نوال برّو

"غياب المواد الغذائية والبطانيات" يكسر دعاية المقاومة

في27 تشرين الثاني الماضي، سطرت نهاية الحرب الدموية بين "حزب اللّه" وإسرائيل وعاد معظم النازحين إلى قراهم مع إعلان وقف إطلاق النار. إلّا أن النهاية السعيدة والمؤلمة جداً في آن واحد لم تكتمل معالمها بعد، لأنّ نازحي القرى المتاخمة للحدود لم يعودوا بعد. في هذه القرى، يتجوّل الجيش الإسرائيلي بطلاقة، مستهدفاً العائدين ومستغلاً أيامه الأخيرة قبل انسحابه منها بترك القنابل العنقودية والألغام ذكرى للجنوبيين وراءه. وبكثير من الغصّة، يخبرنا أهالي هذه القرى أن عودتهم لن تحمل سوى النكبة لأنّ معظم المنازل الموجودة قرب الشريط الحدودي فجّرت ودمّرت من قبل الجيش الإسرائيلي.


وبعد أكثر من سنة وشهرين، ما زال أمين الأمين وعائلته يعانون لوعة النزوح وهم اليوم موجودون في منطقة عرمون. فبعدما ترك أمين مدينته الخيام التي عاش فيها "بعزة وكرامة" تاركاً وراءه "منزلاً جميلاً جداً وفخماً" كما وصف في حديث لـ "نداء الوطن"، بات اليوم بعد كل هذه المدة من التهجير بحاجة إلى أدنى المتطلبات اليومية ومنها "الحرامات" والمواد الغذائية لكي يلبّي حاجات أطفاله الأربعة. أما عن المساعدات التي توزّع على النازحين، فلم يصل لأمين وعائلته سوى "أذن الجمل" كما شبّه، شارحاً أنها رمزية نوعاً ما وهو ما يزيد الأمور صعوبة.


فأمين حاله كحال الكثير من الجنوبيين، خسر عمله منذ تاريخ بدء المعارك الحدودية في 8 تشرين الأول 2023 كما صرف كل الأموال التي جمعها في حياته خلال هذه السنة. لا يعرف أمين إن كان منزله ما زال صامداً أو أنه تحوّل إلى ركام... أما الأصعب من ذلك أنه قد يضطر قريباً إلى ترك المنزل الذي يسكنه بالإعارة في الوقت الحالي لأن أصحاب المنزل أمهلوه حتى آخر الشهر ما اضطره إلى التفكير بالعودة إلى مدينته والعيش ولو فوق ركام المدينة بسبب الوضع المادي الصعب الذي وصل إليه.


أما إيلي عيد، ابن علما الشعب، وصف هذه السنة بسنة المعاناة، وهو الذي هُجر عن بيته وأرضه منذ أكثر من عام وشهرين أيضاً وما زال بسبب خطورة العودة إليها في الوقت الراهن. أكثر ما يؤلم إيلي هو شعوره أنه وأبناء المناطق التي عاشت الخطر خلال هذه السنة منعزلون عن لبنان، لأنه وفقاً لتعبيره لا أحد يشعر بهم. وشكا إيلي الغلاء الفاحش والاستغلال بالأسعار خلال فترة الحرب وما بعدها، وهو الذي فقد أصلاً مصادر رزقه منذ الثامن من تشرين الأول. خسر إيلي منزل العائلة وخسرت القرية عشرات البيوت ومساحات شاسعة من كروم شجرات الزيتون المعمّرة التي جرفها الجيش الإسرائيلي. وفيما يصرّ إيلي على إعادة إعمار منزله، سيحرص في الوقت نفسه على بناء منزل متواضع لا فخم خوفاً عليه من حروب مقبلة. أما عن المساعدات التي كانت تصل لأبناء قريته، فهي استندت إلى البلديات والكنائس فقط.


إذاً العودة لن تكون أفضل ما يكون بالنسبة لهؤلاء، حالهم حال الآلاف الذين فقدوا منازلهم، وعلى الرغم من وعود "حزب اللّه" بإعادة البناء يبقى كل من خسر منزله في حالة من التوتر مع مشاهدة الخسائر التي تكسر ظهر "حزب اللّه" كل يوم، وآخرها سقوط نظام حليفهم السوري بشار الأسد. وتبقى الأسئلة: هل سيتمكن "حزب اللّه" بمساعدة إيران حقاً من بناء كل ما هدمته إسرائيل بعد كل هذه النكسات؟ ومن سيعوّض على هؤلاء النازحين ما خسروه منذ الثامن من تشرين الأول وحتى اليوم؟