في عالم كرة القدم، لا تُقاس النجاحات فقط بالألقاب والكؤوس، بل بالإدارة الحكيمة التي تقود الأندية إلى مصاف القمة. الاستقرار الإداري يمثل حجر الزاوية لأي نادٍ يطمح للنجاح المستدام، وهو ما تؤكده تجربة نادي ريال مدريد الذي أعلن مؤخراً عن إعادة انتخاب فلورنتينو بيريز رئيساً للنادي بالتزكية لفترة جديدة تمتد حتى عام 2029.
فلورنتينو بيريز، الذي بدأ رحلته مع النادي الملكي منذ عام 2000 على فترتين، يُعد مثالًا حياً على أهمية الاستقرار الإداري. في عهده، تحول ريال مدريد إلى أحد أعظم الأندية على الإطلاق، محققاً 6 ألقاب لدوري أبطال أوروبا، إضافة إلى العديد من البطولات المحلية والدولية.
كما تمكن بيريز من تحويل النادي إلى مؤسسة اقتصادية عملاقة، إذ ساهمت إدارته في زيادة الإيرادات بشكل كبير، وقاد مشروع تجديد ملعب «سانتياغو برنابيو»، الذي يعد من أحدث المنشآت الرياضية في العالم، مما يعزز قوة النادي اقتصادياً ورياضياً.
يونايتد وإرث فيرغسون
يُعد مانشستر يونايتد نموذجاً آخر للاستقرار الإداري في عصر السير أليكس فيرغسون، الذي قاد الفريق لمدة 27 عاماً حقق خلالها 38 لقباً، من بينها 13 لقباً للدوري الإنكليزي الممتاز وخمس كؤوس اتحاد إنكليزي ولقبين لدوري أبطال أوروبا.
تميز فيرغسون ليس فقط بإدارته الفنية، بل بقدرته على بناء منظومة متكاملة في النادي، تعتمد على التخطيط طويل الأمد وإعادة بناء الفريق بمرونة مع تغيّر الأجيال. تحت قيادته، كان مانشستر يونايتد واحداً من أقوى الأندية عالمياً، سواء من الناحية الرياضية أو الاقتصادية.
لكن ما حدث بعد اعتزاله عام 2013 يعكس كيف أن غياب الاستقرار الإداري يمكن أن يؤدي إلى تراجع سريع. فقد عانى النادي من تبديل مستمر للمدربين وغياب رؤية واضحة، مما أثّر على نتائجه وجعل العودة إلى القمة أكثر تعقيداً.
بايرن والاستقرار في أبهى صوره
يُعتبر بايرن ميونخ من أبرز الأمثلة على النجاح الذي يمكن تحقيقه بفضل الاستقرار الإداري. النادي البافاري يتمتع بإدارة متماسكة وقيادة تمتاز بالخبرة والاستمرارية. شخصيات مثل أولي هونيس وكارل هاينز رومينيغه لعبت دوراً محورياً في تشكيل هوية النادي واستقراره.
أولي هونيس، الذي شغل منصب المدير الرياضي والرئيس لفترات طويلة، أسهم في بناء منظومة رياضية واقتصادية تُعد الأفضل في ألمانيا، حيث ركز على تحقيق التوازن بين النجاح الرياضي والاستقرار المالي.
كارل هاينز رومينيغه، بدوره، قاد النادي إلى تحقيق نجاحات أوروبية كبرى، مثل ثلاثية عام 2013 تحت قيادة يوب هاينكس وثلاثية عام 2020 بقيادة هانز فليك. إدارة بايرن ميونخ لا تقتصر فقط على نجاح الفريق الأول، بل تتضمن أيضاً استثمارات قوية في الأكاديميات والبنية التحتية، مما يضمن استمرارية نجاح الفريق على المدى الطويل.
برشلونة الوجه الآخر للفوضى
على الجانب الآخر، يُظهر نادي برشلونة كيف يمكن للفوضى الإدارية أن تقود إلى انهيار رياضي ومالي. بعد عهد ذهبي تحت قيادة جوسيب ماريا بارتوميو وساندرو روسيل، تراجعت إدارة النادي بشكل ملحوظ بسبب القرارات الخاطئة
الصفقات الباهظة وغير المدروسة، إنفاق مئات الملايين على لاعبين مثل فيليب كوتينيو وعثمان ديمبيلي من دون تحقيق الفائدة المتوقعة. وسوء إدارة الموارد، توقيع عقود ضخمة مع اللاعبين، مما رفع فاتورة الأجور بشكل غير مستدام، التخبط الرياضي، عدم الاستقرار على مدربين أو خطط طويلة الأمد، مما أفقد النادي هويته.
كما أن رحيل النجم التاريخي ليونيل ميسي بسبب أزمة الرواتب، كان حدث شكل ضربة كبيرة لصورة النادي عالمياً.
أهمية الاستقرار في عالم الأندية
النجاح المستدام في كرة القدم لا يأتي بضربة حظ أو موسم مميز، بل هو نتيجة تخطيط طويل الأمد واستقرار إداري يضع رؤية واضحة للأهداف.
فبينما يمثل ريال مدريد وبايرن ميونخ ومانشستر يونايتد في عهد فيرغسون نماذج مشرقة للاستقرار، يظل برشلونة مثالاً حياً على كيف يمكن للفوضى الإدارية أن تُبدد سنوات من النجاح وتجعل النادي في دوامة من الأزمات.