روي أبو زيد

"من القلب للقلب" تساعد أطفال بيروت المنكوبين

5 أيلول 2020

02 : 00

جدارية لفتاة لبنانية أصيبت بجروح في وجهها جرّاء انفجار الرابع من آب (أ ف ب)

"إنها المرة الخامسة التي نرمّم فيها منزلنا"، تقول مريم ذلك وهي تحاول إغلاق باب منزلها المخلوع في منطقة الكرنتينا.

"رممناه في المرة الأولى خلال القصف السوري، مرتين بعد إصابة منزل جيراننا بقذيفة، والرابعة جرّاء انفجار الغاز في الدورة"، تتنهد مريم وتكمل: "لم نعد نستطيع التحمّل أكثر في هذا البلد".

تنده مريم ابنتها البالغة من العمر ثلاثة أعوام والتي كانت نائمة عند وقوع الانفجار، فاستيقظت على وقع صوت التهدّم وشظايا الزجاج تتطاير عليها. تقول مريم: "دخلت غرفتها ورأيتها مضرّجة بالدماء"، تسكت، تدمع عيناها وتتابع: "كان المشهد مفزعاً، ظننت أنني خسرت وحيدتي". فجأة يقرع الباب، ليدخل شاب من حملة "من القلب للقلب - قلبنا عقلبك يا لبنان" حاملاً في جعبته كيساً، سلّمه للوالدة وهمّ سريعاً.

يحتوي الكيس على علبة حليب ونوع من الحفاضات يناسب مقاس ابنة الثالثة. أخذت مريم علبة الحليب بحماسة، فتحتها وصنعت كوباً لابنتها التي لم تتذوّق طعم الحليب منذ أكثر من شهرين.

علا صوت الوجع، الفقر يعضّ اللبنانيين بأنيابه الموجعة وأصبح هؤلاء يعيشون في دوامة الفقر والجوع. وجوه مسح الحزن ملامحها وعيون ذابلة، طالبة، خجولة ودامعة.

لكنّ الإنسانية تبقى العنوان العريض والأساسي في حياة الكثيرين الذين يهبّون لمساعدة إخوتهم في الإنسانية، بمعزل عن دينهم أو عرقهم أو لونهم. وتأتي حملة "من القلب للقلب" لترطيب صحارى هؤلاء الشاسعة وإضفاء القليل من الأمل في ظلّ الألم الذي يعيشونه.

وتشير مؤسسة الحملة المحامية سوزان مهنّا في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّ "الحملة بدأت في 15 آذار الفائت في ظلّ انتشار فيروس "كورونا" وتوسّع هوّة الفقر والعوز في العائلات اللبنانية".

وتضيف أنّ "الفكرة بدأت عائلية وتوسّعت بعد تلقّي مساعدات أصحاب الأيادي البيضاء"، مردفة "أننا بدأنا توزيع 400 حصّة غذائية لتتوسّع دائرة المساعدات وتطال المناطق اللبنانية كافّة".





"خلال التوزيع علت الصرخات مطالبةً بتأمين الحليب وهكذا حصل، حاولتُ تأمينه مع الحفاضات وتوزيعه على الأمهات المحتاجة"، تؤكد مهنا. وتقول: "رحتُ أجمع لوائح الأسماء من خلال طلبات المساعدة التي تردني عبر "ماسنجر" و"فيسبوك" و"واتساب" والهاتف. تطوّع بعض الشباب لتوزيع الحصص الغذائية وأهمها الحليب والمواد الاساسية، علماً أنّ البعض منهم عراقيّ الجنسية وليسوا كلّهم لبنانيين". وتؤكد مهنا: "لم أعد أدقّق كثيراً في حالة الناس الإقتصادية، إذ من يطلب كيس حفاضات بـ 15 ألف ليرة لن يكون وضعه المالي جيّداً!"، مضيفة أنّ "تأمين الحليب كان صعباً خصوصاً وأنه يختلف من ولد الى آخر كالـ Antireflus والـLactose Free".

وتوضح أنّ "98 بالمئة من التبرعات مصدرها من الأصدقاء المغتربين، خصوصاً وأنّ المساعدات قد خفّت داخلياً مع تردي الأوضاع الإقتصادية"، مشددة على "أننا نؤمّن الحاجات الاساسية من اللحم الحيّ".

ومنذ وقوع انفجار الرابع من آب، سلّمت الحملة أكثر من 800 علبة حليب وكيس حفاضات. وتقول مهنا بهذا الخصوص: "وجع الناس ودعواتهم لي هما الدافع الأساسي لاستكمال مهمّتي بالرغم من العقبات التي أصادفها". وتضيف:"طالما أنّ الله يرزقنا سنتابع مهمّتنا. فلس الأرملة مهمّ جداً خصوصاً وأنّ مصدره قلوب المحبين". وتتوجّه مهنا الى الذين هم بحاجة بالقول: "نحن نقف الى جانبكم ونشدّ على أيديكم. لا تخجلوا من الطلب، فأولادكم هم أولادنا، ودمعتهم هي الأغلى".

أما للبنانيين فتقول: "يستحق لبنان أن نتعاضد ونتكاتف. أنا حزينة على ما آلت إليه الأوضاع، لكنّ كلّ واحد منا يمكنه أن يمدّ يد المساعدة من موقعه. علينا أن نجعل أقوالنا مقترنة بالأفعال كي ندعم بعضنا البعض ونجعل وطنيّتنا تتغلّب على زواريبنا الضيّقة". وتعرب مهنا عن شكرها "للبنانيين الذين يعيشون في المهجر، إذ بفضلهم تستمر مهمّات المساعدة وما زالت بعض العائلات مستورة". وتلفت مهنا: "أشعر بوجع الأمهات لأنني أمّ بدوري. أتصدّق أنني غيّرتُ نوعية كيس الحفاضات لابنتي، إذ بتّ أشتري لها علبة بـ 20000 ليرة لبنانية بعد أن بات سعر كيس الحفاضات أكثر من 80000 ليرة لبنانية".

وتقول: "لاحظنا أخيراً نشوء بعض الصفحات على "فيسبوك" التي تقضي بمقايضة الناس أغراضها بعضها لبعض كي تؤمنّ حاجاتها الاساسية. على هؤلاء ألّا يخجلوا لأنهم يطالبون بتأمين لقمة عيش أو كوب حليب لأولادهم!"

وخلال الحوار معها، ينقطع خط مهنا لتتصل بنا مجدداً بعينين دامعتين وتقول: "وردني اتصال من أم تريد كيس حفاضات لأولادها التوأم، إذ قالت لي: الله يخليكي، اعطوني حفاضات وبعدين حليب. عندي توأم وعم حفّضن بكياس نيلون وقماش".

وتلملم الأحياء المجاورة لمرفأ بيروت جراحها مع حركة خجولة في أزقتها، بعد شهر من فاجعة أودت بحياة 191 شخصاً على الأقل وتسبّبت بإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، عدا عن وجود سبعة مفقودين على الأقل، وفق تقديرات رسمية.

وتقول كلوديت من داخل محلها في شارع الجميزة المجاور لمار مخايل: "تدمّر كل شيء هنا، لكنني قررت البدء من جديد، لأنه ليس لدي خيار آخر". وتضيف "زوجي لا يعمل.. وابني طُرد من عمله بسبب الأزمة الاقتصادية. لديه ولدان وإيجار منزل وأنا مضطرة لمساعدته" في خضم أسوأ انهيار اقتصادي تشهده البلاد منذ العام الماضي حرم عشرات الآلاف من وظائفهم أو جزءاً من مداخيلهم.

ومنذ الانفجار، يعمل أفراد منظمات ومتطوعون وعمال كخلية نحل في الأحياء التي لحقها الدمار. يحصون الأضرار ويوزعون المساعدات والمواد الغذائية التي تتدفق الى لبنان من دول عدة ويساعدون السكان على استبدال أبواب منازلهم ونوافذها.

وقدّر البنك الدولي قيمة الأضرار والخسائر الاقتصادية الناتجة عن الانفجار بأنها تتراوح بين 6,7 و8,1 مليارات دولار، بينما يحتاج لبنان بشكل عاجل إلى ما بين 605 و760 مليون دولار للنهوض مجدداً.

وشرّد الانفجار نحو 300 ألف من سكان بيروت بعد تضرر منازلهم أو دمارها وانقطاع الخدمـــات الأساسية عنها.




خلال الجولة على أحياء الجميزة، يمكن معاينة صورة فتاة علّقت على واجهة حانة. إنها روان، النادلة التي قضت في الانفجار وتصدّرت قصتها وسائل الاعلام بعدما بكتها عائلتها وصديقاتها، يعاود بعض الزبائن التردّد إلى المكان بعد فتح أبوابه وإصلاح الأضرار. ويوضح مالك الحانة إيلي خوري: "لم نُعِد فتح أبوابنا من أجل جني المال، أعدنا فتحها لنظهر أن الحياة يجب أن تستمر، إنها رسالة حياة". ويضيف "تعرضنا في تاريخنا لحرب وقصف وانفجارات. وفي كل مرة كنا ننهض من جديد وسنواصل فعل ذلك. إنّها معركتنا، وهي معركة وجود".

تقول الأم تريزا: "عندما نموت لن يسألنا الله عن كمية الأعمال الجيدة التي قمنا بها في حياتنا، بل سيسأل عن مقدار الحب الذي وضعناه في هذه الأعمال".

يبقى الحب هو الرابط الذي يجمع الناس في نهاية المطاف، لذا مفاعيل حملة "من القلب للقلب" وحملات كثر ستثمر خيراً ونوراً بالرغم من الظروف القاتمة التي تحيط بلبنان.

لــــــلإتــــــصــــــال والـــــــتـــــبــــــرّع

التواصل عبر "فيسبوك" على Facebook.com/menaleblalaleb  أو الإتصال على  70862612 



MISS 3