نجح النّجم سيلفستر ستالون مراراً في دور البطل الشّديد البنية، صاحب العضلات المفتولة والشّرايين النّافرة التي تكاد تنفجر مع مجموعة القنابل والرّصاص واللّكمات التي يرميها في وجه الأخصام، لدرجةٍ جعلته أكثر الممثّلين شهرةً وأجراً في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين بمُعدَّل 15 مليون دولار للفيلم الواحد!
وتمتد مسيرة الكاتب والممثل والمخرج لأفلام "Rocky" و "Rambo"، لأكثر من خمسين عاماً، مُحقّقاً عبر أكثر من 50 فيلماً من بطولته (بصرف النّظر عن مُشاركاته الثانويّة) أرباحاً مجتمعة تخطَّت 4 مليارات دولار على شباك التذاكر العالمي... ولكن هل تصلُح كل تلك الإنجازات في ابتكار المعجزات؟!
الصوت العائد
في الظاهر، يعود الصوت الفرنسي المُدبلج والمعتاد لستالون في أحدث إصداراته السّينمائيّة "Armor"... أمّا في الباطن والأهم والأصدم، فهو أنَّ الممثِّل الفرنسي آلان دورفال والذي اعتاد أداء دبلجة صوت ستالون في النّسخة الفرنسيّة من أفلامه لخمسة عقود، قد توفّي مُنذ سنة تقريباً! أمر أثار حفيظة عائلة الممثّل الفرنسي الرّاحل بعد أن لجأ منتجو الفيلم إلى شركة بريطانية ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي لاستنساخ صوت دورفال. واعترضت أورور بيرجيه، ابنة دورفال التي تشغل أيضاً منصب وزيرة المساواة في فرنسا على النتيجة قائلةً إنَّ نتيجة الصّوت المستحدث عبر الذكاء الاصطناعي غير مقبولة، كما نفت أي تقارير سابقة تفيد بأنها وافقت على عمليّة الاستنساخ الصّوتي!
وبعد أن شهدنا بعض الأخذ والردّ عبر موقع "إكس" من الوزيرة نفسها، تفاجأنا بالإعلان الصادر الأسبوع الماضي عن المنتجين والشركة البريطانية على أنَّ المشروع قد حظي بمباركة عائلة دورفال، لتوضح بيرجيه في بيان "إذا أردنا أن نُكرِّم حرفة والدي وإرثه، فهُناك فارق كبير بين خلق صوت جديد بشكلٍ مُصطنع -وكان والدي يُعارض ذلك بشدَّة- وإعادة إحياء ممثّل، صوته راسخ بعمق في خيالنا الجماعي".
اعتراض جماعي
ولِعدم اقتناعي بالثّوابت المُتناقضة التي بُني عليها بيان الوزيرة، لم أتفاجأ البتّة بموجة الانتقادات العارمة والغاضبة عند إطلاق الشّريط الدّعائي أو "الترايلر" الخاص بالفيلم عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، حيث بدا الصّوت بكل بساطة مُزيّفاً، بعد أن خلا من التّمايز الانساني والتّلاعب الفطري للممثّل بمقدرات صوته!
كما شعر العاملون في مهنة الدبلجة في فرنسا بالإهانة من هذه الحالة، فتظاهروا بدورهم منذ بضعة أيام في باريس، كجزء من حركة "لا تلمس صوتي" (Touche pas à ma VF)، وطالبوا وزارة الثقافة بحمايتهم وتأكيد الاستثناء الثّقافي لمهنتهم، مؤكّدين بأنَّ 15 ألف وظيفة معرّضة لخطر التوقّف والاستبدال الرّقمي. وتُعيدنا هذه التحرُّكات إلى إضرابات المُمثّلين الأميركيّين خلال صيف 2023 والتي دامت 118 نهاراً، والتي ارتكز أحد مطالبها الأساسيّة على استحداث قوانين جديدة تحميهم من سوء استخدام الذكاء الاصطناعي في استنساخ صورهم وأصواتهم، من دون أخذ إذنهم الرّسمي وبالتالي منحهم التّعويضات المُناسبة.
وما يجعلنا نتساءل عن نيّات الشّركات المنتجة والاستديوات الكبرى، يدفعنا لنؤكد دائماً ومُجدّداً على أهميّة الذكاء الاصطناعي كأداةٍ مُساعدة في الأعمال خاصّةً الابداعيّة منها، وليس كعُنصر استبدال للذكاء البشري، الفكري أو العاطفي منه.