د. جوسلين البستاني

دور التشابه في التوريث السياسي

نظراً لكون الأنظمة الشمولية تفتقر إلى هدف نهائي بالمعنى السياسي، ولأن غاية القادة المُستبدّين تقتصر على الحفاظ على السلطة، ركّزت أدبيات الخلافة في هذه الأنظمة على إنشاء قواعد ومؤسسات تهدف إلى ضمان ديمومة الحكم بعيداً من الدستور. لهذا السبب تمّ اللجوء مؤخراً في إيران إلى استراتيجية التوريث السياسي كواحدة من أهمّ وسائل ضمان استمرارية نهج المرشد الأعلى الحالي. في الواقع، استُخدمت المؤسسات التي كان يُفترض أن تحول دون هذه الظاهرة إلى أدوات داعمة لها. ويؤكّد المُطّلعون أنّ مسألة خلافة علي خامنئي جرى حسمها خارج الإطار الدستوري، وهو أمر غير مفاجئ نظراً إلى نشاط مجلس خبراء القيادة (أو الهيئة الدستورية المسؤولة عن تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامي)، حيث آخر مرّة اتُّخذ فيها قرار بشأن الخلافة كانت في عام 1989، حين انتُخب علي خامنئي قائداً للجمهورية الإسلامية.

أما في السنوات الأخيرة، فقد برزت تطّورات تُشير إلى تراجع دور مجلس خبراء القيادة بعد أن تمّ اختيار ثلاثة أعضاء منه لتشكيل لجنة مهمّتها "تقديم" مُرشّح لخلافة خامنئي. ما يعكس تغييرات جوهرية في آليات اتخاذ القرار المُتعلّقة بانتقال السلطة. ومن المفارقات الغريبة أن أعضاء تلك اللجنة انتهوا إلى اعتبار مُجتبى، نجل خامنئي، واحداً من "المؤهلين" للخلافة، وهو أمر يُثير الشكوك حول طبيعة عملها. إذ يبدو أن دورها اقتصر على المصادقة على قرارات اتُخذت في مواقع أخرى، دون أن يكون لها وقع فعلي على مُجريات الأمور. اللافت أيضاً هو غياب الشخصيات المؤثرة ضمنها، ما عزّز الانطباع بأنها مُجرّد واجهة لإضفاء شرعية على قرارات مسبقة.


أما بالنسبة لـ "حزب اللّه"، ونظراً لمُعاناته من فراغ قيادي نتيجة الاغتيالات التي طالته خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، فقد بدأ علي خامنئي العمل على "اختيار" خليفة لأمينه العام الراحل، بهدف تقديمه إلى مناصريه كقائدهم المُستقبلي. إذ لم ينجُ "حزب اللّه" من تبعات التحدّي الذي تمثّله خلافة القائد في الأحزاب الشمولية، بعد أن أدّى تعيين الشيخ نعيم قاسم في منصب الأمين العام، إلى إثارة التحفّظات وتصاعد المعارضة له ضمن الفئات الشابة. ووفقاً لمصادر قريبة من "حزب اللّه"، يُعتقد أن نجل الأمين العام الراحل هو المُرشّح الأوفر حظاً لتولّي القيادة مستقبلاً. ويُعزز هذا السيناريو الاعتماد التقليدي للأحزاب الشمولية على تبرير مركزية السلطة وآليات انتقالها من خلال استحضار مبادئ أيديولوجية ودينية، حيث يُقدَّم القائد كشخصية تتمتّع بصفات شبه إلهية أو معصومة. كما يتمّ رفعه إلى مكانة أسطورية، من خلال استخدام الإعلام والشعارات والأناشيد بشكل استراتيجي سعياً لخلق أيقونة. وقد سبق لمؤيدي الأمين العام الراحل أن اعتقدوا بخلوده، بسبب نجاته المُتكرّرة من محاولات اغتيال إسرائيلية، ما عزّز صورته الأسطورية بينهم.

وعليه، يُطرح السؤال التالي: من يمكن أن يكون أكثر أهلية لخلافة الأمين العام الراحل من ابنه الذي يُعتبر امتداداً لرمزية والده وقوّته؟ وتزداد هذه الأهلية قوّة إذا أضفنا إليها التشابه الكبير في الملامح بينهما. فالتشابه الجسدي مفهوم قلّما يُناقش في علم الأعراق البشرية الحديث، لكنه يبقى ذا أهمية خاصة في المجتمعات التقليدية. بالفعل، لا تنظر هذه الثقافات إلى التشابه كصفة وراثية فقط، بل كرمز يستعيد الصلة بين عالم الأحياء وعالم الأسلاف. من هذا المنطلق، يُمثّل التشابه استمرارية رمزية لوجود القائد الراحل، ما يُعزّز فكرة القيادة التي لم تغب فعلياً، بل انتقلت إلى الجيل الجديد كامتداد طبيعي ومُقدّر لها.


ساهمت هذه العوامل مُجتمعة في تعزيز فكرة توريث قيادة "حزب الله" لنجل أمينه العام الراحل، ما جعلها تحظى بدعم قوي من المُرشد الأعلى علي خامنئي الذي أضفى عليها رمزية خاصة بمنحه عمامة والده وخاتماً دينياً لتعزيز مكانته. كما يتمّ العمل على تأهيله لِتحمّل مسؤولية القيادة عبر إخضاعه لبرنامج تدريبي مُكثّف تحت إشراف خبراء إيرانيين. وقد أكّد نجل الأمين العام الراحل خطوة المُرشد ضمن منشور على حسابه على إنستغرام جاء فيه "إن الولي الفقيه السيّد علي خامنئي ألبسه بيديه المباركتين العمّة التي كان والده متوّجاً بها". وهنا أيضاً يُشير مفهوم التتويج إلى بديهيات عملية توريث السلطة، واستمالة الخلفاء المُحتملين من بين أفراد العائلة. الأمر الذي يؤمّن استبدال شمولية الحزب بديكتاتورية القائد الأوحد.