ريتا ابراهيم فريد

بروفسور علي المقداد من واشنطن:الخوف من "كورونا" سيزداد ومقبلون على الأسوأ

12 أيلول 2020

02 : 00

مع بداية انتشار فيروس الكورونا منذ أشهر، التزم قسم كبير من اللبنانيين بإجراءات التعبئة العامة ولازموا منازلهم لفترة، حتى شعروا بأنهم اقتربوا من الإنتصار على الوباء. ثمّ قرّرت السلطة إعادة فتح البلد. وبدأنا نشهد تدريجياً على ارتفاع كبير في أعداد الإصابات، إضافة الى وفيات يومية."نداء الوطن" تواصلت مع رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية للصحة العامة في جامعة واشنطن البروفسور علي المقداد، الذي سبق وحذّر مراراً من خطورة وصول لبنان الى هذه المرحلة، وشدّد أكثر من مرة على ضرورة إقفال البلد.

بعد مرور حوالى تسعة أشهر على ظهور أول إصابة، كيف يمكن تقييم وضع الكورونا اليوم بشكل عام؟


للأسف نحن مقبلون على الأسوأ، لأننا سندخل في فصلي الخريف والشتاء، وهذا الفيروس ينتشر أكثر في مثل هذه الظروف المناخية. ولحسن الحظ أنّ بداية انتشار الكورونا في بلدان عدة ومنها لبنان كانت خلال الدخول في مرحلة فصل الصيف، وهذا الأمر ساعد كثيراً. لكن كلّما تقدّمنا في اتجاه الشتاء كلّما ازداد الخوف وارتفع عدد الإصابات والوفيات.


هل علينا إذاً أن نعتاد على التعايش مع الكورونا الى الأبد؟


يجب أن نعتاد على التعايش معه حتى نتوصّل الى تصنيع لقاح فعّال، علماً بأنّ معظم الدراسات تتحدّث عن أمل كبير في توفّر هذا اللقاح. لكن الى حين التوصّل إليه وتوزيعه على كلّ البلدان، يجب أن نتعايش مع الفيروس وأن نكون واقعيين في إدراكنا أنه وباء سريع الإنتشار، وبالتالي على كلّ شخص أن يتحمّل مسؤوليته في ارتداء الكمامة والالتزام بإجراءات الوقاية والتباعد.



بروفسور علي المقداد



هل ترى أنّ الدولة اللبنانية تصرّفت بطريقة صحيحة مع هذا الوباء منذ البداية؟

مع بداية انتشار الوباء كان تصرّف الدولة اللبنانية ممتازاً. وعندما التزمت بالإقفال وأجّلت تفشّي الوباء كان القرار سليماً جداً. لكنّها أخطأت للأسف حين قرّرت فتح المطار من دون أن تكون الإجراءات المتّبعة كافية لمنع دخول المرض الى البلاد. بالإضافة الى أنّ الاجراءات التي كانت متّبعة في الداخل لم تكن كافية أيضاً لمنع انتشار المرض، فقرار فتح البلد كان متسرّعاً أيضاً، بخاصة المطاعم وأماكن السهر.


أطلقتَ تحذيرات متكرّرة وشدّدت على ضرورة إقفال البلد، رغم أننا كنا حينها في مرحلة شعرنا فيها أننا بأمان من الوباء. ماذا حصل؟


عندما تمّ إغلاق البلد في البداية وتوقّف المطار عن استقبال الوافدين، كانت نسبة انتشار الوباء في لبنان قليلة جداً، وبالتالي هذا الإغلاق أوقف انتشار المرض وسمح لنا بشراء الوقت لنتمكّن من السيطرة على المرض، وهذا الأمر ساعد لبنان على عكس بعض الدول الأوروبية التي قرّرت الإقفال حين كان المرض قد تفشّى بقوة. لكن عندما فتح المطار في لبنان لأول شهر ولم تظهر الحالات المصابة، شعر الناس بأنّهم اجتازوا مرحلة الخطر، وهذا الشعور خاطئ، وقد حذّرنا مراراً من هذا الموضوع، وشدّدنا على أن الكورونا لا يزال موجوداً في لبنان، وعليكم أن تتخذوا الوقاية اللازمة كي تمنعوا انتشاره، لكنّ ذلك لم يحصل.

كان من الضروري إذاً أن تكون إجراءات فتح البلد تدريجية ضمن خطّة مدروسة، وأن تبدأ بالمهمّ، وهذا ما لم يحصل في لبنان. وطبعاً يضاف الى ذلك انفجار المرفأ والأزمة الإقتصادية والمعيشية، وهي عوامل لعبت دوراً سلبياً في تفشّي المرض أكثر.

نرى اليوم ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات والوفيّات بسبب كورونا. في المقابل، الإقفال ليس منظّماً، إضافة الى أنّ هناك ثلاثة مستشفيات متضرّرة بشكل كبير. ماذا ينتظرنا في لبنان برأيك؟

برأيي أنّ المستشفيات الميدانية التي حصل عليها لبنان كمساعدات بعد الانفجار ساعدت قليلاً على تخفيف الضغط عن المستشفيات اللبنانية، بحيث أنها استقبلت عدداً كبيراً من المرضى والجرحى. وخوفي كان دائماً على استمرارية المستشفيات في لبنان. ففي مختلف دول العالم تعاني المستشفيات اليوم من صعوبات مالية كبيرة وتقترب من الإفلاس. والوضع في لبنان على صعيد المستشفيات صعب جداً، ونحن نعلم أن الدولة مدينة للمستشفيات بمبالغ كبيرة، في حين أنه كان يجب حماية المستشفيات وتسديد كل المستحقّات لها، وأن تقوم الدولة بتسليفها مبالغ من المال لتضمن استمراريتها.


يُحكى اليوم عن لقاحات متعدّدة في أميركا وروسيا، مع الإشارة الى أنّ الأخيرة شارفت على نهاية الأبحاث واللقاح الروسي بات قريباً. ما صحّة هذه المعلومات؟


يتمّ اليوم اختبار عدد من اللّقاحات، وقد وصل البعض منها الى المرحلة الثالثة. وعدد اللقاحات في العالم التي وصلت الى مرحلة متقدّمة يبلغ عشرة. في روسيا مثلاً قرروا الاعتماد على اللقاح من دون المرور بالمرحلة الثالثة. لكن في أميركا وصل اللقاح الى المرحلة الثالثة بانتظار ترخيص الـFDA رسمياً. وأنا أتوقّع أن يُعطى الترخيص بسرعة وأن يتوفّر اللقاح من Oxford ومن أميركا ومن الصين قبل نهاية هذا العام، بحيث يتمكّن الناس من الحصول عليه في بداية العام المقبل. الى الآن توصّل العلماء الى لقاح قائم على جرعيتن وليس جرعة واحدة، وبالتالي سيتمّ تصنيع ثمانية مليارات لقاح كدفعة أولى، وبعد مرور شهر يتمّ تصنيع ثمانية مليارات أخــــرى كدفعة ثانية.





ما رأيك بالعلاج في إيطاليا عن طريق استخدام البلازما؟


لا بدّ من الإشارة الى أنّ هذا العلاج يتمّ اعتماده اليوم في دول عدّة وليس مقتصراً فقط على إيطاليا. وقد سمحت الـFDA الأسبوع الماضي باستخدام هذا العلاج عند الضرورة. لكن حتى يومنا هذا لا يمكن أن نقول أنّه علاج فعّال بنسبة مئة في المئة. وعلينا أن نتذكر أنه في البداية ظهرت أخبار وأحاديث عن علاجات متعددة، ثمّ تبيّن لاحقاً أنها غير فعالة مثل الإيدروسيكلوروكين على سبيل المثال.


ما تعليقك على الأخبار التي تشير الى أنّ الكورونا شارف على نهايته؟


هذه الأخبار لا ترتكز على قاعدة علمية. فالكورونا مثل أي وباء، لا يمكن القضاء عليه الا عندما نتوصّل الى لقاح فعّال وعلاج فعّال أيضاً. وعلى عكس هذه الأخبار، أنا متخوّف من انتشار أكبر للكورونا، إذ يمكن له أن يطوّر نفسه مما سيزيد من انتشاره ويقلّل من فرص السيطرة عليه.

هناك سؤال يطرحه كثيرون، هل يمكن للمتعافي من كورونا أن يصاب مرة أخرى؟

للأسف المعلومات الجديدة تشير الى أن عدداً من الأشخاص في الصين وفي آسيا يخضعون للمراقبة، إذ تبيّن أنهم أصيبوا مرة جديدة بالوباء بعد مرور ثلاثة أشهر ونصف الشهر على إصابتهم الأولى. الدراسات تشير الى أنه كلما كانت عوارض المرض أصعب، كلّما ارتفعت المناعة أكثر، علماً أنّ هذا الأمر ليس مؤكداً مئة في المئة. والمعلومات المتوفّرة اليوم تشير أيضاً الى أنّ المناعة تنخفض مع مرور الوقت، وأنّ هناك عدداً من الأشخاص أصيبوا بالفيروس للمرة الثانية.


ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها في لبنان اليوم بخصوص الكورونا؟


هناك أمر مهمّ يجب القيام به، وقد طلبتُ من وزارة الصحة اللبنانية أن تتنبّه له. من المهمّ اليوم أن نحصي العدد اليومي للإصابات، لكن بموازاة ذلك، وكي يتمكّن المسؤولون في وزارة الصحة في لبنان من اتخاذ القرارات السليمة، عليهم أن يعرفوا نسبة الفحوصات الايجابية من مجمل عدد الفحوصات. ولو تنبّه اللبنانيون منذ البداية الى هذا الأمر، لكانوا تمكنوا من تفادي مشكلة كبيرة في البلد. فقد سجّل لبنان في يوم واحد 672 إصابة من المقيمين من أصل 7270 فحصاً. وبالتالي نجد أنّ نسبة الإصابات تشكّل 9.2% من الفحوصات. وبعد يوم واحد، كان عدد الإصابات أكبر، لكنّ نسبتها من مجمل الفحوصات كانت 8.7%، أي أنّ عدد الفحوصات أقلّ، لكنّ عدد الإصابات أكثر، وهذا الأمر يثير القلق. فعندما تتعدّى نسبة الفحوصات الإيجابية الـ5% في البلد، هذا يشير الى أن المرض منتشر بكثرة، وفي هذه الحالة تدعو منظمة الصحة العالمية البلد الى الإقفال. لذلك نقول أنه لو تنبه اللبنانيون الى هذه النسبة وباشروا بالإقفال فور ارتفاع النسبة الى ما فوق الـ5%، كان يمكن تفادي أزمة كبيرة.



MISS 3