سامر زريق

فخامة الفراغ في عهد "حزب الله" ودويلته

من المفارقات السّريالية أن يتزامن إطفاء شمعة دخول السنة الثالثة من الفراغ في رئاسة الجمهورية، مع انتخاب الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً جديداً لـ"حزب اللّه".



فرغم كل الضربات القاسية التي تلقّاها، والتي أطاحت ببنيته القيادية، وعلى رأسها الأمين العام التاريخي حسن نصر الله في غضون أيام قليلة فقط، وفي ظل ظروف الحرب الطاحنة التي يعيشها، إلّا أن "الحزب" لم يقبل بالفراغ في قمّة هرميته التنظيمية.



لكم تمنى اللبنانيون أن يكون حرص "الحزب" على رئاسة الجمهورية واستمرارية المؤسسات في الدولة، مثل حرصه على انتظام آليات العمل وصنع القرار عنده، مع أن المقارنة بحد ذاتها ظالمة. ذلك أن الوطن مقدم على كل ما دونه من أحزاب وجماعات وإيديولوجيات ومصالح.



بيد أن هذه المقاربة تقودنا إلى مسألة الصراع بين الدولة والدويلة، وهي الأساس، والسياسات التي اتّبعتها الدويلة لاستباحة الدولة ومؤسساتها وتقويض شرعيتها، والتي كانت سمتها الطاغية "الفراغ".



ومع أن الفراغ في رئاسة الجمهورية يعدّ "علامة تجارية" عونية، إلّا أن ضوضاء الظاهرة العونية لا يمكنه أن يحجب بصمة "حزب اللّه" في تعميم الفراغ، وتحويله إلى ثقافة مألوفة "طبّعت" معها القوى السياسية وبعض الشرائح المجتمعية.



هذا الفراغ لا يقتصر على رئاسة الجمهورية، رأس السلطات ورمز وحدة الدولة، بل ينسحب على رئاسة الحكومة التي أفرغها "الحزب" من محتواها السياسي وجعلها ناطقة باسمه، عاملة على تلطيف صورته في الخارج. ويشتمل كذلك على عملية تشكيل الحكومات التي صارت أقرب إلى "ماراتون" مضنٍ تتساقط فيه الأسماء كأوراق الخريف.



كيف يمكن أن يتّسق ما ذكره وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال، مصطفى بيرم، حول لقائه الأخير مع حسن نصر الله قبيل اغتياله بأيام قليلة، وتأكيد الأخير على مرجعية الدولة وحدها، مع سلوك "الحزب" السياسي لمدة قاربت العقدين؟



ذلك أنه منذ دخولنا في عهد "الحزب" إثر اندحار الوصاية السورية، بدأ الفراغ يطلّ برأسه عبر الانسحاب من حكومة "الاستقلال الثاني" برئاسة فؤاد السنيورة لتجميد عملها، وابتداع فذلكة سياسية جديدة لا شرعية دستورية لها، تقوم على التشاور المسبق في المقرات الحزبية، بما يخرج عملية صناعة القرار في الدولة من سلطاتها الدستورية، ويفرض وصاية مسبقة عليها.

ومع تنامي دويلة "الحزب"، تمدّد الفراغ حتى صار حاكماً للدولة مسجلاً أرقاماً قياسية. من بضعة أشهر عقب انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، إلى سنتين و5 أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، فهل يحطم الفراغ الثالث الرقم القياسي لسلفه؟



ومع ذلك، فإن سريالية المشهد المشار إليه لا تكتمل إلّا بالعودة إلى الجذور التي يستقي منها "الحزب" إيديولوجيته، إلى إيران، حيث الكلمة الفصل ليست لدوائر الحكم الرسمية، بل لمرشد الثورة، الذي رفض حصول أي فراغ في السلطة غداة مقتل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، وهندس عملية انتخاب مسعود بزشكيان خلال أقل من شهرين.



في الوقت الذي بقي فيه الفراغ مسيطراً على رئاسة مجلس النواب العراقي لـ10 أشهر، بقرار إيراني. الأمر الذي يؤكد أن الفراغ الذي أوجده "حزب اللّه" في لبنان ليس طارئاً، بل يجسّد النموذج الاستراتيجي الذي صنعته إيران في الدول التي لها نفوذ فيها. فإما تكون دويلاتها الموازية هي صاحبة القرار، وإما يبقى الفراغ حاكماً إلى ما شاء الله تعالى.