روي أبو زيد

550 ألف دولار لإعادة إعمار مدرسة راهبات القلبين الأقدسين-السيوفي

الأخت إيلين ريشا: رواتب 200 عائلة قد تتوقف

19 أيلول 2020

02 : 00

حين تعاين الدمار الذي لحق بمدرسة راهبات القلبين الأقدسين في منطقة الأشرفية، السيوفي، تدرك تماماً أنّ هذا الصرح التربوي عصيّ على الأزمات مهما كثرت والعواصف مهما اشتدتّ. هي ليست مدرسة بالمعنى اللّغوي للكلمة فحسب، إذ تحضن كلّ من دخل كنفها وجلس على مقاعدها لتعدّ منه خميرة رغيدة يكون ملح الأرض ونور العالم، في مجتمع تملؤه الأنانية ويتحكّم الألم في مفاصله.

بقيت راهبات القلبين الأقدسين وفيّات وأمينات لرسالتهنّ التي حملنها منذ عقود مضت، ورحن يطبّقنها بسبل عدة، فحملن بإرسالياتهن روح التعليم العام 1889 وصمدن في الحروب العالمية الأولى والثانية. تأسست مدرسة راهبات القلبين الأقدسين في الاشرفية منذ العام 1936 وسلّمت لشفاعة القديس يوسف أب العائلة وحجر أساسها. عمدت الراهبات فيها بدايةً الى تشجيب وتثقيف الفتيات اللواتي سيضحين أمهات أو مكرّسات في حياتهن، فنفحن في أنفسهنّ روح المسيح المليئة بالخدمة والتواضع والمحبة. لكنّ حبة الحنطة أبت إلا وأن تموت كي تثمر براعم أضفت رونقاً وعطراً فواحاً في منتصف الخمسينات، فأصبحت المدرسة تستقبل الفتيات والفتيان لإعداد عائلات صالحة مبنيّة على أسس متينة لا تتزعزع.

حين تعرّج على الطابق الأول من المدرسة، تلحظ مجسّماً لقدموس مكتوب عليه: "على مثاله حملتم مشعلاً للعقل وللقلب". ومن هذا المنطلق، يتمّ العمل على الصعد كافة الروحية والفكرية لإطلاق مشاريع إنسان تتطوّر مع الحياة وسرعتها وتزرع الأمل بدل الألم.

إنقضت السنون والمدرسة تعدّ الأجيال الواحد تلو الآخر، ولكن في العيد الرابع والثمانين لتأسيسها حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ طالها الانفجار الزلزال الذي دمّر مرفأ بيروت وخلّف أضراراً مادية كبيرة جداً، إذ ضرب بقوّة المباني الثّلاثة وتعرّضت كلّ الصّالات لأضرار جسيمة. أما في المضمون، فحاول الانفجار أن يمحوَ خطوط سنين خطّها الزمن بيراعه، لكنه لم يتمكّن من ذلك!

فنّانات المدرسة "القدامى": يداً بيد نُعيد بناء ما تهدّم!

تؤكد الممثلة باميلا الكيك وهي من قدامى المدرسة في حديث لـ"نداء الوطن" أنّ "مشهد الدمار يمزّق القلوب، خصوصاً أنّ ما حصل كارثة بشرية لن تُنسى". وتضيف أنّ "هذا الإنفجار قضى على ذكريات طفولتنا، ولن نرضى بأن يقضي على مستقبل الأجيال اللاحقة"، مردفة أنّ "هذه المدرسة تتّخذ قطعة من قلبها خصوصاً وأنها قضت بين صفوفها سنين طفولتها".



باميلا الكيك



وشددت على أننا "سنعمّر المدرسة يداً بيد لأننا تربّينا فيها علـــى هذا النحو"!

تشير الفنانة ليال نعمة الى أنّ "هذا الصرح التربوي لا يوصل المعلومات العلمية فحسب للطلاب، بل يزوّدهم قيم الثقافة والوطنية".وتلفت الى أنّ "لبنان بلد معروف بالعلم والثقافة ومدرسة كراهبات القلبين الأقدسين تزرع الإنسانية في أفئدة طلابها أولاً، لذا تخرّجهم مسلمين ومسيحيين وتستقبلهم من دون تفرقة بين لون او دين". وتختم نعمة بحزن: "للأسف، بات المكان الذي يزوّد أولادنا بالحب والثقافة مدمّراً، لكن رسالتنا كمسيحيين تقتضي منا الاستمرار رغم الصعاب التي تواجهنا".



ليال نعمة



تلفت مديرة مسرح الجميزة والممثلة صولانج تراك الى أنّني "عشت أجمل ايام طفولتي ومراهقتي في هذه المدرسة"، مردفة أنني "اكتشفت بيروت وتعرّفت على شوارع الأشرفية بفضلها". وتضيف تراك أنّ "هذه المدرسة زرعت فينا روح الانفتاح، فكنّا نصطفّ حول بعضنا البعض ونتناقش كتلامذة بالرغم من اختلافاتنا الدينيـــــة أو السياسية".

وتشـــدد على أنّ "مدرسة عريقة كهذه بحاجة لدعمنا كي تستعيد قوّتها وتكمل مسيرتها"، معربة عن أسفها إزاء المبادرات الفردية التي تعمد الى تقديم يد العون في ظلّ الغياب التام للدولة. وتختم تراك بحزن: "هذا الانفجار هدّم الأمكنة الثقافية التي تعنيني كثيراً، هذا إضافة الى مدرسة راهبات القلبين الأقدسين، تهدّم مسرح الجميزة العريق الذي أديره ونقدّم وزملائي على خشبته أفضل الأعمال منذ سنوات عدة". وتتساءل: "لماذا كل هذا الاذى وحتى متى سنبقى رهـــن الدمار والإرهاب؟".



صولانج تراك



تسلّمت الأخت إيلين ريشا إدارة المدرسة منذ عشرين عاماً فعملت بكلّ أمانة على استكمال الرسالة التربوية وطوّرت المدرسة بشراً وحجراً. ولأنها أم حضنت آلاف الأولاد طوال هذه الفترة، تتوجّه ريشا بنداء الى القدامى قالت فيه: "لم تتوقّف مدرستكم يوماً عن تكوين انسان داخل كلّ واحد منكم، واقف أمام الله ومتضامن مع الغير". وتضيف: "إنّ المدرسة بحاجة إليكم اليوم لتبقى واقفة ولتتابع مهمّتها تجاه الأجيال الجديدة الصّاعدة"، لافتة الى أنّه "بدون دعمكم وكرمكم فإنّ السيوفي مهدّدة بعدم فتح أبوابها في مطلع شهر تشرين الأوّل المقبل، وهو التّاريخ المحدّد من قبل وزارة التّربية والتّعليم العالي لبدء التدريس. فكونوا سفراء المدرسة في محيطكم ومؤسّساتكم المختلفة".


وتشير ريشا الى أننا "حضّرنا ملفاً كاملاً موثقاً بالصور ومترجماً الى اللغتين الفرنسية والانكليزية وقدمنا نسخة منه الى قوى الامن الداخلي والى الجهات المعنية، لكن حتى الساعة لا جواب". وتشدد على أنني "لن أقبل أن تمرّ سنتان على تلامذتنا من دون مدرسة، خصوصاً وأننا إن لم نهتم بالتربية فهذا يعني اننا لا نفكر بمستقبل لبنان. وهنا تكمن الغصة في القلب".

وتلفت ريشا الى أن "رواتب 200 عائلة من الاساتذة ستتوقف إن لم نفتح المدرسة هذا العام". وتسأل بحرقة: "ماذا سيحلّ بالتلامذة البالغ عددهم 2000 تلميذ؟ هذا ما يشغل بالي وقلبي وعقلي". وتختم ريشا ببسمتها المعهودة التي لا تفارقها رغم قساوة الظروف: "أصلّي يومياً من أجل هذه المدرسة. في الكنيسة تحطمت كل الزجاجيات الملونة إلا واحدة وهي تمثّل أملي وقوتي، هذه الزجاجية ترمز الى خميس الاسرار عندما قال يسوع لتلاميذه: سأكون معكم حتى نهاية الدهر". وكلما انهار عزمي أقول له: "أنت معنا، وحاضر بيننا. فأستعيد قوتي".





SIOUFITHON


أقامت المدرسة الأربعاء الفائت حملة بعنوان «Sioufithon» لإعادة ترميمها. وضمّت الحملة عدداً من الأنشطة بدءاً من الساعة العاشرة صباحاً حتى الخامسة من بعد الظهر.

وتؤكد مسؤولة مكتب القدامى في المدرسة انابيل حاج أنّ «الهدف من هذا النهار هو الاتصال والتواصل بقدامى المدرسة فضلاً عن المرتاحين مادياً من سياسيين وفنانين ومثقفين كي نجمع التبرعات لإعادة ترميم الأضرار». وتشير الى أنّ «المبلغ الذي نحن بحاجة إليه لإعادة فتح أبواب المدرسة هو 550 ألف دولار»، موضحةً أنّ «الكلفة الأساسية تكمن في الألمنيوم والزجاج والخشب والمقاعد الدراسية، لأن المدرسة مؤلفة من واجهات زجاجية مزدوجة ضخمة تحطمت بالكامل جراء الانفجار كما تضررت الستائر إضافة الى نحو عشرة أجهزة كمبيوتر وماكينتي رياضة». وتضيف حاج: «الحمد لله، أساسات المدرسة بخير، إذ ما زالت صامدة».

وتلفت الى ان «تلامذة وأساتذة المدرسة تطوعوا وقاموا بحملة لرفع الردم وتنظيف المدرسة، كما قام المهندس ايلي ناصيف من قدامى المدرسة وأطلق النداء للمساعدة فاتّصل بالمتعهدين من أعمال الخشب والالمنيوم والزجاج».

وتشدد حاج على أنّ «هذه المدرسة تعني لها كثيراً، فهي لم تتركها من السادس من آب حتى اليوم»، وتردف: «اكتشفت شعوراً جديداً يتخطّى الانتماء لهذه المدرسة». تتوقف لبرهة وتتابع بغصّة: «ليتني استطيع أن أحضر جميع الناس الى هنا لجعلهم يعاينون الاضرار وحثّهم على مد يد العون لنا. أنا أتحلّى بالجرأة الكافية لطلب الدعم المادي كي نعيد بناء ما تهدّم».

من جهته، يؤكد مسؤول القدامى في الاغتراب جوني الحلو أنّه «لأمر محزن معاينة هذا الأذى الذي لحق بالمدرسة، خصوصاً وأننا أمضينا اجمل سنين حياتنا في كنفها، خصوصاً وأنها ساعدتنا كي نكون صامدين في هذه الحياة، مزوّدين بالقيم الاجتماعية والروحية بفضل الأنشطة كافة التي كنّا نمارسها في هذا الصرح».

ويتابع الحلو: «زوّدتنا مدرسة راهبات القلبين الأقدسين بروح التواصل والقيادة التي نبثّها اينما حللنا»، مردفاً أنه «علينا أن نردّ الجميل ولو «بفلس الأرملة» لما قدّمته لنا هذه المدرسة من علم وثقافة وقيم». ويختم قائلاً: «مدرستنا وسيلة اساسية لتغيير مجتمعنا ودفعه نحو الأفضل، خصوصاً وأنها خرّجت أشخاصاً لامعين على الصعد كافة ومفيديـــن في وطنهم».





مريم العذراء في ملعب المدرسة

يتوسّط ملعب المدرسة تمثال للسيدة العذراء حاضنة ابنها يسوع. هذا التمثال الذي يفوق عمره النصف قرن لم يتضرّر جراء القذائف في الحرب الأهلية أو ما خلّفه انفجار بيروت أخيراً، ما يشير الى أنّ هذا الصرح التربوي سيبقى محميّاً تحت كنف العذراء وفي ظلّ حمايتها.

للتبرع:

IBL BANK

ACHRAFIEH - SIOUFI

IBAN - LB98005200260013010260263013


BANK LIBANO-FRANÇAISE

ACHRAFIEH - SIOUFI 

IBAN: LB55001000000016545697001840

MISS 3