في 8 كانون الأول 2024، أُعلن رسمياً سقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد لسوريا، وهو نظام بدأ مع والده حافظ الأسد عام 1971، واستمر بقبضة حديدية قمعية أرهقت السوريين، وقتلت الآلاف منهم وهجرت أكثر من 10 ملايين وغرق الآلاف في البحر. ومع سقوط النظام، بدأ الحديث عن مرحلة ما بعد الأسد، وهي مرحلة مليئة بالتحديات، خاصة أن إرث هذا النظام لا يقتصر على رموزه السياسية، بل يمتد إلى بنية اجتماعية وثقافية واقتصادية معقدة.
هذا المشهد يُعيد إلى الأذهان تجربة ألمانيا بعد سقوط النازية في 8 أيار 1945، حيث لم تنتهِ أفكار الحزب النازي بسقوط هتلر، بل استمرت عقوداً عبر فلوله الذين رفضوا تصديق انهيار النظام. وبينما تمكنت ألمانيا من اجتثاث النازية بفضل برنامج Denazification، يبدو أن سوريا، وداعمي النظام في لبنان، يواجهون تحدياً مشابهاً في التخلص من إرث الأسد.
فكما تغلغلت النازية في كل جوانب الحياة الألمانية، فعل نظام الأسد الشيء نفسه في سوريا. لم يكن النظام مجرد سلطة سياسية، بل كان مشروعاً أيديولوجياً وعسكرياً واقتصادياً يهدف إلى ترسيخ الولاء للنظام عبر شبكات من المصالح والفساد والقمع.
اليوم، ومع سقوط الأسد، يُتوقع أن تستمر فلول النظام في محاولة إعادة إنتاج نفسها. من القيادات الأمنية والعسكرية التي لعبت دوراً في الحرب الأهلية، إلى شبكات الفساد التي استفادت من هيمنة النظام على الاقتصاد، جميعها ستسعى للحفاظ على نفوذها، سواء داخل سوريا أو في لبنان، حيث ما زال حلفاء الأسد يتحكمون في السلطة.
التشابه مع Denazification
بعد سقوط النازية، أطلق الحلفاء برنامجاً شاملاً لاجتثاث الأفكار النازية ومحاسبة رموزها. تضمنت هذه العملية محاكمات نورمبرغ الشهيرة، تطهير المؤسسات الحكومية، وإعادة تشكيل الثقافة الألمانية. لكن الأمر لم يكن سهلاً، فقد استمر الكثير من الألمان في التعاطف مع النازية، واستغرق الأمر جيلاً كاملاً من الإصلاحات لتجاوز هذا الإرث.
سوريا تواجه معضلة مشابهة. اجتثاث إرث الأسد يتطلب خطة شاملة تشمل:
1. محاسبة المسؤولين عن الجرائم: كما في محاكمات نورمبرغ، يجب أن يخضع رموز النظام السوري، من قادة عسكريين وأمنيين، لمحاكمات عادلة عن الجرائم التي ارتُكبت خلال سنوات الحرب.
2. إصلاح المؤسسات: تطهير الأجهزة الأمنية والقضائية من العناصر الموالية للنظام.
3. إعادة تشكيل الثقافة العامة: التخلص من منظومة الولاء الشخصي للنظام، والعمل على بناء هوية وطنية جديدة تُعلي قيم الديمقراطية والعدالة.
4. العدالة الانتقالية: معالجة الانقسامات الطائفية والمجتمعية التي عمّقها النظام، وضمان تعويض الضحايا وردّ المظالم.
لبنان: الفلول تستمر في إعادة إنتاج نفسها
كما حاولت فلول النازية في ألمانيا التأثير في المشهد السياسي بعد سقوط هتلر، تحاول الطبقة السياسية اللبنانية المتحالفة مع الأسد اليوم الحفاظ على حضورها.
هذه الطبقة التي استفادت لعقود من الدعم السوري، تُعيد إنتاج نفسها عبر استغلال الفراغ الرئاسي للاستمرار في السلطة والانتقال بكل إرثها إلى المرحلة المقبلة. ومع سقوط الأسد، نزح العديد من تجار السلاح والممنوعات المرتبطين بنظامه إلى لبنان. هؤلاء لم يهربوا هرباً من المحاسبة فقط، بل قد يسعون إلى تحويل لبنان مركزاً جديداً لأنشطتهم. هذا النزوح سيؤدي إلى تعميق الأزمة اللبنانية، في ظل محاولة فلول النظام السوري إعادة إنتاج أنفسهم من خلال التحالف مع قوى محلية تستفيد من الفراغ الأمني وضعف مؤسسات الدولة اللبنانية.
التاريخ يُعلمنا أن سقوط الأنظمة الديكتاتورية لا يعني نهاية تأثيرها. كما احتاجت ألمانيا إلى جيل كامل للتخلص من إرث النازية، ستحتاج سوريا، وربما لبنان، إلى جهود مماثلة للتخلص من إرث الأسد. تحقيق ذلك يتطلب إرادة دولية ووطنية قوية، وخططاً مدروسة لاجتثاث الفلول ومنعها من إعادة إنتاج الماضي في المستقبل.