جاد حداد

Ratched... لا يرقى إلى الشخصية الأصلية

23 أيلول 2020

02 : 00

إنها لمفارقة كبيرة أن تكون أقوى المشاهد في مسلسل Ratched من أكثر اللحظات سلاسة! حاول المنتج راين ميرفي في هذا العمل اقتباس القصة الأصلية للممرضة الشهيرة "ميلدريد راتشيد" من فيلمOne Flew Over the Cuckoo's Nest (أحدهم طار فوق عش الوقواق). في أحد المشاهد المماثلة، تجلس "ميلدريد" الشابة (سارة بولسون) مقابل "غويندولين بريغز" (سينثيا نيكسون) في مقهى مريح على شاطئ البحر وترتشف المرأتان خلطات الكوكتيل ثم تغيظ "بريغز"، وهي المرأة الأكبر سناً والأكثر ثقة بنفسها، رفيقتها وتخبرها بأنها ستتلذذ بتذوق المحار.

يعجّ هذا المشهد بالجوانب السردية ويعكس تعقيدات الشخصيتَين: تكون "غويندولين" مساعِدة حاكم ولاية كاليفورنيا الفظ، وهو رجل يستطيع تقرير مصير مستشفى الأمراض النفسية الذي بدأت "ميلدريد" العمل فيه للتو ويستضيف شخصاً من ماضيها. لا تستطيع الممرضة أن تخسره مجدداً! من الممتع طبعاً أن نشاهد ممثلتين مخضرمتين وهما تتنقلان بين ألغام الآمال الخفية والمخاوف الملموسة التي تحملها هاتان الشخصيتان في القصة، لكن من الواضح أن المسلسل لا يثق بقوة الدراما الإنسانية التي يعرضها للأسف.

تضطر "ميلدريد" للقيام بمهمة إنقاذية لكن سرعان ما تنساق وراء أعمال وحشية مثل التلاعب برجل مضطرب لإقناعه بالانتحار في عيادة رئيس المستشفى "ريتشارد هانوفر" (جون جون بريونز) خلال إحدى زيارات حاكم الولاية كي تتمكن من التسلل لاحقاً وتنظيف ساحة الجريمة، فتظهر حينها بصورة منقذة الطبيب. وفي مشهد آخر، تُخضِع الممرضة كاهناً بريئاً لجراحة دماغية لأنه شاهِد على أحداث كثيرة. هي تعرف أن سلوكها خاطئ لكنها مقتنعة بأهمية ما تفعله. تجسّد الممثلة سارة بولسون دور "ميلدريد" بطريقة تعكس ثقل تجاوزاتها وتفانيها المخيف لقضيتها. يتعارض إدراكها لسلوكها القاتم بقوة مع موقف الدكتور "هانوفر" الذي يعتبر نفسه بطلاً في مجاله لكنّ علاجاته "المبتكرة"، على غرار جراحة الفص الجبهي في الدماغ أو المعالجة المائية في المغاطس الساخنة أو التنويم المغناطيسي، تكون وحشية لدرجة أن يحلم أي قاتل متسلسل باستعمالها.





سرعان ما تعود "ميلدريد" إلى إنسانيتها حين تقرر مع ممرّض آخر اسمه "هاك" (تشارلي كارفر)، وهو من المحاربين القدامى المشوّهين، إنقاذ مريضتين: إنهما امرأتان وقعتا في الحب أثناء وجودهما في المستشفى لكن يجبرهما الأطباء على تلقي "العلاج" للتخلص من "آفتهما" عبر جلسات تعذيب متواصلة من العلاج المائي. يكون قرار الممرضة بإنقاذ المرأتين انعكاساً لاستعدادها لتقبّل مشاعرها تجاه "غويندولين" والاعتراف بأحاسيس التعاطف الكامنة في داخلها تجاه الآخرين. لا تعتبر "ميلدريد" الحب تجربة إيجابية طوال الوقت بل تدرك أنه محفوف بالأشواك أيضاً.

بعد حل هذا الجانب من الحبكة، من المؤسف أن يغرق المسلسل تحت ثقل "ابتذال" مفاجئ وغير مبرر فتكثر مؤامرات الاغتيال والمكائد السياسية وعمليات هرب العشاق. يبدو أن صانع المسلسل إيفان رومانسكي وأعضاء فريقه ما عادوا مقتنعين بأن الرغبات البشرية القوية والمؤثرة هي التي تحرك القصص الإنسانية المقنعة. يضحّي المسلسل بتماسك إيقاعه لعرض مشاهد قوية ومعقدة بدرجات متفاوتة، لكنّ هذه المقاربة تُضعِف اهتمام المشاهدين بدل جذبهم، لا سيما حين تطغى السخافات على أداء الممثلين الثانويين البارعين من أمثال بريونز، أو جودي ديفيس بدور "بيتسي بوكيت"، منافِسة "ميلدريد" الأساسية في مركز الممرضات، أو فين ويتروك بدور المريض الذي تتعلق به "ميلدريد". يتخذ المسلسل في هذه المرحلة من القصة منحىً مختلفاً بالكامل، فيصبح أشبه بنسخة تجريبية من موسم سرّي لمسلسل American Horror Story (قصة رعب أميركية) لكنه يغوص في أسوأ جوانبه. على مستويات عدة، يشبه راين ميرفي الدكتور "هانوفر"، ذلك الرجل الذي يعتبر نفسه مخترعاً فريداً من نوعه لكنه يُحدِث أضراراً حقيقية على أرض الواقع. يتّضح هذا التشابه في طريقة تجسيد الإعاقات الجسدية والأمراض النفسية. تبدو الشخصيات المصابة بإعاقات جسدية في هذا المسلسل وحشية أو كائنات بريئة تعاني بصمت. قد يوحي Ratched بأنه يتمحور حول الأهوال التي يتعرض لها الضعفاء المصابون بأمراض نفسية، ظاهرياً على الأقل، لكنه يغرق بكل وضوح في أسوأ النماذج النمطية التي تعكس صورة خاطئة عن المرض النفسي، مع التركيز تحديداً على الجانب الخطير الذي يكسبه الناس بسبب تلك الأمراض. في فصول متقدمة من المسلسل، تظهر على الساحة مريضة مصابة باضطراب تعدد الشخصيات اسمها "تشارلوت ويلز" (صوفي أوكونيدو)، فتبدو أشبه بإعصار مدمّر وتُحدِث الفوضى والعواصف في محيطها. لكن لن يمرّ وقت طويل قبل أن تتحول من ضحية إلى قاتلة وحشية. يتضاعف أثر هذا الجانب من الشخصية لأن "تشارلوت" هي المرأة السوداء الوحيدة التي تؤدي دوراً ثانوياً بارزاً. لن يتعاطف المشاهدون إلا مع المريضتَين اللتين يساعدهما "هاك" و"ميلدريد" على الهرب، وهما امرأتان شقراوان يتبيّن لاحقاً أنهما ليستا مجنونتَين بل مجرّد ضحيتَين للتعصب الذي كان سائداً في تلك الحقبة.

لطالما انعكس هذا التعاطف الانتقائي سلباً على أعمال ميرفي لكنه أكثر إحباطاً في Ratched لأن هذا المسلسل كان يستطيع التطرق إلى مواضيع لا يمكن حصرها بشعارات عابرة في أعمال أخرى. كانت الشخصية الرئيسية تسمح بمناقشة مواضيع النفوذ والحب والهوية والنوع الاجتماعي بعمق، لكنّ مسلسل Ratched لا يستحق أن يحمل اسمها كونه لا يعكس إرث الشخصية الأصلية!


MISS 3