مايا الخوري

السرطان نتيجة مباشرة للحرب... لا تهملوا الفحوصات الدورية والعلاج!

بيّنت الدراسات تأثير الحرب في ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان، حيث لوحظ بعد مرور عشر سنوات من حرب الفييتنام التي استخدمت فيها المبيدات الحشرية ارتفاع الحالات بشكل دراماتيكي، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية و"هيروشيما". كما لاحظنا في لبنان وفق إحصاءات تقديرية ارتفاعاً في نسبة الإصابة في الجنوب مقارنةً مع سائر المناطق اللبنانية. فأي أنواع سرطانية تتفاعل بعد الحرب وما سبل الوقاية؟


الأمراض المرتبطة بالدم كاللوكيميا واللمفوما، وسرطان الثدي والرئة والجهاز التنفسي والجلد والجهاز البولي من الأنواع السرطانية التي تزيد أكثر من سواها كنتيجة مباشرة للحروب، وفق ما تؤكد الدكتور ميرنا الحاج اختصاصية بأمراض الدم والأورام، وذلك لأن المواد المستخدمة في القذائف والرصاص، ترتفع في الهواء لتهبط مجدداً على الأرض حيث تتغلغل في المياه الجوفية. "للأسف تتطوّر هذه المواد عبر العصور ويُستخدم فيها اليورانيوم ومعادن أخرى سامة نتنشّقها لتؤثر تدريجاً في تغيير معالم الخلايا حتى تصبح سرطانية وتتكاثر".


ورداً عن سؤال حول التداعيات الصحية للمواد المستخدمة في القذائف الفوسفورية، تقول: "يستخدمون عادة الفوسفور الأبيض الذي ينتشر بطريقة كثيفة، رغم أن استخدامه غير قانوني. ويسببّ الأسيد الفوسفوريك حروقاً كبيرة كونه يلتصق بالأسطح والأرض وتصعب إزالته. عند تنشّقه، نتعرّض لحروق والتهابات وتقرّحات قد تتفاعل مستقبلاً لتتحوّل إلى سرطان. إلى ذلك، تحتوي الأسلحة والذخائر على يورانيوم ومعادن، فعندما كانت تقصف المخازن، تنشّقنا أيضاً هذه المواد التي ترفع نسبة سرطان الرئة والجهاز التنفسي".

أمّا بالنسبة للعوامل غير المباشرة، فتمثلت بالنزوح الذي رافق الأهالي خلال فترة الحرب، بظروف معيشية واجتماعية غير مناسبة لإجراء فحوصات دورية ضرورية، حيث لاحظنا ارتفاعاً بسرطان الثدي وعنق الرحم.


من جهة أخرى، تشير د. الحاج إلى أنه لا يمكن غضّ النظر عن مشاعر القلق والضغط النفسي الذي يؤثر في الخلايا ويحوّلها إلى سرطانية "حيث بيّنت الدراسات أن الضغوط النفسية تخفّض مستوى المناعة المدافعة عن جسم الإنسان بوجه الخلايا القابلة للتغيير والفيروسات الخارجية. فعندما تضعف المناعة، تستيقظ الخلايا السرطانية وتتكاثر".


وعن التحديات التي تواجه المرضى حالياً تقول: "يشعر من يخضع للعلاج بالقلق من تداعيات الوضع الأمني واضطراره إلى زيارة مركز صحي بعيد عن مكان سكنه، من دون أن ننسى الهاجس الذي عاشه المرضى في مرحلة الحرب والخوف من الحصار وعدم تأمين الدواء". مشيرة إلى انعكاس هذا القلق على فرصة التجاوب الإيجابي مع العلاج، لذلك "نحاول مساندة المريض نفسياً وطمأنته واعطائه أدوية مهدئة لتخفيف توّتره".


ويكمن الشقّ الآخر من التحديات، "بتأجيل بعضهم الكشف المبكر عن المرض، مثل عدم خضوع النساء لصورة الثدي الشعاعية وفحوصات الدم، والرجال لفحوصات البروستات. حيث تؤثر الظروف العامة حكماً في إجراء الفحوصات الدورية، مثلما حصل في فترة "الكوفيد" والحروب السابقة، فنكتشف المرض بعد انتشاره، ما يؤثر في نسبة الشفاء"، مضيفةً: "من دون أن ننسى أيضاً عدم قدرة المريض على دفع التكاليف وتأمين الدواء المناسب، فيضطر إلى تعديل العلاج ونوع الأدوية، علماً أن أفضلها متوافر في لبنان. إلى ذلك ثمة من يرفض العلاج لعدم قدرته على تأمين المال أو يرى أن أولويته مختلفة حالياً".


وبالنسبة إلى دور وزارة الصحة في هذا الإطار، تجيب: "لها الدور الأكبر في دعم المريض لكنها تواجه حالياً تحديات ما بعد الحرب. رغم أن عدد الحالات السرطانية في لبنان أعلى من سائر الدول العربية حيث تشير الإحصاءات التقريبية إلى 160 مريضاً لكل حالة سرطانية على 100 ألف لبناني. ونعزو ذلك إلى الحروب المتتالية، ونوعية القذائف التي تعرّضنا لها، إضافة إلى ارتفاع منسوب الضغط النفسي عند المواطن القلق تجاه تأمين عائلته في هذه الظروف الصعبة".


وتشدد على ضرورة التعاون بين وزارتي الصحة والاقتصاد لتحقيق الرقابة المشددة على صعيد المياه والغذاء وكيفية تخلّص المعامل من ترسّباتها لئلا تلوّث المياه الجوفية والهواء. وتدعو د. الحاج رغم الظروف الصعبة، إلى إجراء الفحوصات الدورية الخاصة بالكشف المبكر عن المرض لدى النساء والرجال، لأنها قادرة على تغيير مجرى الحياة، وتبقى تكاليفها أفضل من كلفة العلاجات الطويلة التي تنعكس حكماً على حياة المريض وحياة محبّيه. وتدعو كل من لديه مريض في العائلة إلى الخضوع لفحوصات تشخيصية وقائية دورية مثل فحوصات الدم الجينية التي يمكن أن تحدد ما إذا كان الشخص معرّضاً للإصابة بالمرض.


د. ميرنا الحاج


قيود وزارة الصحة المجحفة

تأسف د. الحاج لفرض وزارة الصحة قيوداً في علاج السرطان، وتقول: "هي مجحفة قليلاً في عدم تغطيتها لعلاجات معيّنة، وتجاه المرضى اليافعين الذين لا يملكون كلفة العلاج الجيّد. لذلك يجب أن تؤمن لها الدولة اللبنانية التمويل اللازم لتتمّكن من تأمين الكلفة خصوصاً للمرضى الصغار. ويجب أن تشجع أكثر الفحوصات الدورية وتأمينها مجاناً في المراكز الصحية الأوّلية والمستشفيات الحكومية.