لا تعبّر الكلمات عن حجم الفرح الذي لفّ المقهى، ذاك الخميس، يوم انتخب النواب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية: توزيع البقلاوة والمشاريب، ورفع الأعلام اللبنانية، وصفّ رؤوس الأرجيلة المعسل والعجمي A gogo لكل الحاضرين.
لكنّ تلك الفرحة كانت باهتة يوم سمّى النواب الرئيس المكلف نواف سلام في الاستشارات النيابية الملزمة. أغلب روّاد المقهى أصيبوا بالذهول، ليس حباً بأبي ماهر (نجيب ميقاتي) لا سمح اللّه، وإنّما خوفاً من المجهول.
هذه الحالة دفعت الحشرية بداخلي لمعرفة الأسباب من خلال استطلاعي رأي الحاضرين في المقهى.
سألت أبا مصطفى: "شو أبو صطيف؟ بلاقيك مش كتير مبسوط!".
ردّ أبو مصطفى: "يا أخي القاضي سلام قامة كبيرة بلا شك... بس ما منعرفه، ويلي ما بتعرفه بتجهله".
أعجبني المثل الشعبي الذي قاله لي أبو مصطفى، لكنني لم أقتنع، وقرّرت القفز نحو شخص آخر في المقهى، لأستمزج رأيه بتلك التسمية، فحملت الكرسي ونقلته إلى "القاطع التاني" من المقهى عند أبي محمود: "وأنت أبو محمود شو مشكلتك مع نواف؟ ليش مبوّز هيك؟".
ردّ أبو محمود بدوره هو الآخر: "قلبي مش مرتاح يا أبو زهير... حاسس رح ناكل الضرب فيه هالزلمي".
هنا قاطعنا أبو خليل قائلاً: "يا أخي اعطوه فرصته... قال شو إلك بالقصر قالو مبارح العصر. خلّي قفاه يسخن على الكرسي قبل القيل والقال".
لم يرق هذا الحوار كله لأبي راشد، الذي دخل إلى المقهى كـ "الثور الهائج" وبدأ بالصراخ: "يا أخي شو طاعونها هالطائفة؟ يعني معقول كل خياراتنا تكون محصورة بعائلة بيروتية واحدة؟ يا تمام ويا أمين يا نواف سلام؟... لك قوموا بقا... قوموا بقا". ثم خرج من المقهى يحدّث نفسه كمن مسّه طائفٌ من الشيطان.
تلك كانت عيّنة صغيرة عن حقيقة أبنائنا في الطائفة: نصفها خائف لا يعبّر، ونصفها الآخر "لاحسو إبليس".
في ذاك الوقت، توافقنا على التريّث. وتعاهدنا في ما بيننا أن نقوم بإعادة تقييم المرحلة بعد أن تتشكل الحكومة. عندها نستطيع الحكم إن كانت الطائفة بحاجة إلى قاضٍ أو "مشلخ" حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
في حينه، لعنت الساعة التي فتحت بها هذا النقاش. لففت نبريش الأرجيلة بعنقها، وخرجت مدبراً إلى المنزل عند أم زهير، وقلت: الله يلعن ساعة الغفلة.