أصبحت وثيقة بكركي في عهدة السينودس. أوساط كنسية أكدت أنّها في صيغتها الأخيرة أصبحت ملك البطريرك بشارة الراعي الذي سيعرضها على ما يبدو على مجمع المطارنة الموارنة الملتئم في بكركي منذ الإثنين المقبل في خلوة سنوية ستستمر أسبوعين. وسيستعرض خلاله المطارنة (52 مطراناً) الذين تلاقوا من كل أنحاء العالم الشؤون اللاهوتية الدينية والدنيوية للطائفة المارونية. ويعد أكبر تجمع للمطارنة الموارنة يعقد في بكركي.
وليس معلوماً كيف سيتم التعاطي مع هذه الوثيقة ولا سيما في الشق المتعلق بسلاح المقاومة. خلال النقاشات عُلم أنّ بعض الأطراف سعى إلى إجراء تعديلات على مضمون الوثيقة بعدما كانت قد أبلغت موافقتها عليها، لكن البطريركية المارونية فضلت أن تتم المناقشة على مستوى البطريرك والمطارنة كون هذه الوثيقة وإن كانت سياسية، فهي ستصدر عن بكركي التي تحرص على أن تكون بصيغة تحظى بموافقة الأحزاب والشخصيات السياسية التي تمثل الأكثرية الشعبية. وبالتالي لا بد من انتظار نتائج هذا السينودس لمعرفة مصير الوثيقة علماً أنّها تناقش ما يسمى المخاطر الوجودية وفي جانب منها رئاسة الجمهورية وموضوع النازحين ومسألة الخلاف حول سلاح «حزب الله» وملف الإنهيار المالي ودور لبنان في محيطه والعالم.
لم تنته النقاشات حول وثيقة بكركي إلى توافق بشأن سلاح المقاومة. البند الأكثر حساسية الوارد فيها استمر موضع خلاف بين الأطراف المسيحية المشاركة. أشهر من النقاش المتواصل و»الحامي» أحياناً كاد أن يفجّر الخلاف بين المجتمعين وأظهر حساسية بالغة في مقاربتهم مسألة السلاح. كاد هذا الملف في فترة ما أن يفجّر التوافق على الوثيقة بالنظر إلى الإنقسام في الرأي الذي ساد. اذ برزت آراء لجهات اعتبرته سلاحاً شبيها بسلاح الميليشات و»داعش» بينما فضلت جهات أخرى مقاربته بواقعية خاصة في ظلّ الظروف الصعبة التي يشهدها الجنوب، ورأت ضرورة أن يندرج نقاشه في سياق استراتيجية دفاعية متفق عليها وأن يكون بإمرة الدولة في نهاية المطاف.
ورد في صيغته لبند السلاح مطالبة «حزب الله» بتسليم سلاحه فوراً إلى الدولة اللبنانية، وهو ما لمس فيه البعض اعلان حرب على «حزب الله» ستتحمل تبعاته بكركي التي ستصدر الوثيقة باسمها.
قوبلت الوثيقة بصيغتها الصدامية باعتراض من «التيار الوطني الحر» الذي حاول ادخال تعديلات تخرج إلى العلن وثيقة تعالج مسألة السلاح بعيداً عن لغة التصادم. خلال النقاشات انقسم المشاركون إلى فئتين، معارضة للتصادم مع «حزب الله» أو دخول بكركي طرفاً في مسألة خلافية، وبين من يريد أن يكون الصرح البطريركي منصة ضد المقاومة، وبينهما وقوف «المردة» على الحياد منذ البداية فلم يتمثلوا في الاجتماعات. ولكن السؤال الذي طرحه البعض هو: كيف سيؤمن الطرح السلبي للسلاح الآلية التنفيذية لما ورد في الوثيقة لناحية سلاح «حزب الله»؟
أظهرت النقاشات حدة في التعاطي. وكان الخوف من أنّ بكركي وبدل أن تصدر وثيقة تاريخية مُطمْئِنة شبيهة بتلك التي كانت تصدر عنها في زمن البطريركين الراحلين حويك وصفير، أراد لها البعض أن تكون وثيقة مواجهة.
كل الخلافات السياسية أرخت بظلها على نقاشات الوثيقة. طيف «حزب الله» كان حاضراً بقوة. لكن تبقى الكلمة الفصل لسيد بكركي ومجمع المطارنة. وفي أي حال فالسلاح ومصيره لم يعد متوقفاً على اجتماع ووثيقة وقد دخلت المعادلة الإقليمية في صلب التسويات المطروحة حول مصير الحرب على غزة وجبهة الاسناد التي يخوضها «حزب الله» في جنوب لبنان.