حقّقت أحزاب «اليمين الحازم» نتائج مدوّية في الانتخابات الأوروبّية التي انتهت أمس، لتفرض نفسها رقماً صعباً داخل البرلمان الأوروبي المقبل، حتّى أنّها بدّلت في موازين القوى الداخليّة، خصوصاً في فرنسا حيث فاز حزب «التجمّع الوطني» بقيادة جوردان بارديلا بحصوله على نسبة تتراوح بين 31.5 و32.5 في المئة من الأصوات، أي ضعف ما حقّقه حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، ما دفع الأخير إلى حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى إجراء الانتخابات التشريعية للدورة الأولى في 30 حزيران والدورة الثانية في 7 تموز.
وحذّر الرئيس الفرنسي من أن نتيجة الانتخابات الأوروبّية «ليست جيّدة للأحزاب التي تُدافع عن أوروبا»، مشيراً إلى أن اليمين الحازم حصد «ما يقرب من 40 في المئة من الأصوات» في فرنسا (إذا أضفنا إلى لائحة بارديلا لائحة حزب «الاسترداد» بقيادة إريك زمور)، فيما كان بارديلا قد طالب في وقت سابق بحلّ الجمعية الوطنية، واصفاً ماكرون بـ»الرئيس الضعيف». وفي ردّ فعل فوري، قالت زعيمة اليمين الحازم مارين لوبن: «نحن على استعداد لممارسة السلطة إذا منحنا الفرنسيون ثقتهم».
وعلى الرغم من المكاسب المدوّية التي حقّقتها أحزاب أقصى اليمين، احتفظت مجموعات حزب «الشعب الأوروبي» اليميني مع «الاشتراكيين والديموقراطيين» و»تجديد أوروبا» (وسطيون وليبراليون) مجتمعة، بالغالبية داخل البرلمان الأوروبي. ومع 181 مقعداً متوقعاً لحزب «الشعب الأوروبي» و135 لـ»الاشتراكيين والديموقراطيين» و82 لـ»تجديد أوروبا»، تُشكّل هذه الأحزاب «الإئتلاف الكبير» الذي ستحصل في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي، إذ حصدت 398 مقعداً من أصل 720.
وأدلى مواطنو 21 من إجمالي 27 دولة في الاتحاد الأوروبي أمس، من بينها ألمانيا، وفرنسا التي تبلغ حصّتها 81 نائباً، وإسبانيا، بأصواتهم في اليوم الأخير من الماراثون الإنتخابي الذي بدأ الخميس في هولندا لاختيار الأعضاء الـ720 في البرلمان الأوروبي.
وفي ألمانيا التي تختار 96 نائباً أوروبّياً، جاء حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الحازم في المركز الثاني، بنسبة تُناهز 16.5 في المئة من الأصوات، خلف اليمين المحافظ. ورغم الفضائح الأخيرة التي طالت رئيس لائحته ماكسيميليان كراه، فإنّ «البديل» تقدّم على الاشتراكيين الديموقراطيين (14 في المئة) الذين يتزعّمون الإئتلاف الحاكم، وهي انتكاسة مريرة للمستشار أولاف شولتز.
وفي إسبانيا التي تختار 61 نائباً أوروبّياً، حضّ رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز الناخبين على التوجّه إلى صناديق الاقتراع. وقال إن «التصويت هو الذي يقرر ما إذا كان المستقبل الذي نبنيه معاً لأوروبا وإسبانيا هو مستقبل تقدم أم مستقبل تقهقر».
وفي إيطاليا، حيث بدأت عمليات التصويت السبت وتواصلت أمس، تُشير التوقعات إلى تصدر حزب «إخوة إيطاليا» اليميني الحازم بزعامة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مع ترقب فوزه بـ22 مقعداً في البرلمان الأوروبي في مقابل 6 حاليّاً. وأكدت ميلوني التي ترشّحت على رأس اللائحة في هذه الانتخابات، رغبتها في «الدفاع عن الحدود في وجه الهجرة غير النظامية وحماية الاقتصاد الفعلي ومكافحة المنافسة غير النزيهة».
وفي النمسا، حصل «حزب الحرّية» اليميني الحازم على 27 في المئة من الأصوات، ليُصبح أكبر قوّة سياسية في البلاد، وفق استطلاعات رأي. وبعدما أدلى الناخبون بأصواتهم الخميس في هولندا، برز حزب «من أجل الحرّية» بقيادة غيرت فيلدرز اليميني الحازم، حتّى وإن اكتفى بالمركز الثاني خلف ائتلاف الديموقراطيين الاشتراكيين والخضر، وفق تقديرات.
وبعد إدلائه بصوته في بودابست، أمل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في أن تُفرز هذه الانتخابات «غالبية مؤيّدة للسلام»، بينما شدّدت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن، بعد يومَين من تعرّضها لاعتداء في كوبنهاغن، على أن «المخاطر كبيرة»، مشيرةً إلى «السلامة والأمن في ظلّ الحرب في أوروبا» و»تغيّر المناخ» و»الضغط على حدود أوروبا» وتأثير «عمالقة التكنولوجيا».
وستكون المهمّة الأولى لأعضاء البرلمان الأوروبي تأييد أو إبطال اختيارات زعماء الدول الأعضاء لرئاسة المفوضية. وستجتمع الدول الـ27 في قمّة في بروكسل في نهاية هذا الشهر، وفي حال أعادت تسمية أورسولا فون دير لايين، فإنّ تصويت البرلمان، الذي يتوقع أن يحصل خلال جلسة عامة في ستراسبورغ في منتصف تموز، سيكون حاسماً.