آلان بيرنستاين

تفاؤل حول اقتراب إنتاج لقاح "كوفيد - 19"

5 أيلول 2020

المصدر: The Atlantic

02 : 00

في 11 كانون الثاني، نشر فريق صيني على الإنترنت التسلسل الجينومي للحمض النووي الريبي الخاص بنوع جديد من فيروس كورونا يُسبب مرضاً غريباً يشبه الالتهاب الرئوي في مدينة "ووهان" الصينية. خلال 48 ساعة، نجح علماء في شركة التكنولوجيا الحيوية "موديرنا" في "ماساتشوستس" في تركيب كامل الجينوم. وبعد مرور 60 يوماً أطلقت الشركة، بالتعاون مع مركز أبحاث اللقاحات في المعاهد الوطنية للصحة، المرحلة الأولى من تجربة عيادية على البشر بهدف ابتكار نوع من لقاحات الحمض النووي الريبي.

منذ أن بدأ فيروس "كوفيد - 19" يتفشى حول العالم، يعمل العلماء بسرعة لافتة لمحاولة فهم هذا الفيروس والمرض الذي يُسببه وطريقة انتشاره والعوامل الكامنة وراء غياب الأعراض لدى البعض ووفاة البعض الآخر. كما أنهم يريدون معرفة أفضل مسار لابتكار أدوية جديدة أو تغيير استعمالات أدوية قديمة واختراع لقاح آمن وفعال في أسرع وقت ممكن. تعكس تجربة "كوفيد-19" سرعة العلم وقدراته الهائلة في القرن الواحد والعشرين وقوة التعاون الدولي. أنا عضو في فرقة العمل الكندية الخاصة بمكافحة كورونا وقد كلّفتني الحكومة بانتقاء اللقاحات التي يُفترض أن يشتريها البلد لسكانه. أنا متفائل بظهور لقاح آمن وفعال في نهاية هذه السنة أو بداية العام 2021. لكني قلق من احتمال ألا يحصل عليه الناس حول العالم بالتساوي.

يعود تاريخ علم اللقاحات إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين طوّر إدوارد جينير أول لقاح ضد الجدري وشكّل هذا الحدث نقطة تحوّل في الحرب القائمة بين الميكروبات والبشر. تُعتبر اللقاحات إذاً انتصاراً عظيماً للعلم الحديث، وهي تتكل بالكامل على تنشيط الآليات المناعية الواقية داخل الجسم. تمنع اللقاحات الأمراض وتتسم بتراجع كلفتها وسهولة استعمالها ومفعولها الطويل. كذلك، قد يكون اللقاح العلاج الوحيد الذي لا يفيد مستخدميه فحسب بل المحيطين بهم أيضاً لأنه يمنع تناقل مسببات الأمراض في المجتمعات.





في الربيع الماضي، توقّع معظم العلماء، بما في ذلك أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المُعدية في الولايات المتحدة، أن يتطلب إنتاج اللقاح بين 12 و18 شهراً. اعتُبرت تلك الفترة الزمنية تفاؤلية أكثر من اللزوم، أو حتى متهورة، مقارنةً بالمدة النموذجية التي يتطلبها تطوير اللقاحات وتتراوح في العادة بين أربع وست سنوات أو بين 10 و15 سنة في بعض الحالات. اليوم، يقول معظم العلماء الناشطين في مجال الأمراض المعدية، منهم فاوتشي، إن الولايات المتحدة ستتأكد قريباً من احتمال ظهور لقاح فعال ضد "كوفيد-19" في نهاية هذه السنة أو بداية العام 2021، وقد يصبح ذلك اللقاح متاحاً في نهاية العام 2021. لكنّ هذه السرعة المدهشة لم تتحقق على حساب السلامة الشخصية، بل تنجم عن تعاون عابر للحدود وغير مسبوق بين مختلف الأكاديميات والقطاعات.

يحقق اللقاح المثالي ثلاثة أهداف، فيحمي الأفراد من التقاط عدوى "كوفيد - 19"، ويمنع الآثار الحادة في حال التقاطها، ويحول دون نقل الفيروس إلى الآخرين. لا داعي ليكون اللقاح فعالاً بنسبة 100% في هذه الأهداف كلها كي يشكّل إضافة قوية إلى دفاعات الجسم ضد الفيروس.


يجري العمل اليوم على أكثر من مئة لقاح محتمل حول العالم، أحدها من إنتاج شركة "موديرنا"، وسبق وأصبح 36 منها في مرحلة التجارب العيادية البشرية. أنا لا أبني تفاؤلي بكل بساطة على لعبة الأرقام. أصبحت تسعة لقاحات محتملة اليوم في المرحلة الثالثة من التجارب البشرية، وهي الخطوة الأخيرة قبل أن تصادق عليها الجهات المختصّة. ومن الإيجابي طبعاً أن تعطي مقاربات مختلفة بالكامل نتائج أولية واعدة.

أنا متفائل أيضاً بسبب المعطيات العلمية الكامنة وراء هذه اللقاحات. تطورت التقنية الداعمة للقاحات الحمض النووي الريبي في الأصل لضخ جينات في الجسم وإعادة برمجة الخلايا كي تتصرف مثل الخلايا الجذعية. هذا النوع من العلوم بدأ يغيّر علم اللقاحات كله ولا يقتصر مفعوله على تطوير لقاح ضد "كوفيد - 19".

في ما يخص المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2، أي فيروس كورونا الجديد الذي يُسبب "كوفيد - 19"، ينجم البروتين الذي يختبره العلماء كلقاح محتمل عن التقدم الحاصل في مجال دراسة هياكل البروتينات. إنه بروتين "سبايك" الذي يشير إلى نتوءات متعرجة تظهر في جميع صور الفيروس. وبما أن معظم البروتينات تحمل أشكالاً معقدة وثلاثية الأبعاد، يتعلق الهدف الفعلي باختيار النسخة المناسبة من بروتينات "سبايك" على شكل لقاح كي يتعرف عليها جهاز المناعة فوراً عند دخولها إلى الجسم ويعتبرها دخيلة ويطلق استجابة مناعية قوية ضدها. نتيجةً لذلك، يصبح جهاز المناعة مسلّحاً بالدفاعات اللازمة ومستعداً للتحرك عند التقاط الفيروس لاحقاً.

يستعمل العلماء أيضاً سلالات مختلفة من الفيروسات الغدانية كأداة لإيصال الجينات التي تشفّر بروتينات "سبايك" نفسها وتطلق استجابة مناعية. تمّت هندسة تلك الأداة الناقلة في المختبر كي توصل الجينات إلى البشر من دون أن تتكاثر بعد إتمام مهامها. تختبر ثلاثة مجموعات على الأقل هذه الأدوات. استعمل فريق من جامعة "أكسفورد"، بالتعاون مع شركة الأدوية AstraZeneca، نوعاً من الفيروسات الغدانية المأخوذة من قرود الشمبانزي وأصبح مشروعهم في المرحلة الثالثة من التجارب على البشر. كذلك، يستخدم فريق آخر من مركز "بيث ديكونيس" الطبي، بالتعاون مع شركة الأدويةJanssen Pharmaceutica، فيروساً غدانياً بشرياً اسمه Ad26، وقد بدأت الشركة الصينية CanSino Biologics المرحلة الثالثة من التجارب على الفيروس الغداني البشري Ad5.

هذه الأمثلة كلها ليست مجرد إثبات على جمال العلوم. من خلال تسخير القوة المتزايدة للعلوم البيولوجية، يطوّر الباحثون طرقاً جديدة بالكامل لتطوير اللقاحات سريعاً.

لا يتوقف تفاؤلي على هذه النتائج الأولية الواعدة حصراً، مع أنها أساسية. بل إني متفائل أيضاً بسبب استكشاف خمس مقاربات مختلفة لصنع اللقاح المنشود. لتحقيق النجاح، لا بد من تكرار التجارب حتى بلوغ الهدف النهائي!

يتعلق عامل مهم آخر بالتعاون غير المسبوق بين العلماء حول العالم، فضلاً عن ارتفاع مستوى الشراكة بين العلماء والأطباء وشركات الأدوية والحكومات وممولي الأعمال الخيرية والهيئات التنظيمية. تتكاتف هذه الجهات كلها لتطوير لقاح آمن وفعال ضد فيروس "كوفيد-19" في أسرع وقت ممكن.

لا أعرف بعد أي لقاح سيكون الأفضل من بين تلك التي تخضع للاختبارات العيادية على البشر راهناً. قد يتبين أن جميع الخيارات فعالة في فئات عمرية متنوعة أو تختلف نتائجها بحسب وضع كل فرد. لكن من الناحية الإيجابية، تُعتبر جميع اللقاحات التي تصل إلى مرحلة التجارب البشرية آمنة وتطلق مستويات مرتفعة من الأجسام المضادة لفيروس "كوفيد - 19". حتى أن البعض ينشّط الذراع الخلوية في جهاز المناعة، وهو عنصر أساسي آخر من دفاعات الجسم ضد مسببات الأمراض الدخيلة.

تتزامن متطلبات الصحة العامة بإنتاج لقاح آمن وفعال في أسرع وقت مع تجريد هذه المهمة من أي اعتبارات سياسية والاستناد حصراً إلى البيانات التي تجمعها التجارب العيادية. أي مقاربة أخرى قد تجازف بخسارة ثقة الناس في اللقاح المرتقب، أو قد تنتج في أسوأ الأحوال لقاحاً أقل فعالية من تلك التي ستحظى بمصادقة لاحقة أو تنشر لقاحاً يعطي آثاراً معاكسة خطيرة. ستكون هذه التداعيات مأسوية على مستوى الصحة العامة.

يشكّل تطوير اللقاح والحصول على مصادقة تنظيمية مناسبة أول خطوتين من عملية طويلة. سيحتاج العالم إلى مليارات الجرعات والدولارات لإنتاج اللقاح ونشره على نطاق واسع. في خضم هذه العملية الكبرى، أخشى ألا تنفق الحكومات أموالاً كافية على تصنيع اللقاح لإعطائه إلى جميع الراشدين في العالم. لا بد من تأمين وصول اللقاح إلى الجميع بالتساوي بدل أن يكون هذا المشروع مجرّد مبادرة سخية في البلدان الغنية. هذا الوضع يصبّ في مصلحتها أصلاً. إذا انتشر الفيروس في نقطة معينة، سيصل إلى كل مكان آخر. وعند انتهاء هذه المرحلة، يجب أن تبدي البلدان استعدادها للتعاون بقدر علماء العالم ويجب أن تتحلى بالسخاء الذي أثبته حوالى نصف مليون شخص تطوعوا للمشاركة في تجربة على لقاح مضاد لفيروس "كوفيد - 19".





لم تشارك الولايات المتحدة، أغنى دولة في العالم والأولى من حيث السخاء والقيادة تاريخياً، في مختلف المبادرات متعددة الجوانب التي تهدف إلى شراء اللقاحات للبلدان النامية. حتى الآن، وافق 75 بلداً صناعياً على تمويل شراء اللقاح لتسعين دولة منخفضة الدخل. لكن لم تصبح الولايات المتحدة جزءاً من هذه المبادرة بعد.

ستصل كلفة تصنيع جرعات كافية من اللقاحات لجميع الراشدين في العالم إلى مئات مليارات الدولارات. لكن مقارنةً بتريليونات الدولارات التي تنفقها الحكومات في الوقت الراهن لمساعدة من خسروا وظائفهم وتدعيم اقتصاداتها، يبقى المشروع الذي تتراوح كلفته بين 100 و200 مليار دولار بوليصة تأمين لا تستطيع البلدان النامية تحمّل كلفتها. إذا تمكن الناس في كل مكان من الحصول على لقاح آمن وفعال ضد فيروس "كوفيد-19"، بغض النظر عن جنسهم وانتمائهم العرقي ولون بشرتهم ومستواهم المادي، سيخرج العالم من هذا الوباء وهو أقوى مما كان عليه. جاء فيروس كورونا ليغطي على التحديات العالمية الأخرى، بما في ذلك التغير المناخي وتطوير أشكال عملية من الطاقة المستدامة، فلم تعد هذه المسائل على رأس الأولويات. حين ينتهي هذا الوباء، يجب أن نُجدد تركيزنا على المشاكل التي كان يواجهها العالم قبل زمن "كوفيد - 19". وفي حال نجحنا في استئصال العدوى الجديدة بفضل العلم والتعاون العالمي، لنتخيل الإنجازات الأخرى التي نستطيع تحقيقها!


MISS 3