سامي نادر

إلى ماكينزي درّ

14 آب 2019

01 : 15

تشكـّل خطة ماكينزي ركناً أساسياً لبرنامج سيدر الإصلاحي، وذلك إلى جانب مشاريع الإستثمار في البنى التحتية، وإصلاحات المالية العامة بغية تقليص عجز الخزينة. وقد تكون خطة ماكينزي الأهم من بين تلك الإصلاحات الأساسية لأنها تهدف إلى إطلاق دورة النمو عبر سلة من السياسات والتدابير التي تهدف جميعها إلى تعزيز القدرة التنافسية للإقتصاد اللبناني.

وتكتسب "ماكينزي" أهمية إستثنائية في هذه اللحظة لأنها البرنامج الوحيد المتوفر لإخراج لبنان من حالة الركود المستفحلة للسنة الثامنة على التوالي. فإطلاق محركات النمو، أو بعض منها، يشكل اليوم أولوية الأوليات لا سيما بعدما بلغت البطالة أرقاماً قياسية، وتداعي قطاع الإنتاج الذي يعاني منسوباً هائلاً من الضغوط لم يعرفه في السابق .

على رأس هذه الضغوط إرتفاع أسعار الفائدة بشكل جنوني نتيجة تفاقم عجزي الخزينة وميزان المدفوعات. فسياسة إستقرار النقد والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، والتي لم يتزحزح عنها المصرف المركزي قيد أنملة، ليست من دون كلفة، بخاصة مع تأخر إصلاحات المالية العامة. وأول من يتكبدها، هو الشركات والمؤسسات، الصغيرة والكبيرة منها، لا سيما تلك المقترضة لدى المصارف اللبنانية، وتشكل الغالبية الساحقة من قطاع الإنتاج، والتي رأت نفقاتها المالية ترتفع بشكل مخيف في الفترة الأخيرة ما أدى إلى تقلص هامش أرباحها إلى أقصى الحدود حتى بات عدد منها مهدداً بالإقفال.

أضف إلى ذلك زيادة الضرائب والرسوم الإضافية التي حملتها موازنة 2019 والتي طاولت نفقات الإستيراد والموارد البشرية لا سيما على العمالة الأجنبية. كل هذا يأتي ليفاقم كلفة إنتاج هي في الأساس مرتفعة نتيجة أسعار العقارات والكهرباء والإتصالات وكلها من الأغلى في العالم. لم تستطع أي من الحكومات التي توالت منذ أكثر من عقدين، إجراء إصلاحات هيكلية من أجل تخفيضها وتعزيز قطاع الإنتاج اللبناني.

ومن هنا رحبنا بـ"سيدر" كخطة هادفة إلى تعزيز إنتاجية الإقتصاد اللبناني. صحيح أن هذه الخطة لا ترقى إلى مستوى الرؤية الإقتصادية الشاملة، وهي أصلاً لا تدعي ذلك، ولا تحمل بعداً إجتماعياً كما وأنها لا تغطي سائر القطاعات الإقتصادية. لكنها من دون شك خطة متماسكة وقابلة للتطبيق، والأهم أنها حصلت على موافقة مجلس الوزراء قبيل ذهابه إلى "سيدر" كما ولاقت هناك ترحيباً لا بل تبنياً دولياً.

الغريب أن "ماكينزي" غابت عن السمع عند تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات وتوارت كلياً عن الأنظار عند "تركيب" الموازنة. ولا عجب في ذلك، فمن جهة لا مكان لمحفزات النمو في موازنة الرسوم والضرائب ولا حيز لإصلاحات "ماكنزي" الهيكلية في نظام المحاصصة. وبالرغم من ذلك نقول خطة ماكينزي شكلت نقطة إيجابية في مسار عهد...إذا ما طبقت تكون بالتأكيد من إنجازاته.


MISS 3