، الذي نشهده أخيراً، وهو، للاسف الى تزايد وتفاقم، واقعاً ونتائج وتصرفات.


الدكتورة سلوى شكري كرم
* دكتوراه دولة في علم الاجتماع


MISS 3