حمض نووي قديم يكشف أسراراً عائلية عن ثقافة بدوية مفقودة في أوروبا

طوال قرون، كانت معظم مصادر المعلومات التي تسمح بفهم المجتمعات الغابرة تقتصر على قطع الفخار، ومواقع الدفن، والنصوص القديمة. لكن بدأت طريقة دراسة الحمض النووي القديم تُغيّر ما نعرفه عن ماضي البشر وما يمكن اكتشافه عنه.



حلل العلماء في دراسة جديدة المعطيات الوراثية الخاصة بمئات الأشخاص الذين كانوا يعيشون في حوض الكاربات في جنوب شرق أوروبا الوسطى، منذ أكثر من ألف سنة، فاكتشفوا أشجار عائلة مفصّلة، وصور مجتمع معقد، وقصصاً عن التغير الحاصل على مر قرون.

الآفار شعب بدوي ينحدر في الأصل من شرق آسيا الوسطى. بين القرنَين السادس والتاسع بعد الميلاد، فرضت هذه الجماعة سيطرتها على معظم شرق أوروبا الوسطى.

تشتق معظم المعلومات التي نعرفها عن مجتمع الآفار من تفاصيل كتبها أعداء هذا الشعب، منهم البيزنطيون والإفرنج، لذا يشكّل هذا البحث أداة بارزة لجمع معارف إضافية عن ذلك المجتمع.

جمع العلماء بيانات قديمة عن الحمض النووي مع السياق الأثري والأنثروبولوجي والتاريخي، فتمكّنوا بهذه الطريقة من إعادة اكتشاف نَسَب الشعب عبر تسليط الضوء على أنماط القرابة، والممارسات الاجتماعية، وديناميات السكان، في تلك الحقبة الغامضة.

تكشف النتائج الجديدة أن مجتمع الآفار كان يرتكز على نظام صارم من النَسَب الأبوي. بعد الزواج، يبقى الرجل عموماً داخل مجتمعه الذكوري ويحافظ على استمرارية نَسَبه. في المقابل، تضطلع المرأة بدور أساسي في تطوير الروابط الاجتماعية عبر الزواج من خارج محيطها العائلي. تشدد هذه الممارسة على أهمية مساهمات المرأة للحفاظ على التماسك الاجتماعي.

تشير هذه الدراسة أيضاً إلى حصول عملية انتقالية في السلالة الأساسية داخل منطقة «راكوتسيفالفا» في شمال السهل العظيم في وسط المجر، حيث طغت سلالة معينة على أخرى. تزامن هذا الحدث مع تحولات أثرية وغذائية على صلة بالتقلبات السياسية في المنطقة.

قد تكون العملية الانتقالية بارزة، لكن لا يمكن رصدها عبر دراسات وراثية مفصّلة. تستنتج النتائج الجديدة إذاً أن أي استمرارية وراثية ظاهرية قد تخفي النزعة إلى استبدال مجتمعات كاملة. قد يترافق هذا الاستنتاج مع تداعيات واسعة النطاق على مستوى الأبحاث الأثرية والوراثية مستقبلاً.