د. جوسلين البستاني

الاغتيال الثاني لقاسم سليماني

ليس من خفايا الأمور أن تكون إيران وراء من يؤجّج الصراعات في الشرق الأوسط ويضع الاستراتيجيات، غير أن انتخاب دونالد ترامب مؤخراً رئيساً للولايات المتحدّة جعلها تُسارع إلى إطلاق ما يُعرف بـ "حملة الهمس". إنها حملة مماثلة لتلك التي أطلقتها عام 2006، يوم قرّرت إدارة جورج بوش نقل ملف إيران النووي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن، الأمر الذي أرادت طهران تجنّبه بأيّ ثمن.



تماماً كما يحصل حالياً حيث يواجه النظام الإيراني تحدّيات داخلية وخارجية، كانت الدافع به إلى التأكيد على انفتاحه على المفاوضات مع إدارة ترامب لحلّ القضايا النووية والإقليمية. في الوقت نفسه علّق خِططه لشنّ هجوم انتقامي على إسرائيل، وصولاً إلى إيفاد علي لاريجاني، أحد مُستشاري المرشد علي خامنئي إلى بيروت لِحثّ "حزب الله" على قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل. لم تمضِ 48 ساعة، حتى أعلن لبنان عن انفراجة في إمكانية التوصّل الى اتفاق بقي غامضاً إلى أن تمّ إبرامه. ربما بسبب بنوده التي لطالما ادّعى "حزب الله" أنه لن يوافق عليها. بالتالي، وبعد أن طلبت طهران من "حزب الله" مساندة غزّة عادت ودَعَته إلى إيقاف الأعمال الحربية.



بالطبع كُتب الكثير عن الأسباب التي أدّت إلى هذا القرار، سواءً كان من بينها تدمير إسرائيل لـ "حزب الله" الذي اعتقد أن بإمكانه فرض قواعد اشتباك عليها، أو الأزمات الاقتصادية في الداخل الإيراني، أو حقيقة أن إيران قلّلت من شأن قوّة إسرائيل العسكرية. تلك القوّة التي ساهمت في إسقاط نظرية «حلقات النار» أو استراتيجية قاسم سليماني، القائد الراحل لفيلق القدس، والتي تهدُف إلى خنق إسرائيل عبر تطويقها والالتفاف عليها كالسوار حول المعصم.


بالطبع أذرع ايران الإقليمية هي التي أوكل اليها سبع جبهات قتالية تشمل لبنان وسوريا والعراق والضفة الغربية وغزة واليمن وإيران. من الواضح أن هذه النظرية فشلت، يكفي النظر إلى ما حلّ بغزّة وحماس و"حزب الله" وما يحصل حالياً في سوريا. لكن العامل الأهمّ في نظرية "حلقات النار" وفق سليماني، هو منطق الجهاد الذي يسترشد به أتباعها، وهو منطق قد يعترف بالخسارة في ساحة المعركة، لكنه يعود ويؤكّد أن سقوط الشهيد شبيه بسقوط شجرة الزيتون التي ينبت من بعدها عدّة أشجار.


بمعنى آخر، إنه وضع مُطلق لا حدود له وما يُعرف بـ "اليوم التالي"، له اعتبارات مختلفة من بين تبعاتها بعض الإشارات غير المُطمئنة. كأن يُكرّر مثلاً أحد قادة "حزب الله" تمسّكه بمعادلة "الشعب والجيش والمقاومة" وهو إصرار على تقاسم المخاطر مع جميع اللبنانيين، مستوحى من أقوال ماو تسي تونغ كمُعظم معادلات "حزب الله". من بينها على سبيل المثال "البيئة الحاضنة" التي تلتقي مع الثائر الذي يجب أن يكون ”في الشعب مثل السمكة في الماء“. لكن غاب عن بال قادة "حزب الله" أن وصفات ماو تسي تونغ لم تكن أُمميّة، فهو كان يتكلّم عن سمكة صينية في الماء الصيني. أما تلك المُتعلّقة بمفهوم الربح والخسارة، فاقتناع ماو تسي تونغ أن الإبادة الكاملة للجيش الأحمر وحدها تُشكّل هزيمة كاملة، أيضاً لا ينطبق في السياق الحالي على ما يُروّجه "حزب الله" عن استمرارية المقاومة وذلك مهما كابر.



2 / 2

من جهة أخرى، هل سنشهد تكراراً لعدم الالتزام بالقرار 1701 تماماً كما حصل عام 2006 وبالتحديد من قبل "حزب الله"؟ هنا، لا بد من التذكير بالمقابلة التي أجراها الأمين العام لـ "حزب الله" في 14 سبتمبر 2006 مع "رويترز" بعنوان "ما زلنا موجودين في جنوب لبنان"، حيث قال إن جماعته لا تزال موجودة في جنوب لبنان. ثم أضاف في الجزء الثاني من المقابلة التي بثّتها "الجزيرة" لاحقاً، إن "المقاومة موجودة جنوب نهر الليطاني وفي عموم جنوب لبنان". كلام أعاد تأكيده مؤخراً النائب حسن فضل الله لكن بصياغة مختلفة.



الظروف تبدّلت على الرغم من بعض المحاولات الهادفة إلى إثبات العكس. فاستعداد "حزب الله" لإقامة تشييع لأمينه العام السابق هدفه الأول حشد الجماهير للتأكيد على حجمه الشعبي واستمداد شرعية فقدها لكي يستمرّ في سطوته على الدولة. يُقال إن الأوهام الجماعية تنبع من الأعراف الثقافية التي تُعمي عن الحقيقة المُرّة، بالتالي، لا بُدّ أن يُعطى "حزب الله" وجمهوره بعض الوقت لكي يُدركا ما حصل.