خالد أبو شقرا

الحكومة المستقيلة "تمضي" مع Alvarez & Marsal قبل أن تمضي في سبيلها

التدقيق الجنائي تنقصه الشفافية وشكوك حول تضمينه قطبة مخفية

4 أيلول 2020

02 : 01

قانونا النقد والتسليف والسرية المصرفية حاجز بين الصلاحيات المعطاة لشركة التدقيق وحق المركزي في التستر على البيانات (فضل عيتاني)
ملأ التدقيق الجنائي في مصرف لبنان "دنيا" الحكومة المستقيلة وشَغَل وزارءها ومستشاريها. عبثاً حاولت في الشكل، البحث عن شركة تدقيق لا تجمعها صلة بالعدو الاسرائيلي. فسقطت "Kroll"، الأكثر اختصاصاً والأقل كلفة، بضربة "العمالة" القاضية. وصعدت Alvarez & Marsal بكلفة 2.2 مليون دولار، وسط ضبابية بما يمكن ان يكون قد تضمنه العقد المبرم من تسوية.





بعد نحو شهر و10 أيام على اتخاذ مجلس الوزراء في 21 تموز قراراً بالتعاقد مع شركة Alvarez & Marsal" للتدقيق الجنائي في المركزي، وقّع وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال العقد في الأول من أيلول. المسافة الطويلة الفاصلة بين اتخاذ القرار والتوقيع على ملف بهذه السخونة يعزوه البعض إلى انفجار المرفأ واستقالة الحكومة، فيما يرده البعض الآخر إلى خلاف على ما تتضمنه مسودة العقد، والعمق الذي قد يصله التحقيق. فهل من قطبة مخفية في العقد ولماذا لم ينشر بعد؟ وما الدور الذي ممكن ان يلعبه المصرف المركزي الفرنسي في عملية الاشراف على إدارة الملف؟

صياغة العقد تحدث كل الفرق

اسئلة كثيرة توصلنا، إذا ما صحّت التوقعات حول استقالة حاكم مصرف لبنان مقابل إبراء ذمته، ودخول التسوية السياسية التي يجري تركيبها حيز التنفيذ، إلى تحويل التدقيق إلى شكلي.

وهو ما يساهم في اضعاف مهمة الشركة المدققة وتفريغها من مضمونها وأهدافها أو التأثير على قدرتها باكتشاف كل الحقائق المرتجاة مع مثل هذا النوع من التدقيق المالي المطلوب.

و"هذا ما يمكن ان تتيحه اتفاقية العقد الموقع بين الحكومة والشركة المدققة"، برأي عضو جمعية "مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد - لبنان" والخبير في المحاسبة المجاز والمصرفي الاستاذ عادل كريم. "فالتعابير الفنية والمعيارية المستخدمة في صياغة العقد للتمكين من تحقيق اهداف التدقيق المالي توخياً للشفافية وللتمكين من المساءلة في مرحلة ما بعد النتائج التدقيقية، تحتم تحديد نطاق عمل المهمة، وما اذا كانت هذه المعايير مرتكزة على القوانين وأصول المحاسبة تجنباً لاحتمال تغيير المعنى كله".

وبحسب كريم "إذا كان المرتكز هو "نظام المحاسبة العمومية" وحده دون صياغة اهداف للتدقيق على سبيل المثال، فستكون النتيجة مبهمة لان لا شيء اسمه نظام محاسبة مكتمل في الدولة، بل هناك القيود والتسجيلات والجداول والمعاملات والارشيف، وهذه جميعها قد تشكل مستندات مساعدة فقط في التدقيق وتبقى صحة النتائج مرهونة بعمق البحث في مسارب الفساد المرتبط بالخروج على القوانين، وعدم تحديد مسؤوليات الموقعين على اجراءات الدفع وتحصيل أموال خزينة الدولة، ومطابقتها مع الصلاحيات الممنوحة من أعلى الهرم الاداري وصولاً الى قياداته الوسطى والتنفيذية. أما البديل الذي من الممكن ان نأخذ منه حاجتنا ونؤسس عليه محاسبة الدولة، فهو النظام المحاسبي الدولي للقطاع العام IPSAS لانه يتضمن شروطاً ضابطة لكافة اعمال وانشطة الدولة". من هنا يرى كريم ان "الشروط التي يتضمنها العقد يجب ان تكون مصاغة بشكل معياري صحيح ودقيق وتراعي الشفافية استناداً إلى المعايير وارقامها. حيث ان لكل تدقيق مالي يُطلب تعبير له في المعايير مثل: التدقيق المالي أو اجراءات متفق عليها أو مهمة محددة أو خلافه".


الشفافية غير محترمة

قطع الشك باليقين لا يتم إلا من خلال نشر النسخة النهائية الموقعة من العقد، وهذا ما لم يحصل بعد. وبرأي كريم فان "نشر العقد يعتبر ملزماً، لانه لا يوجد بالنسبة إلى الرأي العام ودافعي الضرائب أهم من قضية سرقة المال العام. هذا وتركّز أصول ممارسة مهنة المحاسبة على احترام الشفافية وعلى ان يكون العقد الموقع واضحاً وصريحاً ومعمماً على ذوي الشأن". وبحسب كريم فانه "لا توجد اتفاقيات سرية في اعمال التدقيق. ذلك ان الشركة المدققة المنوط بها كشف المشكلة لا تستطيع ان تعتم عليها. إلا اذا كانت النية بالمعالجة هي مداوة النار بالنار. ومن ناحية ثانية فان أصول مهنة المحاسبة تفرض في موادها 18 و19 ان يعمل المدقق الاجنبي مع شخص لبناني مجاز من النقابة. وهذان الشرطان لم يحترما".

عائق "النقد والتسليف"

مقابل "الهجمة" بالتدقيق الجنائي يقف كل من قانون النقد والتسليف وقانون السرية المصرفية كساتر بين الصلاحيات المعطاة للشركة المدققة وحق المصرف المركزي في عدم إظهار او كشف كل المطلوب. وهذا ما يعتبر بحسب الخبير الاقتصادي وليد ابو سليمان "بيت القصيد في عملية التدقيق". وللتذكير بقدرة حاكم مصرف لبنان على تكبيل عمل شركات التدقيق والالتفاف عليها يعود أبو سليمان إلى حادثة "فشل المدققين الخارجيين في إحصاء ذهب لبنان. لان هذه الصلاحية معطاة حصراً للحاكم، والقرار النهائي بالموافقة أو الرفض يعود له. وبالتالي فان نتيجة التحقيق ترتبط بمدى استفادة الحاكم من الغطاء الذي يوفره قانون النقد والتسليف لحماية البيانات والحسابات في المصرف المركزي والتستر على ما لا يريد كشفه".

وفي ما خص السرية المصرفية فان القانون حصر حق رفعها بـ"هيئة التحقيق الخاصة" التي يرأسها حاكم مصرف لبنان وذلك بعد اجرائها تحقيقاً في حسابات الشخص المشتبه فيه. وبرأي أبو سليمان فان "السرية المصرفية تشكل عائقاً، حتى أمام المجلس النيابي الذي فشل مؤخراً في رفع السرية عن حسابات سياسيين وموظفين في القطاع العام. ومن المفترض للوصول إلى نتيجة في التحقيق ان تعطى الشركة المدققة صلاحيات استثنائية توازي صلاحيات "هيئة التحقيق الخاصة" تسمح لها بتخطي عائق السرية المصرفية". أما عن الدور الذي ممكن ان يلعبه المصرف المركزي الفرنسي فيرى أبو سليمان انه "كما أصبح للبنان وصي سياسي سيكون هناك وصي نقدي يشرف على اعادة هيكلة القطاع والتدقيق في مصرف لبنان، وذلك بعدما اثبتنا عجزنا عن بلوغ الرشد السياسي والنقدي والمالي" وبرأيه فان "من الممكن ان يكون دوره ايجابياً ودافعاً نحو تحقيق الاصلاحات المصرفية المطلوبة".

"جبالة" المركزي

يُشبّه المصرف المركزي بـ "جبالة" الاموال والنقد، التي تختزن أسرار كل الطبقة السياسية والاقتصادية، وهو ما قد يمثل عائقاً أكبر للتعمق في التحقيقات وكشف المستور، خصوصاً مع التلويح الدولي بالعقوبات على الكثير من الشخصيات، التي لن تحتمل "بطيبة خاطر" فضحها أو اقصاءها. من جهة أخرى يتوقف المراقبون عند طرح اسم النائب السابق لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين لتولي وزارة المالية. ويتساءلون ان كان من الممكن ان تعين "المالية" شركة قد تدين وزيرها بصفته السابقة عضواً في المجلس المركزي؟

انطلاقاً من العوائق القانونية والسياسية والمالية والادارية وغياب الشفافية في نشر العقد الموقع مع الشركة المدققة، تتعاظم المخاوف من ان يكون التدقيق شكلياً، "لا يفني غنم السياسيين ولا يقتل ديب المصرف المركزي".


MISS 3