مروان الأمين

"بكركي نجمتنا"

27 آب 2020

02 : 00

فكرة الحياد التي طرحها البطريرك الراعي لم تكن مشروعاً مكتملاً منذ البداية، فقد بدأت في عظة الأحد في 5 تموز 2020 كفكرة تُحاكي فكرة إنشاء لبنان، كأنّها كانت تعبيراً عن "نوستالجيا" ما، أكثر منها طرحاً إنقاذياً مُكتمل العناصر للبلد.

قد يكون التفاعل الإيجابي الواسع من قبل السياسيين والنخب والناس من مختلف الطوائف، دفع بالبطريرك إلى تطوير هذه الفكرة تدريجياً من "حياد لبنان" إلى "حياد ناشط"، وصولاً إلى طرح وثيقة متكاملة من ثماني صفحات في 7 آب 2020. شرحت "وثيقة الحياد" الأبعاد السياسية والكيانية والإقتصادية، وكذلك العلاقة بين المكوّنات اللبنانية، وعلاقة لبنان مع محيطه وقضايا المنطقة. خلال تقديمه وشرحه للوثيقة، طرح البطريرك مسألة سلاح "حزب الله" بشكل مباشر. هذه الطروحات شكّلت تدرّجاً تصعيدياً في موقف البطريرك، لجهة إكتمال عناصر مشروع الحياد، إذ لا يمكن إعلان حياد لبنان في ظلّ وجود سلاح غير شرعي ناشط بيد فئة من اللبنانيين.

في المقابل، رَدّ "حزب الله" على طرح البطريرك إتّخذ مسلكين:

المسلك الأول، سلكه حلفاء "حزب الله" المسيحيون الذين زاروا البطريرك ونشروا مقالات، فيها تأييد لمشروع الحياد مع "لكن" كبيرة. في البداية، كانت تحاول هذه الفئة إمتصاص وهج طرح الحياد، وإفراغه من مضمونه. ومع تطوّر موقف البطريرك من مسألة سلاح "حزب الله"، تدرّج موقف هذه الفئة بشكل تراجعي باتجاه التجاهل والصمت. أما المسلك الثاني، فقد تكفّل به "حزب الله "بشكل مباشر، من خلال موقف المفتي قبلان ومجموعة من القريبين جداً من "حزب الله". فقد اتّخذ هذا المسلك مواقف سياسية تُطرح للمرة الأولى من قبل الشيعية السياسية، وبدأت بإعلان موت صيغة 1943 وإنتهاء صلاحية الطائف، ولم تنته بالمطالبة بإلغاء الطائفية السياسية، في ردّ تهديدي ديموغرافي للمسيحيين. ومع تناول البطريرك لملفّ السلاح، تدرّج موقف منظومة "حزب الله" بشكل تصاعدي، وصولاً إلى إتّهام البطريرك بالتماهي مع المشروع الصهيوني.

لغة التخوين أصبحت ممجوجة ومكشوفة، لكن لردّ "حزب الله" التخويني إشارات إيجابية، منها:

أولاً، طرح البطريرك للحياد ليس مناورة أو طرحاً مرحلياً، بل هو مشروع استراتيجي، الأمر الذي يُشكّل تهديداً لمشروع "حزب الله"، هذا ما دفع "حزب الله" للذهاب بعيداً لحدّ التخوين في ردّه على طرح البطريرك.

ثانياً، ذهاب البطريرك بعيداً في خيار الحياد، وكذلك ذهاب "حزب الله" بعيداً في ردّه التخويني، يضع الغطاء العوني- الباسيلي المسيحي لسلاح "حزب الله" أمام إحتمالين، إمّا التراجع وسحب هذا الغطاء، أو تلقّي "التيار الوطني الحرّ" ضربة إضافية قاسية بعد الضربات التي تلقّاها منذ ثورة 17 تشرين ولاحقاً بعد إنفجار 4 آب... وكِلا الإحتمالين سوف يُفقِدان السلاح غطاءه المسيحي، ويُنهيان عملياً مشروع "حلف الأقلّيات".

ثالثاً، في آخر ثلاثين عاماً، أثبتت الأحداث أنّ الخيارات الإستراتجية المفصلية حين تطرحها بكركي، يُصبح تحقيقها مسألة وقت ليس أكثر، بغضّ النظر عن قوة وشراسة خصوم هذه الطروحات. هذا ما حصل حين أيّدت بكركي إتفاق الطائف، وكذلك مع إعلان المطارنة عام 2000 المطالب بإنسحاب الجيش السوري من لبنان. وتحقيق مشروع الحياد الذي تحمله بكركي، أصبح مسألة وقت ليس أكثر، وسوف يكون له أثر تغييري وتأسيسي إستراتيجي على البلد.

للمرة الأولى، يتمّ طرح حل لمشكلة سلاح "حزب الله" في إطار مشروع سياسي متكامل. قوّة وحماية لبنان في حياده وليس في سلاح "حزب الله". هذا الطرح يصيب مشروع "حزب الله" في العمق، وقد يخرجه عن طوره، ونشهد جولات عنف و"خضّات" أمنية جديدة. حمى الله لبنان وأخذ بيد بطريركه... وكما كتب محمود درويش قصيدة "بيروت نجمتنا"، نقول: أثبت التاريخ أنّ في السياسة "بكركي نجمة لبنان" التي نهتدي بها في الخيارات المفصلية.


MISS 3